على مدى الاسابيع القليلة الماضية توقفت عند ثلاث محطات تناولت جميعها قضية الزواج المبكر ضمن أحد محاورها، فمنذ أيام شاركت فى الدورة التدريبية التى نظمتها منظمة العمل الدولية، بالاشتراك مع وزارة التضامن، وكان الحوار الذى دار حول عدد من القضايا والمشكلات الاجتماعية، قد تطرق إلى ظاهرة زواج القاصرات فى بعض قرى الوجه البحرى تحديدا، وكيفية تنشيط دور الرائدات الريفيات والاجتماعيات، حتى تستطعن الوصول إلى الأسر، وتحاولن تغيير أنماط الثقافة السائدة التى ترسخ لفكرة «سترة البنت». المحطة الثانية كانت داخل مجلس النواب، حيث دعت لجنة التضامن الاجتماعي، قبل إعلان نتائج التعداد، إلى حوار مجتمعى بشأن الزيادة السكانية، تحدث الحاضرون عن أسباب تزايد معدلات الانجاب بهذه المعدلات الكبيرة، فأكدوا أن الزواج المبكر، هو أحد تلك المسببات. المحطة الثالثة كانت ضمن حوار مع الدكتور عبد الهادى القصبى رئيس لجنة التضامن بمجلس النواب، سألته عن مواجهة ظاهرة الزواج المبكر، وكانت نتائج التعداد قد تم الاعلان عنها، فقال إن هناك حزمة من التشريعات التى تغلظ عقوبة الاقدام على تزويج القاصرات، ومنها مشروع قانون لرفع سن الزواج إلى 21 عاما... عن حكايات الزواج المبكر، أو زواج القاصرات، حدث ولاحرج، فمازالت الثقافة التى تعتمد على أن البنت عبء يجب التخلص منه، هى ثقافة سائدة حتى يومنا هذا، وبالتالى تلجأ كثير من الأسرالى تزويح بناتها، منذ الصغر، اعتمادا على انها ستعيش فى بيت زوجها، ولن تكلف والديها الكثير، سوى بعض قطع الاثاث والملابس البسيطة لزوم تجهيز بيت الزوجية، وبعدها ينتقل عبء الزوجة إلى الزوج، وعليها أن تواجه طوفان أعباء الحياة بمفردها وهى مازالت لا تمتلك من الخبرة ما يؤهلها لذلك، وقد يكون مصيرها الفشل قبل أن تكمل السن القانونية، وهنا تضيع حقوقها التى لم تثبت أصلا. الزواج المبكر ظاهرة فقر وجهل، والغريب أن من تعلموا وحصلوا على الشهادة الجامعية، يلجئون لهذا الاسلوب تقليدا لثقافة وعادات وتقاليد بالية، وهنا تحضرنى حكاية لأب حاصل على مؤهل جامعى من احدى كليات القمة، ولكنه عاش فى قريته طيلة حياته، وقام بتزويج ابنته وهى فى الصف الثانى الثانوى ولم تكمل عامها السابع عشر، والمفارقة أن الزوج كان حاصلا على مؤهل متوسط ويعمل سائقا لميكروباص، هذه الحكاية التى صدمتنى، بررها الأب بأن الأم هى من فرضت رغبتها فى تزويج ابنتها تماشيا مع عادات وتقاليد القرية. هذه الحكاية أكدت لى أننا نتقهقر بتفكيرنا إلى الخلف سنوات وسنوات، كما ان الموروث الذى خلفه دعاة التطرف والتشدد، هو من أصبح يتحكم فى تفاصيل حياتنا، فى ظل تراجع دور رجال الدين الوسطى السمح، وغياب دور مؤسسات التنشئة الاخرى والمنوط بها تعليم النشء. زواج القاصر.. مشكلة متعددة الأبعاد وأثرها فى منتهى الخطورة على المجتمع.. وعلينا أن نجتهد فى مواجهتها قبل فوات الأوان.