صدمة سياسية مدوية أحدثها قرار تنحي رئيس الوزراء التركي عن منصبه كرئيس للوزراء من جهة وكرئيس لحزب العدالة والتنمية من جهة أخرى، ولأن هذا القرار لم يكن متوقعا من جانب أوغلو لعلاقته القوية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال رحلته معه منذ أن كان مستشارا له ثم وزيرا للخارجية ثم رئيسا للوزراء ورئيسا لحزب العدالة والتنمية، وخلال هذا المشوار السياسي عمل أوغلو بإخلاص لمشاريع وطموحات أردوغان حتى أوصله إلى رئاسة الدولة وتغلبه بدبلوماسيته العالية على الكثير من الأزمات والصراعات التي عصفت بتركيا ومنها المشاكل مع المعارضة والخصوم من خلال إقامته للحوار المدني مع كل الفصائل، والقدرة على استعادة الأغلبية لحزب العدالة والتنمية والإفلات من التراجع الذي تحقق في الجولة السابقة وهو ما ضمن لأردوغان المضي في تحقيق مشروعه الإخواني الواهم لإعادة السلطة لتركيا، والأهم من ذلك هو أن أوغلو نجح فيما فشل أردوغان في تحقيقه وهو الاقتراب من الانضمام للاتحاد الأوربي من خلال النجاح الذي حققه أوغلو واتفاقه التاريخي بخصوص ملف اللاجئين والمهاجرين في مارس الماضي مع الاتحاد الأوربي والذي ضمن لتركيا تحقيق الكثير من المكاسب المادية والمعنوية ومنها السماح للأتراك دخول بلدان الاتحاد الأوربي بلا تأشيرة، ولهذا فقد شعر أردوغان بأن داود أوغلو أصبح يشكل خطرًا على مستقبله الرئاسي وحلمه العثماني لأنه بذلك يصبح الأقوى والأقدر على إدارة شئون البلاد في تركيا. وما أغضب أردوغان أيضا هو أنه وعلى ما يبدو لم يستشر ويطلع على بنود الاتفاق الذي أنجزه أوغلو مع الاتحاد الأوربي بخصوص ملف اللاجئين الذي كان وما زال يعتبره أردوغان ورقة الضغط والمناورة الأخيرة مع البرلمان الأوربي لتحقيق أكبر قدر من المصالح، بل واكتشف أردوغان أيضا أن أوغلو بعد هذا الاتفاق قد سحب الأضواء منه وهو المحب لتلك الأضواء من أجل تلميع صورته حتى يتمكن شيئا فشيئا من تحقيق حلمه ليصبح السلطان الأوحد والماسك لكل مفاصل البلاد، كما أن أردوغان يسعى الآن إلى تغيير نظام الدولة التركي من نظام برلماني إلى نظام رئاسي فتحول بذلك صلاحيات رئيس الوزراء له بعد أن فشل في تمرير مشروعه بالبرلمان وهو الأمر الذي لم يتقبله أوغلو فقرر الانسحاب قبل أن يتورط أيضا في تحويل النظام العلماني في تركيا إلى نظام إسلامي وفق شريعة أردوغان فقرر الانسحاب. إن هذا الطموح الأردوغاني نابع من شخص واهم مسكون بالتاريخ يعول على إعادة المجد العثماني المزعوم لتركيا مرة أخرى وهو لا يدرك من أنه يقود تركيا إلى المجهول، ولهذا فهو يحارب حرب قذرة في كل اتجاه، حربه الغير شرعية مع الأكراد وعلاقته السيئة مع جيرانه، ومتاجرته بالأزمة السورية وسعيه لتقسيم سوريا، وسمسرته بملف اللاجئين، وتورطه المشبوه مع داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها التنظيم الإخواني الإرهابي الدولي، وابتزازه لأوربا، وانتهاكه لحقوق الإنسان والحريات العامة، والتخلص من الخصوم والكيانات الموازية له من أمثال عبد الله جولن وغيره من الصحفيين والشخصيات العامة والمعارضة ثم غدره بالأصدقاء والدليل هو تنحي داود أوغلو من مناصبه السياسية في هذا الظرف، ولكل ذلك شعر أوغلو بالخطر من العمل مع تلك الشخصية فقرر الانسحاب وهو على دراية بأن مشروع أردوغان لن يكتب له النجاح وأن سلطنته المزعومة مصيرها السقوط والفشل، كما أدرك أوغلو أيضا أن أوربا لن تسمح لتركيا بالانضمام للاتحاد الأوربي من خلال عمله لأن أوربا في الأساس ترى في مشروع أردوغان الإخواني تناقضا مع علمانية أوربا ولهذا فإن الاتحاد الأوربي غير مرتاح من سياسة تركيا وما يحدث داخلها من صراعات سياسية تتعلق بشكل نظام الحكم فيها وهو نظام لم يتضح بعد ودليل ذلك أن الذي يدير شئون الحكومة الآن هو حزب العدالة والتنمية وهو حزب إخواني غير مرحب به في أوربا إضافة إلى وجود رئيس لا يمكن الثقة فيه بعد إزاحته أو تهديده لرئيس وزرائه ولكل ذلك أعلنت لجنة الحقوق والحريات العامة وأعضاء البرلمان الأوربي تأجيل دخول الأتراك بلا تأشيرة لأوربا في تلك المرحلة لعدم ارتياحهم لما يحدث من صراعات سياسية تتعلق بنظام الحكم فيها صراعات ستقود المشروع الأردوغاني حتما إلى الهاوية ولكل تلك الأسباب قرر أوغلو هذا الدبلوماسي والأكاديمي الانسحاب من الساحة السياسية تاركا السلطان أردوغان يحكم تركيا وحده.