أصبح الطلاق بين الرئيس التركى رجب طيب أردوغان ورئيس وزرائه أحمد داود أوغلو على بعد أيام، ففى 22 مايو الجارى سيعقد حزب العدالة والتنمية، الحاكم منذ عام 2002، انتخابات طارئة لاختيار رئيس جديد للحزب والذى سيكون فى الوقت نفسه رئيساً للوزراء عقب قرار أوغلو بالتنحى عن المنصبين إثر خلافات حادة مع أردوغان. أوزغان تيكيت، الصحفى فى صحيفة خبر تورك، قال إن قرار رئيس الوزراء لم يكن مفاجئا أبدا، فقد كان واضحا وجود خلافات بين أردوغان وأوغلو فى كثير من المسائل وعلى رأسها النظام الرئاسي، وكشف تيكيت عن وجود لوبى قوى داخل حزب العدالة والتنمية لا يرى أن تحركات أوغلو كانت تسير وفق رؤية رئيس الجمهورية، الأمر الذى أوصل العلاقة بينهما إلى طريق مسدود، أما الصحفى إسلام أوزكان فيرى أن أوغلو لم يستقل برغبته، بل بتوجيه من رئيس الجمهورية، وقال فى تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، إن اختلاف وجهات نظر الرجلين لا علاقة له بالاستقالة، معتبرا أن السبب الرئيسى للخلاف هو رغبة أردوغان فى التحكم بمفرده فى كل الامور وعدم رغبته فى وجود رئيس حكومة ينافسه فى إدارة حزب العدالة والتنمية وادارة امور تركيا. وزاد أوزكان أن تركيا دخلت فعليا بعد استقالة أوغلو فى النظام الرئاسى بدون سند قانوني، مشيرا إلى أن التطورات السياسية فى المرحلة المقبلة ستحدد آلية عمل النظام السياسى فى البلاد. وكان التوتر بين الرجلين قد ظهراً للعيان بعد تصريحات الحاشية المقربة من أردوغان فى وسائل الإعلام عن «خيانة أوغلو» وتصرفه منفرداً فى الملفات الخارجية خصوصاً لقاءاته بالزعماء الأوروبيين التى لا يطلع أوغلو اردوغان على تفاصيلها، ولا سيما الاتفاق مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والذى يتم بموجبه إعادة اللاجئين السوريين من اليونان إلى تركيا مرة أخرى وتضييق أنقرة الخناق على كل من يرغب عبور بحر إيجه مقابل إعادة فتح ملف انضمام تركيا للاتحاد الأوروبى ومنح مواطنيها تأشيرة شينجن دون قيود على الأقل فى الوقت الراهن. وفى المقابل فإن أوغلو كان يشكو دوماً من تغول أردوغان على صلاحياته فى الحزب وتحديداً فيما يخص تعيين رؤساء أفرع الحزب فى المحافظات، كما أن أوغلو عارض علناً حبس الصحفيين المتهمين بالتطاول على الرئيس التركي، وأبدى استياءه من أماكن احتجازهم التى توصف بغير الآدمية، وطبقاً لارديم جول الصحفى بجريدة الجمهورية التركية اليومية، فإن « العديد من قادة الجيش والمخابرات ومسئولى وزارة الخارجية أصبحوا مؤيدين بحماس لأوغلو وهو ما غذى مخاوف لدى أردوغان، فقرر الإجهاز على رئيس وزرائه وأجبره على الاستقالة». وإذا كانت استقالة أوغلو على هذا النحو تأتى فى توقيت حرج جداً لأردوغان ونظامه، بفعل تصاعد وتيرة العمليات العسكرية التى يقوم بها حزب العمال الكردستانى ضد وحدات الجيش والشرطة التركية، فضلاً عن الهزائم المتتالية للفصائل المسلحة التى تدعمها تركيا فى سوريا ضد بشار الأسد، فإن صحيفة فورين بوليسي، ترى أنه مع خروج أحمد داود أوغلو من «الباب العالي»، فإن الغرب فقد رجُلَه المعتدل فى أنقرة، لا سيما أن الاضطراب السياسى فى تركيا يزيد مخاوف واشنطن من أن يعمق الخلاف بين أنقرة والإدارة الأمريكية عمليات التنسيق والتوحد لقتال «داعش»، فى الوقت الذى تصعد فيه أمريكا حملتها العسكرية، وتركيا هى شريك رئيسى فى هذه الحملة. ورغم رفض الإدارة الأمريكية التعليق على انسحاب أوغلو من زعامة الحزب الحاكم فى أنقرة، معتبرة أنه «شأن داخلى تركي»، فإن مهمة واشنطن تبدو عسيرة بعد سحب أردوغان البساط من تحت أقدام أوغلو، بحسب ما تراه النخبة السياسية الأمريكية، حيث انتقد أردوغان الولاياتالمتحدة لدعمها المقاتلين الأكراد الذين ينظر إليهم الأتراك على أنهم إرهابيون، وشكلت هذه المسألة «حجرعثرة» أمام التعاون الأمريكى التركي، إذ هدد أردوغان مرارا بانسحابه من التحالف الذى تقوده امريكا إذا استمرت واشنطن بالعمل مع الأكراد. وليست الولاياتالمتحدة وحدها، من تشعر بالقلق والحذر من مغادرة أوغلو منصبه، فأوروبا أيضا تبدو أنها تترقب تبعات ما سمته صحيفة الجارديان البريطانية ب«الرحيل القسري» للرجل المقرب من الاتحاد الأوروبي، واعتبر بعض المراقبين أنه فى ظل غياب داود أوغلو المعتدل، الذى خفف وجوده من حدة سلوك أردوغان وحقق بعض التوازن، فإن اتفاق الاتحاد الأوروبى مع أنقرة بشأن اللاجئين قد يواجه قريبا أزمة شديدة. أخيراً فإن مصادر مقربة من أردوغان أشارت إلى أن وزير العدل بكير بوزداج ووزير الدفاع عصمت يلماز والناطق باسم الحكومة نعمان كورتلمش ووزير الاتصالات بن على يلدرمهم أبرز المرشحين لتولى رئاسة حزب العدالة والتنمية الحاكم خلفا لداود أوغلو.