بعد زيارة السيد 'عبد الفتاح السيسي' رئيس الجمهورية لروسيا يجد قارئ التاريخ نفسه وقد استدعت ذاكرته مواقف لم ولن تمحها السنون تجسّد العلاقات الروسية المصرية لأرقي ما تكون عليه من صداقة وتعاون.. فمنذ أن قامت ثورة يوليو 1952 كانت مصر تجاهد لتنقل قضاياها وقضايا العروبة إلي طريق آخر غير طريق التبعية والاستجداء. كما قال الزعيم الراحل 'جمال عبد الناصر': '.. في الوقت الذي كنا نعمل فيه من أجل تحقيق الاستقلال السياسي كنا أيضا نعمل من أجل تحقيق الاستقلال الاقتصادي.. وألاّ تكون السيادة في مصر إلاّ لأبناء مصر.. وألاّ يرفرف في سماء مصر إلاّ علم مصر... وعندما طالبتنا انجلترا وأمريكا أن نتحالف معهم ضمن 'حلف بغداد' كان كلامنا لهم أننا لا نستطيع أن ندخل في حلف إلاّ الحلف الذي يضم الدول العربية وحدها.. بل يمكن أن نتعاون معكم معاونة الند للند.. لكننا لا نقبل أبدا أن نكون أذيالاً أو أن نكون تابعين لأحد'. كما كان لدعوة 'ناصر' لسياسة الحياد الايجابي وعدم الانحياز أثر كبير في غضب المعسكر الغربي فحارب مصر اقتصاديا مما دفعها إلي رفض مساعداته المشروطة والمهينة. وأن توجه نظرها إلي المعسكر الشرقي فأقامت مع الاتحاد السوفيتي علاقات في مجالات متنوعة تقوم علي المساواة وما يحقق لها كرامتها وسيادتها في أرضها.. أسفرت هذه العلاقات عن عرض روسيا الجاد لتمويل 'السد العالي' وهو أكبر مشروع تنموي في العصر الحديث بعد أن سحب صندوق النقد الدولي عرضه ونقض وعده بايعاز أمريكي. وبعد تأميم شركة قناة السويس شنّت اسرائيل عدوانها علي مصر وأعقبه العدوان الانجلو فرنسي ادركت روسيا الخطر الذي يهدد أصدقاءها وأوضح المارشال 'بولجانين' رئيس الوزراء السوفيتي أن الهدف الرئيسي من العدوان علي مصر الذي قد يتحول إلي حرب عالمية ثالثة ليس مصدره حرية الملاحة في قناة السويس فهي مضمونة وإنما هي الرغبة في إعادة النظام الاستعماري إلي الشرق فبعث: ديمتري شبيلوف ' وزير الخارجية الروسي إلي رئيس مجلس الأمن يقول: 'إن هذا العدوان يفرض علي الأممالمتحدة اتخاذ تدابير لايقافه لئلاّ تُنتهك مبادئ الأممالمتحدة ومُثُلها العليا'. كما أرسلت روسيا في 10 نوفمبر 1956 إنذارا بايقاف إطلاق النار خلال 12 ساعة جاء فيه: 'ان بريطانيا وفرنسا قد تُستهدفان لهجوم دولة أقوي منهما كثيرا وتستطيع ضربهما لا بالسفن والطائرات ولكن بالصواريخ الموجهة'. وصرّح المارشال 'زوكوف' وزير الدفاع الروسي بأن روسيا مستعدة للاشتراك بقواتها المسلحة لوقف العدوان علي مصر إذا لم تنسحب القوات الثلاث فورا منها. وفي هذه الأثناء وصلت إلي الهلال الأحمر المصري باسم الشعب السوفيتي هدية تتكون من '3000' ثلاثة آلاف طن من القمح، ونصف مليون علبة أدوية وأدوات جراحة ومستشفي كامل يسع '300 ثلاثمائة' سرير بكل ما يحتاج إليه من أدوات، و '15 خمسة عشر مستشفي متنقل' و '19 تسعة عشر' سيارة اسعاف. ويستمر الدعم المعنوي الروسي لمصر.. ففي الأول من ديسمبر 1956 صدر قرار من الحكومة السوفيتية بمنع بيع البترول لفرنسا وانجلترا.. كورقة ضغط عليهما.. هكذا كانت روسيا. ولا يفوتنا أن نسجل موقف السوفيت في إعادة بناء الجيش المصري وإمداده بكافة الأسلحة المتطورة عقب هزيمة يونيو 1967.. والتي كانت مصدر النيران الحارقة والمدمرة لقواعد وحصون العدو الاسرائيلي عندما أحسن المقاتل المصري استخدامها فأعاد لمصر كرامتها وطهّر ترابها من الدنس. تلك هي مواقف روسيا قديما والتي لم تتبدّل حتي اليوم فما زالت أذرع الشعب الروسي مفتوحة تقدم المزيد من أجل المساهمة في تنمية مصر اقتصاديا و تعاونا عسكريا يحقق السلام والأمن في ربوع مصر.