الزيارة الروسية التاريخية البالغة الأهمية لوزير الخارجية سيرجي لافروف، ولوزير الدفاع سيرجي شويجو للقاهرة، حاملين رسالة صداقة من الرئيس فلاديمير بوتين والشعب الروسي إلي الرئيس المستشار عدلي منصور والشعب المصري ، ولإجراء محادثات مع وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي، ووزير الخارجية نبيل فهمي، لبحث آفاق التعاون الاستراتيجي في جميع المجالات، هي بكل تأكيد زيارة تاريخية بكل معني الكلمة. فهذه الزيارة التي تجيء بعد 'ثورة ' 30يونيو الشعبية، هي الأولي من نوعها في تاريخ العلاقات الروسية-المصرية إذ تعكس أهمية هذه العلاقات بالنسية لموسكو وضرورة تطوير وتعزيز التعاون مع القاهرة. وهي أول زيارة روسية غير مسبوقة علي هذا المستوي الثنائي الرفيع منذ واحد وأربعين عاما، حينما شهدت السياسة المصرية بعد حرب اكتوبر 'إنقلابا 'علي الشرق نحو الغرب ظنا منها أن 99% من أوراق اللعبة في يد الولاياتالمتحدة ! واليوم، لاتشهد السياسة الخارجية ' انقلابا ' علي الغرب نحو الشرق، بينما الغرب هو الذي قام بانقلاب علي ثورة الشعب المصري، وإنما إعادة صياغة، لتصحيح المعادلات المختلة في بعض العقول المحتلة علي مدي العقود الأربعة الماضية، بهدف إعادة مسارها نحو الاتجاه الصحيح بتوازن استراتيجي، بدلا من الجنوح إلي الغرب بينما تغرب شمسه، ومن الجموح بالعزلة عن الشرق بينما الشرق هو تشرق شمسه، فدائما تشرق الشمس من الشرق وتغرب في الغرب. صحيح أن هذه الزيارة تأتي ردا علي زيارة الوزير نبيل فهمي لموسكو، وأن الدعوة الرسمية لهذه الزيارة التاريخية كانت من الرئيس منصور إلي الرئيس بوتين، لكن الأصح أن الدعوة الرسمية جاءت استجابة للدعوة الشعبية المصرية التي رفعت صور الزعيم عبد الناصر إلي جانب صور الرئيس بوتين والقائد السيسي في ميدان التحرير، وجاءت بعد مبادرة الوفد الشعبي المصري الذي ضم قيادات وطنية وكتاباَ ومثقفين وسياسيين مستقلين بزيارة موسكو مطالبا بعودة علاقات الصداقة المصرية الروسية إلي سابق عهدها المضيء. إن هذه المبادرة الروسية عميقة الدلالات، وعديدة الأهداف، التي توجه الكثير من الرسائل السياسية لكل من يهمه الأمر، لا تمثل اختراقا فقط للستار الحديدي الذي أقامته الولاياتالمتحدة حول مصر بمعاونة نظم مصرية حليفة أو تابعة بعد النظام الناصري الوطني، وإنما تمثل في الواقع ' انقلابا ' حقيقيا للمعادلات الاستراتيجية المتحكمة في المنطقة منذ انفراد واشنطن بشئون الشرق العربي بعد اتفاقات ' كامب ديفيد '، ومحاولة فصل العلاقة التاريخية بين الشعبين والبلدين الصديقين.المصري والروسي ! واليوم، ومصر التي لاتنسي من دعموها من الأشقاء والأصدقاء منذ ثورة يوليو الوطنية وحتي ثورة يونيو الشعبية، مثلما لاتنسي مواقف من تنكروا لها من الأعدقاء، إذ ترحب بزيارة الأصدقاء، لاتقول أن ' الروس قادمون '، بل تقول أن ' الروس باقون ' علي الأرض المصرية بما بنوه من صروح للتنمية كالسد العالي ومصانع الحديد والصلب ومجمع الألمونيوم ومئات المصانع.. و' الروس عائدون ' لإعادة بناء ما تهدم من جسور مابين الشعبين، ولمواصلة دورهم التاريخي إلي جانب الشعب والجيش المصري. و' الروس باقون ' في ذاكرة الشعب المصري الوفي لأشقائه ولأصدقائه الذين وقفوا معه في معاركه التاريخية، ولايغيب عن ذاكرة المصريين، ' التسليح الروسي للجيش المصري عام 55 حينما رفض الغرب، ولا الإنذار الروسي الشهير أثناء العدوان الثلاثي علي مصر عام 56 بضرب لندن وباريس تل أبيب عندما اعتدي علينا الغرب، ولا إنتصار الجيش المصري والسوري في حرب أكتوبرعام 73 بإرادة المصريين والسوريين وبالدعم العربي وبالسلاح الروسي. فعندما تواصل العدوان الثلاثي علي مصر، طار الرئيس السوري شكري القوتلي إلي موسكو مطالبا قادة الاتحاد السوفييني حينها الرئيس بولجانين والزعيم خروتشوف بموقف حاسم يوقف العدوان ويحقق الانسحاب، قال له المارشال زوكوف وزير الدفاع السوفييتي ماذا يمكنني أن أفعل وليس لقواتنا وجود في البحر المتوسط ، وقف الرئيس القوتلي قائلا: أتسألني ياماريشال ماذا بإمكانك ان تفعل.. إفعل مايمكنك أن تفعله.. وقبل مغادرة الرئيس السوري موسكو صدر 'الإنذار الروسي ' الحاسم الذي أجبر المعتدين علي الانسحاب !