' سد أسوان العالي' التسمية الروسية للسد العالي طالما كان لعقود طويلة ومنذ بزوغ فكرة بنائه في منتصف خمسينيات القرن الماضي ترمومتر العلاقة بين القاهرةوموسكو بعد أن اعتبره الكثيرون وعن حق احد ابرز رموز الصداقة المصرية السوفيتية. اعترفت موسكو للجمهورية العربية المتحدة( هل تذكرون هذا الاسم ؟) بحق التمثيل دبلوماسيا في العاصمة السوفيتية بمكتب ترأسه المهندس عبد العظيم أبو العطا وزير الري لاحقا في سبعينيات القرن الماضي, وشرفت بالعمل به مع مهندسينا الذين توافدوا علي الاتحاد السوفيتي للتدريب في أعظم منشآته الهيدروليكية والكهربائية ممن قادوا ويقودون قاطرة التنمية في مصر حتي اليوم. وكانت العلاقة بين العاصمتين بدأت تتخذ أبعادا مغايرة لتقديرات موسكو لثورة يوليو1952 التي اعتبرتها انقلابا عسكريا قبل أن تعود لاحقا لتعترف بعدم صحة التقدير, وعدالة شعارات الثورة وصدق توجهاتها نحو مواجهة الإمبريالية والصهيونية حسب تعبيرات ذلك العصر. ويذكر الكثيرون التقلبات العاصفة في علاقات البلدين بسبب تذبذب أحكام القيادة السوفيتية تجاه سياسات عبد الناصر, ومنها قرار الوحدة مع سوريا وإيداعه الشيوعيين السجون والمعتقلات المصرية وما انتهي لاحقا بقبول دعوته للزعيم السوفيتي نيكيتا خروشوف لزيارة مصر في مايو1964, ومشاركته في تحويل مجري نهر النيل إيذانا بانتهاء المرحلة الأولي من بناء السد العالي. وكان عبدالناصر قد اتخذ قرار الإفراج عن الشيوعيين, وهو ما قيل إن خروشوف وضعه شرطا للقيام بتلك الزيارة. ومع تحول السياسة المصرية بعيدا عن القطب السوفيتي إبان مطلع سنوات حكم الرئيس الراحل أنور السادات تعالت أصوات اليمين المصري تطالب بهدم السد العالي وتتهمه بالتسبب في ضياع خصوبة الأرض الزراعية جراء عدم وصول الطمي, وهو ما كانت تتابعه موسكو بكثير من السخرية المفعمة بألم شديد. وجاء الرئيس حسني مبارك ليعترف للسد العالي بأفضاله بعد أن حال غير مرة دون شرور الفيضان تارة, والجفاف أطوارا أخري وهو ما اعتبرته موسكو تحولا في السياسة المصرية التي سرعان ما دعمها بقراره حول إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الاتحاد السوفيتي في عام1984 بعد فترة انقطاع لم تدم طويلا منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي. وكانت مصر قد فرغت من سداد ديون السد من خلال صادراتها من المنتجات الزراعية والمنسوجات والأثاث بما كان يعني عمليا مدي تفهم موسكو للقيمة الحقيقية لعلاقاتها بمصر بعيدا عن تكبيلها بما كان يريده لها البنك الدولي. هكذا كانت تعرجات المشوار الطويل الذي بدأته موسكو يوم أودعت هذا المشروع عصارة رغبة جارفة راودتها لدعم حركة التحرر الوطني المصرية بعد خيبة أملها في إسرائيل وبعد أن كانت أول من اعترف بها ظنا من جانبها أنها سوف تكون أول دولة اشتراكية في المنطقة. آنذاك التقت رغبتا الطرفين علي وقع توالي ضربات الغرب والبنك الدولي ضد مصر, وهو ما كانت تقف منه موسكو علي مقربة تحفزا للوثوب إلي المنطقة عن قناعة ويقين بعدم صحة تقديراتها الأولي لثورة يوليو1952, ولذا كان من الطبيعي أن تكون اتفاقية بناء السد العالي خير مقدمة لعلاقات أرادها الطرفان نهجا استراتيجيا طويل الأمد, سرعان ما انسحب علي بقية مجالات التعاون العسكري والاقتصادي والتقني العلمي. وقد بدا الاتحاد السوفيتي آنذاك أكثر تمسكا بالكثير من القيم التي انعكست في صدق رغبته في بناء الكوادر الوطنية, ونقل عصارة تجاربه إلي من اضطرتهم الظروف السياسية إلي التوقف عن مناشدة الغرب الدعم والمعونة, ولاسيما بعد العدوان الثلاثي الذي يذكر الجميع اصطدامه بمقاومة الشعب المصري الباسل مدعوما بالإنذار السوفيتي المعروف تحت اسم إنذار بولجانين. ويذكر الجميع ان موسكو لم تتوقف عن تطوير وتعميق مختلف مجالات التعاون مع مصر برغم ما سببته من آلام لحقت بخروشوف الذي أطيح به من منصبه.وكانت علاقته بعبد الناصر واحدة من سلبيات كثيرة ضمها ملف محاكمته أمام اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي في أكتوبر1964, أي بعد عودته من القاهرة بأربعة أشهر لاغير. سيل الذكريات والوقائع التاريخية يتوقف عند هذا الحد الذي فرضته المساحة المخصصة لهذا الموضوع من موسكو. [email protected]