يحيي العالم غداً الخميس/ اليوم العالمي لمكافحة الإتجار بالبشر 2015، حيث اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2010 خطة العمل العالمية لمكافحة الإتجار بالأشخاص، وحثت الحكومات في جميع أنحاء العالم علي اتخاذ تدابير منسقة ومتسقة لهزيمة هذه الآفة الاجتماعية. وحثت الخطة علي إدراج مكافحة الاتجار بالبشر في برامج الأممالمتحدة بشكل موسع من أجل تعزيز التنمية البشرية ودعم الأمن في أنحاء العالم. كانت أحد الأمور المجمع عليها في خطة الأممالمتحدة هو إنشاء صندوق الأممالمتحدة الائتماني للتبرع لضحايا الاتجار بالبشر، وخاصة النساء منهم والأطفال. وفي عام 2013، عقدت الجمعية العامة اجتماعاً رفيع المستوي لتقييم خطة العمل العالمية لمكافحة الإتجار بالأشخاص، واعتمدت الدول الأعضاء القرار 192/68، والذي أقرت فيه اعتبار يوم 30 يوليو من كل عام يوماً عالمياً لمناهضة الاتجار بالأشخاص. ويمثل هذا القرار إعلاناً عالمياً بضرورة زيادة الوعي بحالات الإتجار بالأشخاص والتوعية بمعاناة ضحايا الاتجار بالبشر وتعزيز حقوقهم وحمايتها. ويقدر عدد الذين يقبعون ضحية للعبودية الحديثة وللاتجار بالأشخاص في أي وقت من الأوقات بنحو 2.5 مليون إنسان، فالرجال والنساء والأطفال يقعون فريسة في أيدي المتاجرين بالبشر سواء في بلدانهم أو في الخارج. ويتأثر كل بلد في العالم بظاهرة الاتجار بالبشر، سواء كان ذلك البلد هو المنشأ أو نقطة العبور أو المقصد للضحايا، والعبودية في جميع أشكالها القديمة والحديثة، تعتبر عملاً مشيناً ومخجلاً للإرث الإنساني، كما وصفها داعية الحرية جون ويسلي بأنها عمل مقيت يقوم به المجرمون، ولا مكان له في عالمنا الحديث. وأشار بان كي مون في رسالته بهذه المناسبة إلي أنه في جميع أنحاء العالم والمجرمون يبيعون الناس من أجل الربح، وتشكل النساء والفتيات الغالبية العظمي من ضحايا الاتجار بالبشر، حيث يساقون إلي الاستغلال الجنسي المهين، ويتم خداع ضحايا الاتجار والعمال المستعبدين بوعود كاذبة بالحصول علي وظيفة بأجر جيد، والمهاجرون الذين يعبرون المياه القاتلة من البحار ورمال الصحاري للهروب من النزاعات المسلحة والفقر والاضطهاد هم أيضاً عرضة للاتجار بهم. ويجد الأفراد أنفسهم في وحدة في أرض أجنبية حيث تم تجريدهم من جوازات سفرهم، مما يؤدي إلي اضطراهم إلي الاستدانة واستغلالهم في العمل، كما يجد الأطفال والشباب وقد سرقت منهم حياتهم، حيث يمنعون من تكملة تعليمهم وتبددت أحلامهم، وهذا يعتبر اعتداء علي أبسط حقوق الإنسان والحريات الأساسية. وأضاف مون أن شبكات الإتجار الدولية تزدهر في البلدان التي تكون فيها سيادة القانون ضعيفة والتعاون الدولي أمر صعب. ودعا جميع الدول لمكافحة غسل الأموال والتوقيع والتصديق علي اتفاقيات الأممالمتحدة لمكافحة الفساد والجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، بما في ذلك بروتوكول الاتجار بالبشر الأخير، مشدداً علي أننا بحاجة إلي مساعدة كبيرة للمحتاجين، ولا سيما فيما يتعلق بالحماية، والوصول إلي العدالة وسبل الإنصاف. كما أثني المسئول الأممي علي المانحين الذين يساعدون صندوق الأممالمتحدة للتبرعات لضحايا الاتجار بالأشخاص لمساعدة الآلاف من الأفراد، مؤكداً أننا في حاجة إلي مساهمات أكبر لمساعدة الملايين من ضحايا هذه الجريمة. ودعا مون جميع الدول إلي أن تتوحد لدعم وحماية هؤلاء الضحايا، ومتابعة هؤلاء المجرمين وتقديمهم إلي العدالة، لدحر هذا التهديد العابر للحدود. وقال مون في رسالته:' وفي هذا اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر دعونا نعقد العزم علي العمل معاً للقيام بدور واحد باسم العدالة والكرامة للجميع'. وقد عرف الإتجار بالأشخاص دولياً للمرة الأولي في المادة 3 من بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الإتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، علي أنه يتألف من ثلاثة عناصر هي: 'أ' 'فعل' يتمثل في تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيوائهم أو استقبالهم، 'ب' 'وسيلة' تساعد علي تحقيق الفعل، مثل التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال الإكراه أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة ضعف أو إعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة علي شخص آخر، 'ج' 'غرض' من الفعل المعتزم أو من الوسيلة، أي الاستغلال. وبالتالي فإن موافقة الضحية علي الاستغلال المعتزم غير ذي أهمية عند استخدام أي من الطرق المذكورة، ويتعين توافر العناصر الثلاثة في أي فعل لكي يعد 'اتجاراً بالأشخاص' في القانون الدولي، والاستثناء الوحيد هو أن عنصر 'الوسيلة' لا يكون جزءاً من التعريف عندما يكون الضحية طفلاً، وأكد ذلك التعريف أن نطاق الاتجار أوسع بكثير مما كان يُتصوَّر من قبل: أي أنه يمكن أن يقع لطائفة عريضة من الأغراض، منها علي سبيل المثال لا الحصر، الاستغلال الجنسي، ويمكن أن يكون ضحاياه من الرجال والفتيان، وكذلك من النساء والفتيات، ويمكن أن يقع عبر الحدود أو في داخل البلد، بما في ذلك بلد الضحية نفسها. وقد اعتمدت المقررة الخاصة هذا الفهم للاتجار، مؤكدة في تقريرها الأول أن نطاق الولاية يشمل الاتجار بالأطفال لأغراض جنسية وللعمل والتبني والمشاركة في النزاعات المسلحة، والإتجار بالرجال لغرض العمل الجبري والجريمة المنظمة وغير ذلك من سبل الاستغلال، والاتجار بالنساء والفتيات لغرض الزواج بالإكراه والاستغلال الجنسي والعمل الجبري، والاتجار بالأشخاص لغرض نزع أعضاء الجسم. وكشف 'التقرير العالمي عن الاتجار بالأشخاص لعام 2014' الذي أعده مكتب الأممالمتحدة المعني بالجريمة والمخدرات، أن ملياري شخص حول العالم مورست عليهم جريمة الاتجار بالبشر دون أن يتعرض الجناة للعقاب، وأشار إلي أن 70% من الضحايا نساء وفتيات، و30% منهم رجال وصبية. وذكر التقرير عن أن 1 من 3 ضحايا الاتجار بالبشر هو طفل، وهي زيادة بنسبة 5% مقارنة بالفترة ما بين 2007- 2010. وكشف التقرير عن أن الفتيات يشكلن 2 من كل 3 ضحايا من الأطفال، ويمثلن جنباً إلي جنب مع النساء 70% من إجمالي ضحايا الاتجار في جميع أنحاء العالم. في حين ذكرت التقارير طبقاً لمنظمة العمل الدولية، فإن حوالي 21 مليون رجل وامرأة وطفل يجري إجبارهم الآن علي مزاولة أشكال مختلفة من العمل القسري، وهو ما يدر أرباحاً غير مشروعة تبلغ 150 بليون دولار أمريكي سنوياً. وقال 'يوري فيدوتوف' المدير التنفيذي لمكتب الأممالمتحدة المعني بالجريمة والخدرات، إن البيانات الرسمية التي أبلغ بها المكتب من جانب السلطات الوطنية لا تمثل سوي ما تم الكشف عنه من حالات، وإنه لمن الواضح أن نطاق العبودية في العصر الحديث أسوأ بكثير. وأكد فيدوتوف أنه لا يوجد مكان في العالم يكون فيه الأطفال والنساء والرجال بمأمن من الاتجار بالبشر، موضحاً أن ليس هناك بلد في مأمن فهناك ما لا يقل عن 152 بلد منشأ و124 بلد مقصد متضررة من الإتجار بالأشخاص، وما يربو علي 510 من تدفقات الاتجار تتقاطع مساراتها عبر العالم، ويحدث الاتجار في الغالب داخل الحدود الوطنية أو داخل المنطقة نفسها، في حين يصيب الاتجار العابر للقارات الدول الغنية في المقام الأول. وفي بعض المناطق مثل أفريقيا والشرق الأوسط يشكل الاتجار بالأطفال مصدراً للقلق، إذ يشكل الأطفال 62% من الضحايا، وذكر التقرير أنه زاد أيضا بشكل مطرد في السنوات الخمس الماضية الاتجار لأغراض العمل القسري، بما في ذلك في قطاعي الصناعة التحويلية والبناء والعمل في المنازل وإنتاج النسيج، وأن حوالي 35% من ضحايا الاتجار لأغراض العمل القسري الذين تم اكتشافهم هم من الإناث. وتضمن التقرير أن هناك اختلافات إقليمية في الاتجار بالبشر ففي الغالب يتم الاتجار بالضحايا في أوروبا وآسيا الوسطي لأغراض الاستغلال الجنسي، بينما في شرق آسيا والمحيط الهادئ فإن العمل القسري هو الذي يحرك السوق. وفي الأمريكيتين، يتم اكتشاف هذين النوعين بقدر متساو تقريبا، وقال التقرير إن بعض النساء أصبحن يتاجرن بالبشر بنسبة تصل إلي 30%، في حين يمثل الجناة الذكور نسبة 70% و78% من المتاجرين المدانين يوجدون في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتضمنت أشكال استغلال الضحايا التي عرضها التقرير الاستغلال الجنسي للنساء بنسبة 79%، و14% للعمل القسري وسرقة الأعضاء، في حين يتعرض 83% من الضحايا الرجال للعمل القسري ممثلاً في التنظيف والبناء والخدمات الغذائية والمطاعم والعمل المنزلي وإنتاج النسيج، و8% للاستغلال الجنسي، و1% لسرقة الأعضاء. ويبرز التقرير أن الغالبية العظمي من المتاجرين الذين تمت إدانتهم '72%' هم من الذكور ومواطني البلد الذي يعملون فيه، غير أنه في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن نسبة كبيرة جدا قدرها 78% من المتاجرين الذين تمت إدانتهم هم من الأجانب. ويبرز التقرير أن الإفلات من العقاب ما برح يمثل مشكلة خطيرة، حيث سجلت 40% من البلدان إدانات قليلة أوإنها لم تسجل أية إدانات، وعلي مدي 10السنوات الماضية، لم تكن هناك زيادة ملحوظة في استجابة العدالة الجنائية علي الصعيد العالمي لهذه الجريمة، ما ترك جزء كبير من السكان عرضة للمجرمين. وجاء في التقرير أيضا أن 90% من دول العالم أصدرت قوانين تجرم الاتجار بالبشر، وذلك منذ بدء تطبيق بروتوكول الأممالمتحدة لمكافحة الاتجار بالأشخاص منذ العام 2003، في حين ما زالت هناك 9 دول ليست لديها تشريعات في هذا الصدد علي الإطلاق، و178 دولة أخري لديها تشريعات جزئية تشمل فقط بعض الضحايا أو أشكال الاستغلال. وفيما يتعلق بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أفاد التقرير بأن هناك 3 دول فقط تفتقر إلي تشريعات مكافحة جريمة الاتجار بالبشر، هي ليبيا والمغرب واليمن. وذكر 'مسعود كريمي' المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمكتب الأممالمتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، أن جريمة الاتجار بالبشر لا ترتكب بشكل فردي، وتقف خلف الجناة شبكات من العصابات التي تعمل علي تجنيد شخص من البلاد المستهدفة يعمل علي إقناع الضحية بالهجرة بطريقة غير شرعية مثلا. ورأي كريمي أن التصدي لهذه الجرائم يتطلب الإيقاع بشبكات الاتجار بالبشر كاملة لا بالسماسرة فقط، وهو الأمر الذي يتطلب بدوره أن تتبع الدول والأنظمة الحاكمة مصادر تدفق الأموال المشبوهة من ذيول الشبكة العصابية إلي قمتها. وأشارت ' كاري تابيولا' المستشار الخاص لمدير عام منظمة العمل الدولية، إلي ضرورة دراسة حجم المشكلة وطابعها المتنوع لإيجاد حلول شاملة، ومعاقبة الذين يستفيدون من الاستغلال، واتخاذ تدابير مانعة قوية وتحسين دعم وتعويض الضحايا. في حين ذكر 'مايك دوتريدج' رئيس مجلس أمناء صندوق الأممالمتحدة للتبرعات لمكافحة أشكال الرق المعاصرة، أن المجتمع الدولي استثمر أكثر من 2ر1 بليون دولار أمريكي لمكافحة الاتجار بالبشر، بيد أنه كانت هناك خلال العقد الماضي حالات مروعة لا حصر لها جري فيها الاتجار بأشخاص بالغين وأطفال لم تقدم إليهم أي مساعدة أو لم يتلقوا سوي قدر بالغ الضآلة من العون لا يتيح لهم الخروج من حلقة الاستغلال المفرغة. وأضاف دوتريدج أن صندوق الأممالمتحدة للتبرعات لمكافحة أشكال الرق المعاصرة، والذي تديره مفوضية الأممالمتحدة لحقوق الإنسان، قدم منذ إنشائه في عام 1991، عدة ملايين من الدولارات الأمريكية في منح لمشاريع، واستخدمت أكثر من 400 منظمة علي نطاق العالم هذه الأموال لتقديم مساعدات إنسانية وقانونية ونفسية واجتماعية إلي ضحايا الرق المعاصر، ويذهب أكثر من نصف المنح إلي الناجين من الاتجار.