الموسيقار الإيطالي الشهير وقائد الأوركيسترا الأشهر الفنان أرتورو توسكانيني الذي ولد في نهاية القرن ال 19 وتوفي عام 1957 كان يعمل معه في الأوركيسترا التي يقودها توسكانيني عازف شاب إستمر مع توسكانيني لمدة 25 عاماً.. وكانت هناك حفلة لتكريم توسكانيني في أواخر أيام حياته.. ووقف الجميع يلقون الخطب المنمقة في روعة وعظمة ورقة وإنسانية توسكانيني، وهنا طلب توسكانيني من العازف الذي عمل معه علي مدي ربع قرن أن يقف ليقول كلمة صغيرة عنه. إعتذر العازف بأدب شديد وقال : عفواً سيدي لا أريد. لكن توسكانيني أصر علي أن يستمع لرأي عازف الأوركيسترا الأول. فما كان من العازف إلا أن صعد علي المنصة وأمسك بالميكروفون وقال : لقد كنت لا أريد أن أبدي رأياً في معلمي وأستاذي الفنان العظيم أرتورو توسكانيني.. لكن طالما السيد توسكانيني مصمم علي سماع رأيي فيه فها أنا أقول رأيي بكل صراحة. سكت العازف الكبير قليلاً، ثم قال : أيها السادة، بالنسبة لرأيي في توسكانيني الفنان فإنني أحني رأسي له إجلالاً وتعظيماً.. ثم انحني راكعاً أمام توسكانيني حتي كادت رأسه تلامس الأرض.. ثم انتصب واقفاً وعاد إلي الميكروفون وقال : أما بالنسبة لتوسكانيني الإنسان.. وفجأة إستدار حيث يقف توسكانيني متوسطاً منصة التكريم وانحني العازف ليخلع حذائه ويضرب به توسكانيني علي رأسه وفي كل جسده. يجب أن نفرق أيها السادة بين ما يعجبنا من الشخصية العامة سواءً كان فناناً أو كاتباً أو أديباً أو شاعراً أو سياسياً.. وبين التعامل معه عن قرب. لقد التقيت في حياتي بشخصيات كانت الناس تكاد تعبدهم من دون الله بسبب ما يكتبونه أو يقولونه من كلمات رفعتهم لمصاف الألهة، وعندما تعاملت معهم شخصياً كانوا من الحقارة كمثال.. والتقيت بأشخاص كانت الناس - وأنا منهم - تعتبرهم متملقين ومُتزلفين وعُباد سلطة وقليلي موهبة.. ثم عندما تعاملت معهم إنسانياً وجدت فيهم كل صفات الرجولة والشهامة والصدق و'جدعنة' أولاد البلد.