الحب شعور مقدس والمحب راهبه والقلب محرابه.. فهو منحة ربانية يهبها الله لمن يصطفيه من عباده فهل ذلك يحتاج إلي يوم لنبرهن علي صدق مشاعرنا، فتراودني أسئلة كثيرة هل مشاعرنا لا تصحو إلا في ذلك اليوم، هل لا نقول لأحبابنا 'أحبك' إلا مرتين في العام يوم 4 نوفمبر وهو عيد الحب المصري، ويوم 14 فبراير وهو عيد العشاق العالمي، لم َ نقنن الحب في يوم؟! لست ضد الاحتفال بعيد الحب ولكن ضد اختصاره في يوم، فكل يوم بين المحبين هو عيد حب يولد فيه عشقهم من جديد، ليخلصهم من العيوب فالمتجلي في عشقه يري الوجود جميلا كجمال محبوبه وليس بالضرورة ان يكون الجمال هو جمال الشكل، فالاهم هو جمال الروح لان الشكل يفني والروح تبقي، فيصبح المحب مبدعا يتحرك كعصفور يغرد لحن حبه في كل صباح. واري إنّ موضوع العشق موضوع لا تنتهي الكتابه عنه، ويختلف بحيث رؤية كل محب، ولكن المحب الزاهد يري في قلب محبوبه عالمه وفي عيناه حياته، فالحب يمثل جانب اساسي في حياة الأنسان، فيصبغ جميع نشاطات حياته بالوان قوس قزح المبهجة لتخرج لوحة فنية تُري في عيون المحبين. فالحب حتي الآن لا أحد يعلم سره، فالمحبة من عند الله.. فالله محبة، فجأة تنجذب القلوب لبعضها البعض ويفرز كلاهما هرمون المحبة، والقادمة من كلمة 'حب' وهي بذور النباتات فهنا تلقي بذور الحب في القلوب لتغرس جذور العشق في الروح، وكأنه داء ليس له دواء إلا اللقاء. ومن الناحية اللغوية فالحب هو التعلق بالشيء وعدم القدرة علي التخلص منه، فهو عذاب مبهج الذي أولع بمحبوبه، وهو مأخوذ من الحباب وهو الذي يعلو المطر الشديد، ونستطيع القول ان الحب هو الميل الدائم بالقلب الهائم والطواعية الكاملة،. و قال رسول الله صلي الله عليه وسلم 'الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف'، كما عرف الفقية الاسلامي ابن حزم الاندلسي الحب قائلا 'وليس بمنكر في الديانة، ولا بمحظور في الشريعة، إذ القلوب بيد الله عزوجل'، والحب أعزك الله داء عياء وفيه الدواء منه علي قدر المعاملة، ومقام مستلذ، وعلّة مشتهاة لا يود سليمها البرء، ولا يتمني عليلها الإفاقة. يزين للمرء ما كان يأنف منه، ويسهل عليه ما كان يصعب عنده حتي يُحيل الطبائع المركبة والجبلّة المخلوقة. لذلك في نظري الحب أكبر وأقدس من ان نختصره في يوم، ولكن بات يوم الحب أو عيد الحب أو عيد العشاق أو 'يوم القديس فالنتين' مناسبة يحتفل بها كثير من الناس في أنحاء العالم ويعبر فيه المحبون عن حبهم لبعضهم البعض عن طريق إرسال بطاقات عيد الحب أو إهداء الزهور أو الحلوي لأحبائهم. ويرجع عيد الحب العالمي إلي اكثر من اسطورة منها ان القديس فالنتاين، كان داعية من دعاة الحب في روما القديمة، وأن دفاعه عن الحب الطاهر والإعلاء من شأنه كقيمة اجتماعية وإنسانية ينبغي ألا نخجل منها، هو الذي أدي به إلي السجن علي يد سلطات روما. ولأنه آمن بالحب قضية ورسالة، حكم عليه بالموت، وتم القبض عليه علي أن يقطع رأسه فيكون بذلك عبرة لمن ابتع سبيله. وفي أثناء مكوثه خلف القضبان، وقع فالنتاين في حب ابنة سجانه، وكان يرسل لها الخطابات السرية، التي تحمل عبارة 'فالنتاين' تلك العبارة التي اجتازت أزمانا وعصورا، لتحيا بدلالاتها حتي يومنا هذا. وفي الرابع عشر من فبراير 'شباط' جري إعدام نصير الحب فالنتاين، وتم التمثيل بجثته أمام الملأ، ليتحول بذلك إلي أسطورة يتداولها الناس.. ثم إلي تاريخ يحتفلون فيه بعيد الحب. وثمة رواية أخري يتم تداولها حول هذا القديس الإيطالي وتقول بأن 'فالنتاين' الذي عاش في القرون الوسطي، عاصر فترة الحروب الصليبية.. التي قادتها الكنيسة باعتبارها حربا دينية لتحرير مهد السيد المسيح.. وقد أرجأت الكنيسة عقد القران لمئات الشباب حتي يشاركوا في الحرب.. ولكن القديس فالنتاين الذي كان نصير العشاق كان سراً يقوم بذلك. وعند اكتشاف أمره أعدمته السلطات الكنسية.وعاماً بعد عام ظل الطليان يحتفلون بذكري إعدام فالنتاين في الرابع عشر من فبراير من كل عام. ثم طارت الاحتفالات إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية فتعامل معها الأميركان من منطق احتفالي وتجاري صاخب.. الأمر الذي أدها إلي تكريس هذا العيد شيئا فشيئا في شتي أنحاء العالم. أما عيد الحب المصري في 4 نوفمبر من كل عام، وهو اليوم الذي اختاره الكاتب الصحفي مصطفي أمين نزولا علي رغبة بعض القراء في عموده الشهير 'فكرة' الذي نشر في 4 نوفمبر 1988، وقد لاقي مصطفي أمين الكثير من الهجوم من بعض الرجعيين ولم تقابل فكرته بأي حماس وقتها لأن أغلب الناس اعتقدوا أنه يطالب بعيد للعشق والغرام وتوابعهما. ويقول مولانا جلال الدين الرومي يتكوّن الفكر والحب من مواد مختلفة. الفكر يربط البشر في عقد، لكن الحب يذيب جميع العقد، إن الفكر حذر دوما وهو يقول ناصحا: 'احذر الكثير من النشوة' بينما يقول الحب: 'لا تكترث! أقدم علي هذه المجازفة'. وفي حين أن الفكر لا يمكن أن يتلاشي بسهولة، فإن الحب يتهدم بسهولة ويصبح ركاما من تلقاء نفسه، لكن الكنوز تتواري بين الانقاض والقلب الكسير يخبئ كنوزا. الحب هو اكسير الحياة لا نستطيع ان نحيا بدونه، والعشق طاهر متوضأ بدموع العاشقين وليس بمنكر فالقلوب بيد الله، ولذلك فليس للحب عيد فكل يوم في حياة المحبين عيد ومن حق كل محب أن يحتفل بحبه كل يوم وليس في يوم محدد، فيقول ابن حزم الاندلسي 'وصل المحبوب هو الصفاء الذي لا كدر فيه، والفرح الذي لا شائبة ولا حزن معه، وكمال الأماني، ومنتهي الأراجي.' فالحب هو سر مقدس يطهر انفسنا وكأننا نولد من جديد، وكل يوم في عيون المحب عيد، لذلك اري ان الحب خمر يُسكر صاحبه بالحلال.. فيبقي العشق وباقي الأشياء إلي زوال، وهذا مذهبي.