خلسة من الزمن وهروباً من صخب الحياة يلجأ قلبك إلي مكان يتوقف فيه الزمن للحظات، ويعم الصمت المكان ويخجل الضوء من الاشتعال، فتجد نفسك عدت الي العصر الاندلسي لتبدأ رحلة تحرير الروح بكلمات بيرم التونسي 'عن العشاق سألوني وأنا في العشق لا أفهم' علي لسان ابن حزم الاندلسي الذي عادت روحه لتنشر الحب وتداوي قلوب المجروحين. ويتابع ابن حزم حديثه عن العشاق ب 'الحب أوله هزل وآخره جد.. دقت معانيه لجلالتها عن منطوقه.. فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة.. وليس الحب منكرا في الديانة ولا مكروها في الشريعة.. إذ القلوب بيد الله عز وجل، وقد اختلف الناس في معناه ثم يخرج العشاق وكأنهم أرواح طاهرة من أروقة قصر الأمير طاز ليشكو حالهم لطبيب القلوب ابن حزم، وبين قصصهم تجد نفسك الضائعة، تجد علاج جرحك الذي عجز الاطباء عن مداوته، تجد درب روحك الصحيح، وكأنك وجدت مصل جرح الهوي بين سطور العرض، حيث يقول ابن حزم 'والحب داء عياء وفيه الدواء منه علي قدر المعاملة, ومقام مستلذ, وعلة مشتهاة لا يود سليمها البرء, ولا يتمني عليلها الإفاقة.. يزين للمرء ما كان يأنف منه, ويسهل عليه ما كان يصعب عنده حتي يحيل الطبائع المركبة والجبلة المخلوقة. ويبدأ ابن حزم في وصف دواء لكل داء من أوجاع الحب من كتابه الجامع لأنواع وخبايا الحب واسراره 'طوق الحمامة في الألفة والألاف'، والذي وصف بأنه أدق ما كتب العرب في دراسة الحب ومظاهره وأسبابه، وقد ترجم الكتاب إلي العديد من اللغات العالمية، ويحتوي الكتاب علي مجموعة من أخبار وأشعار وقصص المحبين، ويتناول بالبحث والدَّرس عاطفة الحب الإنسانية علي قاعدة تعتمد علي شيء من التحليل النفسي من خلال الملاحظة والتجربة، فيعالج ابن حزم في أسلوب قصصي هذه العاطفة من منظور إنساني تحليلي'، وهذا الكتاب استند إليه مخرج العرض هاني عفيفي في كتابة المسرحية. والأمر الذي يندهش له عقلك هو أن هذا الفقيه الاسلامي العظيم وصف الحب بكل أشكاله التي نعيشها اليوم، ليبرهن أن الحب هو الحب مهما اختلف الزمان والمكان، كما يصحح ابن حزم المفهوم الخاطيء الذي يصدره البعض اليوم بتحريم الحب، قائلا ' وليس الحب بمنكر في الديانة ولا بمحظور في الشريعة, إذ القلوب بيد الله عز وجل' ويعد ابن حزم أشهر فقهاء الإسلام الذي واجه تجارالدين حيث وصفه ابن القيم بالمنجنيق وبمنجنيق الغرب وكان متتبع قوي له ولكتبه، فكان يضرب المثل في لسانه وقد وجدت الحده بينه وبين الكثير من علماء الاندلس بسب جرأته في مناظراته مع المالكيه مما أدي الي نفور في قلوب العلماء، فأمر امير اشبيليه المعتضد بن عباد بحرق مؤلفاته ومصادرة أمواله وتوعد من يدخل اليه بالعقوبه فقال ابن حزم عند حرق المؤلفات :إن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي.. تضمنه القرطاس بل هو في صدري وصدق ابن حزم قوله فكتبه ليس كلام علي ورق بل تشريح للروح ودواء يمتزج بدماء من يقرأه لينقي روحه من كافة أوجاع الحياة، وعندما سُئل ابن حزم، في العرض عن أسباب الحب، أجاب بكلمات يظل صداها يتردد داخلك وهي 'المحبة التي لسبب من الأسباب تفني بفناء السبب، فمن أحبك لأمر هجرك مع زواله'، وتعجب من الذي يزعم أنه يختار من يحب، مشيرا الي ان الحب شيء آخر في ذات النفس لا في صورتها، محذرا من الانسياق وراء الحب دون تعقل والافراط في المحبة قائلا ' الأشياء إذا أفرطت في غايات تضادها، ووقفت في انتهاء حدود اختلافها تشابهت.. فالثلج إذا طال حبسه في اليد فَعلَ فِعل النار، والضحك إذا كثر واشتد سال الدمع من العينين'. ويؤكد ابن حزم أن الطيور علي أشكالها تقع قائلا ' شبيهُ الشيءِ منجذبٌ إليهِ'، وأن العشق استحسان روحاني وامتزاج نفساني.. لا تجد اثنين يتحابان إلا وبينهما مشاكلة واتفاق الصفات الطبيعية, لا بد من هذا وإن قل.. ولم ينسي ابن حزم المرأة في حديثه، فقال ' إنما النساء رياحين متي لم تراعي، ذبُلت'، ليأتي كلامه مؤكدا علي قول الرسول صلي الله عليه وسلم 'رفقا بالقواريير'. وفي حضرة ابن حزم تشفي جراحك علي وصلات غنائية لكل من ماهر اسماعيل الذي يتخلل صوته روحك ويحررها من أسر الحزن ثم تأتي نجوي بصوتها لتنقي قلبك من أوجاع الحياة فيرقص طربا مع زينة و هاني فتلمع عيناك بهجة، وذلك علي مقطوعات من أغاني 'أم كلثوم' مثل ' الحب كده' و 'فات المعاد' ويالا ذكراك' وغيرها من الأغاني التي تتلائم مع مشاهد العرض وتؤكد كلام ابن حزم. عرض 'عن العشاق' قدمه طلبة وخريجو استوديو مسرح مركز الإبداع الفني، 'ورشة المخرج خالد جلال' بقصر الأمير طاز والعرض بطولة حمزة العيلي في دور ابن حزم الأندلسي، وماهر محمود إسماعيل، أحمد زكريا، سارة عادل، سارة هريدي، ، والرقص المسرحي من تصميم وآداء هاني حسن، وآداء زينة زين، وغناء نجوي حمدي، بالاشتراك مع عازفين من بيت العود العربي، تحت إشراف الفنان نصير شمة، وتصميم الملابس والإكسسوار ل أيمن الزرقاني، وإعداد النص كريم عرفة، والعرض فكرة وإخراج هاني عفيفي.