تبدأ عملية التصويت للمصريين بالخارج فى انتخابات مجلس الشيوخ يومى الجمعة والسبت القادمين فى استحقاق دستورى جديد يعكس متانة الدولة المصرية وحرصها على استمرار المسار الديمقراطى، وسط أجواء من التنافس السياسى والمشاركة الوطنية. وتحظى هذه الانتخابات بأهمية خاصة كونها تأتى فى توقيت بالغ الدقة، ليس فقط من ناحية الاستعدادات، ولكن أيضًا من حيث دلالاتها السياسية، حيث يُنظر إليها على أنها اختبار مبكر لقدرة الأحزاب على الحشد والتنظيم استعدادًا للاستحقاق الانتخابى الأهم، وهو انتخابات مجلس النواب المتوقع إجراؤها فى نهاية العام الجارى. القائمة الوطنية الموحدة التى تخوض الانتخابات تمثل أطيافًا متنوعة من القوى السياسية والوطنية، وهو ما يعد مؤشرًا إيجابيًا على وجود رغبة فى التوافق، وإدراكًا جماعيًا لأهمية المرحلة الحالية، التى تتطلب تغليب المصلحة الوطنية على الحسابات الحزبية الضيقة. القائمة الوطنية لا تقتصر فقط على دعم الاستقرار داخل المجلس، بل تحمل رسالة سياسية واضحة: أن اللحظة الراهنة تتطلب وحدة الصف، والعمل تحت مظلة الوطن، بما يسهم فى دعم الحياة التشريعية وتحقيق التوازن المطلوب بين السلطات. وبجانب القائمة، هناك معركة شرسة على المقاعد الفردية، حيث تدفع الأحزاب السياسية بمرشحين يتمتعون بثقل شعبى وسياسى، بينما يحاول المستقلون إثبات حضورهم عبر برامج محلية واتصالات مباشرة مع الناخبين. هذا التنافس يعكس حالة النشاط السياسى المتصاعد فى الشارع المصرى، ويؤكد أن الناخب لم يعد مجرد متلقٍ، بل بات لاعبًا فاعلًا يملك قراره، ويبحث عن مرشح قادر على تمثيله والتعبير عن طموحاته. وتعد هذه الانتخابات بمثابة بروفة حقيقية واختبار تمهيدى لقدرة الأحزاب على الحشد، وضمان ولاء قواعدها الشعبية، بما يمهد الأرض لمعركة سياسية أكبر وأشمل، هى انتخابات مجلس النواب المقبلة. فالنجاح فى انتخابات الشيوخ سيُقرأ كدليل على تماسك الأحزاب، وقدرتها على إدارة الحملات الانتخابية، وتوحيد الصفوف، وتعبئة الجماهير، وهو ما سيمنحها دفعة قوية فى الانتخابات المقبلة. وبالمقابل، فإن ضعف الأداء، أو تراجع نسب المشاركة، أو عدم قدرة بعض الأحزاب على تأمين مقاعد لمرشحيها، سيكون جرس إنذار مبكر، ويضع علامات استفهام حول جاهزيتها للاستحقاق الأهم. فى ظل هذه المعادلة، تتحرك الأحزاب الكبرى الآن بثقة وحذر، مدفوعة بإرادة سياسية واضحة من الدولة بضرورة تنشيط الحياة الحزبية، وفتح المجال للمشاركة، وتحفيز القوى الوطنية على التواجد فى الشارع، لا من خلال الشعارات فقط، بل عبر تقديم وجوه جادة، وبرامج حقيقية، وتفاعل مستمر مع المواطنين. ورغم الطابع الاستشارى لمجلس الشيوخ، فإن وجوده مهم للغاية فى دعم غرفتى التشريع، وتوسيع دائرة الحوار الوطنى حول مشروعات القوانين، وتعزيز الرقابة المجتمعية على أداء الحكومة، ما يجعل المشاركة فى انتخاباته ضرورة وطنية وليست مجرد خيار سياسى. فهو مجلس يُعول عليه فى دعم العملية التشريعية، وتقديم الرؤى المتخصصة، ومن ثم فإن اختيار أعضائه لا يجب أن يُترك للمصادفة بل يجب أن يتم بوعى شعبى كامل، يضع فى اعتباره أن بناء الدولة لا يكتمل إلا بمؤسسات قوية. وفى النهاية، تبقى الكلمة الفصل فى يد المواطن المصرى، الذى يملك وحده حق الاختيار، ويمتلك البوصلة الأخلاقية والسياسية التى توجهه نحو المرشح الأنسب، والقائمة التى تمثل رؤيته وتطلعاته. هذه الانتخابات ليست مجرد صناديق وأصوات، بل هى تعبير عن ثقة فى المستقبل، وإيمان بالدولة، وإرادة فى البناء... ومن يشارك فيها، يشارك فى كتابة فصل جديد من فصول الجمهورية الجديدة.