تمتلئ مدينة القاهرة وبخاصة في الكثير من أحيائها التراثية والشعبية بالكثير من المساجد التاريخية عبر أزمنة التاريخ الإسلامي إذ يحتوي البعض منها علي رفات الصحابة وآل البيت وأولياء الله الصالحين من جهة، والعلماء والأمراء والسلاطين من عهود إسلامية مختلفة من جهة أخري، وقد تم دفنهم في أضرحة متميزة أقيم علي أكثرها الكثير من المساجد الإسلامية التاريخية التي تشكل في مجملها طابع معماري فريد ومتميز مازال شامخا إلي الآن إضافة إلي أن هذه المساجد قد حققت لنفسها الشهرة الكبيرة من خلال تعلق زوارها ومصليها من مصر وسائر الدول الإسلامية والأجنبية أكثرها حبا وتزاورا يكون خلال شهر رمضان الكريم حيث تمتلئ تلك المساجد بالمصلين وبخاصة خلال صلاة العشاء والتراويح وخلال صلاة الفجر حيث تأتي الناس لإقامة الفرائض والشعائر الدينية وقراءة الفاتحة لآل البيت وإقامة الذكر والمديح وقراءة القرآن حتي تصبح تلك المساجد بالقاهرة ومحيطها جزء لا يتجزأ ولا ينفصل عن شهر رمضان بسبب مظاهرها الاحتفالية الجميلة التي تكسب تلك الأماكن قداسة وروحانية خاصة. ومن هذه المساجد مسجد السيدة عائشة ابنة الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر بن الإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين رضي الله عنهم، وقد دفنت في ضريحها بالقاهرة سنة 145 هجرية وتسمي المنطقة التي يقع فيها المرقد بحي السيدة عائشة بميدان القلعة في طريق الإمام الشافعي رضي الله عنه بمنطقة حي الخليفة، والسيدة عائشة رضي الله عنها تعتبر بحسب المرويات التاريخية الصحيحة من العابدات القانتات المجاهدات والتي كانت معروفة بالزهد والاجتهاد في العبادة والاعتكاف والبعد عن الحياة وما بها من أعباء وملذات فانية طلبا في الآخرة وما بها من الفوز بالجنة ونعيمها بعد رضا الله. ويؤثر عنها أنها كانت تقرأ مخاطبة الله عز وجل: وعزتك وجلالك لئن أدخلتني النار لآخذنا توحيدي بيدي وأطوف به علي أهل النار وأقول ' وحدته فعذبني ' وقد توفيت رحمة الله تعالي سنة 145 هجرية وكان علي القبر لوح رخامي مكتوب عليه هذا قبر السيدة الشريفة من أولاد جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر ابن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وظل قبرها مزار بسيط حتي القرن السادس الهجري ويتكون من حجرة مربعة يعلوها قبة ترتكز علي صفين من المقرنصات، وفي العصر الأيوبي أنشأ بجوار القبة مدرسة، وعند بناء سور القاهرة فصلت المدرسة عن القبر وفتح باب السور باب يقال له باب السيدة عائشة أو باب القرافة، وقد أعاد بناء هذا المسجد الأمير عبد الرحمن كتخدا في القرن الثامن عشر الميلادي حيث تكون المسجد في حينه من مربع يتوسطه صحن وتحيط به الأروقة، وعند بناء كوبري السيدة عائشة هدم باب القرافة وقامت السيدة فايدة كامل بتجديد المسجد بصورة جميلة وهي الصورة الحالية التي أصبحت أجمل بكثير من عمارته في عهد المغفور له الأمير كتخدا. ويقع المسجد في حي الخليفة عند الطريق المؤدي إلي عين الصيرة وفم الخليج عند بداية الطريق إلي مدينة المقطم حيث يظهر مسجد السيدة عائشة الذي يعتبر ملجأ لكل زاهد عندما نراه شامخا وسط المحال التجارية والمطاعم الشعبية والباعة الجائلين والزحام والكباري إضافة إلي سوق السيدة عائشة ومعه ما يسمي بسوق الإمام الذي يقام يوم الجمعة ويعتبر من أشهر الأسواق الشعبية بالعالم وغيرها من أمور الصخب والضجيج المحيطة بالمكان ليصبح المسجد بضريحه مرحبا بكل زائر متعبد أو معتكف يريد التقرب بآل البيت رضوان الله عليهم أجمعين. ورغم أن المسجد عامرا طوال العام بالزوار والمصلين إلا أنه يكتسي رونقا خاصا وقداسة حيث تعلق الزينات ويتوافد عليه أهل الحي وغيرهم من أحباء السيدة عائشة لإقامة صلاة العشاء وصلاة القيام المميزة بالمسجد حيث يتم قراءة جزء كامل من القرآن ويزيد يوميا ليتم ختم القرآن به ليلة السابع والعشرين من رمضان ناهيك عن إقامة موائد الرحمن وحلقات الذكر والإنشاد وأماكن الخلوات الخاصة بالزاهدين والمعتكفين لعبادة الله سبحانه وتعالي وتقربا بالسيدة الكريمة التي ضربت مثالا يحتذي في الزهد والتعبد.