تتّجه تطوّرات الأحداث في ليبيا نحو تصاعد حدّة المواجهات العنيفة المندلعة بمدينة بنغازي في إطار 'عملية كرامة ليبيا'، وذلك وسط قلق إقليمي كشف تناقضا خطيرا في التعاطي التكتيكي والإستراتيجي مع حدث تشابكت فيه العوامل السياسية وتقاطعت بطريقة توازن المصالح. وبحسب صحيفة 'العرب اللندنية' تضاربت الأنباء حول تجدّد الاشتباكات المُسلحة في بنغازي، شرق ليبيا، وعمدت عناصر تابعة لكتيبتي 'القعقاع'، و'الصواعق'، أمس الأحد، إلي محاصرة مقرّ المؤتمر الوطني العام 'البرلمان الليبي'. وقال شهود ل'العرب' إن 'ثوار' الكتيبتين يطالبون بحل البرلمان، وتعيين لجنة ال60 بتسيير أعمال المؤتمر العام إلي غاية تنظيم الانتخابات المُرتقبة، فيما تم غلق طريق المطار بالكامل مع استمرار الاشتباكات في 'الهضبة' و'أبو سليم' بالعاصمة طرابلس. وأشارت مصادر إعلامية ليبية إلي اندلاع اشتباكات عنيفة في جنوبطرابلس، حيث سُمع دوي إطلاق نار كثيف من أسلحة مضادة للطائرات وقذائف صاروخية غير بعيد عن مقر البرلمان. وأمام هذا التطوّر الخطير للأحداث، أعربت دوائر إقليمية ودولية عن خشيتها من انزلاق الأمور إلي حرب جديدة تتجاوز مناطق اشتعالها لتمتد إلي مناطق أخري. وتباينت الآراء حول عملية 'كرامة ليبيا' العسكرية العنيفة التي انطلقت، الجمعة الماضي في مدينة بنغازي، بمشاركة وحدات من سلاح الجوّ الليبي، وقامت بشنّ غارات علي معسكر '17 فبراير' الذي تُسيطر عليه جماعات محسوبة علي تيّارات دينية مُتشدّدة. وقال العقيد حامد الحاسي، قائد جيش برقة الليبي الموالي للواء المتقاعد خليفة حفتر، إنّ هذه العملية العسكرية 'ليست انقلابا، وهي تعكس تصميم الجيش الوطني الليبي علي القضاء علي الميليشيات المُسلحة المحسوبة علي تنظيم الإخوان المسلمين و'القاعدة' التي عاثت في البلاد فسادا'. ونفي الحاسي، في اتصال هاتفي مع 'العرب'، أن تكون قوات اللواء حفتر قد انسحبت من مواقعها، مؤكّدا أنّ قوّات اللواء حفتر 'لم تتقدّم علي الأرض حتي تنسحب'، متهما من وصفهم ب'الإرهابيين التكفيريين' باتخاذ المدنيين دروعا بشرية. ولم يتردّد القائد العسكري الليبي، وهو ممّن لعبوا دورا كبيرا في المعارك التي أطاحت بنظام معمر القذافي، في التأكيد ل'العرب' أنّ ما نواجهه يختلف عن حرب الجبهات، لذلك فإنّ ضرباتنا دقيقة ومُحدّدة حتي لا نُلحق الأذي بالمدنيين الذين تتخذهم العناصر الإرهابية كدروع بشرية'. ورفض العقيد حامد الحاسي وصف هذا التحرّك العسكري ب'الانقلاب'، مؤكدا أنّ الهدف الرئيس منه هو 'ضرب أوكار الإرهابيين التكفيريين الذين روّعوا الأهالي'، ولافتا إلي أنّ 'التكفيريين والإرهابيين والميليشيات المسلّحة الموالية لتنظيم الإخوان لهم أجندات سياسية لا تخدم مصلحة الوطن'. كما شدّد، في حديثه ل'العرب'، علي أنّ الجيش الوطني الليبي سيواصل مهمّته في 'الدفاع عن الوطن، وتطهير البلاد من التكفيريين تلبية لنداء الواجب واستجابة لنداء الشعب الليبي'. حامد الحاسي: قواتنا لم تنسحب وستواصل ضرباتها للتكفيريين والإرهابيين ورجّحت مصادر متطابقة، أن تتّسع رقعة هذه المواجهات العنيفة التي أسفرت في حصيلة أوليّة عن 79 قتيلا و141 جريحا، لتشمل مناطق أخري في ليبيا، بما في ذلك العاصمة طرابلس التي شهدت تفجيرات غامضة المصدر، وتبادلا لإطلاق الرصاص في أكثر من حيّ، وهو ما عمّق خشية دول الجوار من انفجار الوضع وزاد من قلقها. وبدا هذا التخوّف جليّا عندما سارعت تونس إلي عقد اجتماع طارئ لمجلس أمنها الوطني، وسط أنباء عن قرار بنشر أكثر من 5 آلاف جندي علي طول حدودها مع ليبيا. ومن جانبها، استنفرت وزارة الدفاع الجزائرية 40 ألف عسكري علي حدودها مع ليبيا، لاسيما أنّ الحدود بين البلدين تمتدّ علي مسافة ألف كيلومتر يُرابط فيها آلاف الجنود لمنع تسلّل الجماعات الجهادية وتحول دون تهريب السلاح عبر هذه الحدود. وبالتوازي مع ذلك كشفت مصادر مطلعة أنّ القوّات المسلحة المصرية رفعت درجة التأهّب علي الحدود الغربية مع ليبيا، تحسّبا لأي طارئ، ولمنع تسلل أيّ عناصر إرهابية مع تزايد حدّة الاشتباكات في مدينة بنغازي. وأشارت المصادر إلي أنّ القوات المسلحة المصرية زادت عدد قوّات تأمين الحدود الغربية والدوريات المشتركة من قوات حرس الحدود والأجهزة الأمنية، بعد رصد محاولات لعناصر من تنظيم 'القاعدة' و'أنصار بيت الشريعة' استغلال الموقف في ليبيا للتسلّل إلي مصر وإشعال الموقف. ويصف مراقبون تخوّفات كلّ من تونس والجزائر ومصر ب'المشروعة' بالنظر إلي طبيعة المأزق في ليبيا الذي يُتوقّع أن تكون له ارتدادات علي دول الجوار في صورة خروجه عن مساره المُعلن.