كانت زينب الغزالي قد تخطت كل الحدود.. وهي تخلط بين الحقيقة والخيال.. بين الواقع والأوهام.. وقد ادعت أن رسول الله زارها في السجن 4 مرات.. وقال لها: 'أنت يا زينب يا غزالي علي حق.. علي قدم محمد عبد الله ورسوله' وكررها ثلاث مرات.. ولم يثر دهشتها أنها بذلك الكذب وصلت إلي مرتبة الأنبياء.. ولكن أثار دهشتها أن الرسول ناداها باسمها المكتوب في شهادة الميلاد وليس اسم الشهرة.. ويبدو أنها آفة إخوانية فقد ادعي قادتهم أن رسول الله زارهم في ميدان رابعة وأشار علي مرسي أن يصلي به وبهم.. كما ادعوا أن جبريل يزورهم بين الحين والآخر.. إلي آخر تلك الخزعبلات.. وبلغ الأمر ب'زينب الغزالي' أن عبد الناصر كان يكرهها بصفة شخصية.. وأن سكرتيرتها قالت لها.. إنه لا يطيق سماع اسمك علي أي لسان.. وعندما يذكر اسمك يثور ويغضب وينهي المقابلة.. وكأن سكرتيرتها كانت تراقب مكتب عبد الناصر.. وقد ادعت -يرحمها الله- أن جمال عبد الناصر أمر بحل جمعية السيدات المسلمات لأنه كان يكرهها.. ولأنها رفضت أن تنضم الجمعية إلي الاتحاد الاشتراكي.!! ويقول اللواء فؤاد علام إن الجمعية التي ترأستها زينب الغزالي تم حلها عدة مرات قبل الثورة وبعدها.. وللأسف الشديد فإن حل الجمعية لم يكن بسبب ممارسة أنشطة دينية أو سياسية أو بسبب نشاط يتعلق بالإخوان.. وإنما لأسباب أخري خاصة بالأمن العام.. ولا داعي للخوض في هذه الأسباب.. !! كما قال اللواء علام.. وعندما تحرك تنظيم 1965 بالشر.. وصدرت أوامر سيد قطب باغتيال قادة الدولة ونسف المرافق العامة في الدولة وعلي رأسها القناطر الخيرية لإغراق الدلتا وإرباك الحكومة.. وألقي القبض علي قيادات التنظيم، كانت زينب الغزالي بينهم واحتلت الموقع 39 في قرار الاتهام.. كان عمرها 48 سنة.. ومقيمة برقم 17 شارع 6 بألماظة.. وقد اعترفت بقيامها بالاتصال بسيد قطب من خلال شقيقتيه حميدة وأمينة لتسريب الملازم التي تحتوي علي أفكاره وتسليمها لعبد الفتاح إسماعيل لاستخدامها في التربية الفكرية لأعضاء التنظيم.. ومن المدهش أنها أوردت في كلامها - كما يقول اللواء فؤاد علام - إقرارًا خطيرًا.. ومضمونه الآتي: - اعتبار جماعة الإخوان هم المسلمين فقط في هذا العالم.. - إن البشر علي بقاع الأرض لا تتوافر فيهم صفات الأمة الإسلامية.. - إن جميع الحكومات القائمة ليست إسلامية فيما عدا السعودية التي توجد عليها بعض التحفظات.. - إن الطاعة واجبة للإمام المبايع.. - إن إقامة الحدود مؤجلة حتي إقامة الدولة الإسلامية. ومن الواضح أنها صورة طبق الأصل من فكر الخوارج في عصور الإسلام الأولي.. وهي نفسها أفكار التكفير والهجرة.. ومن الغريب أنها كانت تدعي القناعة بأن الله خصها والذين معها بتلك المبادئ. يكتب اللواء فؤاد علام رجل أمن الدولة السابق: أنه كان مع اللواء أحمد رشدي - الذي أصبح وزيرًا للداخلية فيما بعد - يحققان مع بعض المعتقلات في سجن النساء بالقناطر.. أخبرنا مأمور السجن أن زينب الغزالي تريد مقابلتنا.. وتمت المقابلة في مكتب مأمور السجن.. كانت في كامل رونقها، طويلة ولونها قمحي وممتلئة كثيرًا.. وترتدي 'زي شيك جدًا'، عبارة عن جلباب أبيض وطرحة بيضاء.. وحضرت المقابلة الأخت علية الهضيبي التي كانت معتقلة في ذلك الوقت.. استمر اللقاء ساعتين.. وأشادت زينب الغزالي بحسن المعاملة في السجن.. وأن الأكل يصل لها كل يوم من الخارج.. وتحصل علي الأدوية من السجن.. وقالت إن زياراتها ميسرة.. وفيما يختص بالنشاط قالت إنها قدمت اعترافات كاملة عن تنظيم 1965، وأنها كانت ضد فتروي سيد قطب بنسف القناطر الخيرية وإغراق الدلتا بالكامل.. وأنها لم تستطيع أن تقول ذلك للإخوان.. ثم انتقلت بسهولة للحديث عن علي عشماوي وهو المتهم الثالث في قضية سيد قطب سنه 28 سنة - كاتب حسابات بالشركة المصرية العامة للأساسات ومقيم بشارع عمر السكندري رقم 30 روض الفرج.. وقد حكم عليه بالإعدام شنقًا وخفف الحكم إلي السجن المؤبد 25 سنة.. وحاولت زينب الغزالي أن تقنع اللواء أحمد رشدي، واللواء فؤاد علام بأن علي عشماوي أخطر عناصر التنظيم، وأنه لم يعترف بدوره الخطير، وأنه ما زال يخفي كميات كبيرة من الأسلحة.. واكتشف الرجلان بسهولة انها كانت تريد الكيد به.. ولم تكن صادقة.. لأنه أدلي باعترافات كاملة.. وساعد علي كشف التنظيم بالكامل.. واتهمت أسماء أخري بمعاونته في جلب السلاح من السودان عبر درب الأربعين. وقد أفرج عنها السادات من السجن عام 1971 قبل عشرين عامًا من موعد انقضاء الحكم بسجنها.. وقد نشطت وقتها.. فأصدرت كتابها المملوء بالأكاذيب.. وظلت تدور هنا وهناك.. ولم تكد تفلت منها ندوة من ندوات شباب الجامعة الذين جندهم السادات وشكل منم الجماعات الإسلامية للتصدي للناصريين واليساريين.. وقد بثت كل أوهامها وتهيؤاتها في كل مكان.. وربما تأثر بها البسطاء والسذج البعيدون عن السياسة والثقافة.. وظلت هكذا حتي عام 1974 عندما عاد اسم زينب الغرزالي يتصدر قوائم التنظيمات السرية.. حيث تردد اسمها في اعترافات صالح سرية قائد عملية الفنية العسكرية الفاشلة.. وتحدد دورها بدقة في التنسيق بين 'جماعة المسلمين' و'الإخوان' وقد اصطحبت صالح سرية للمرشد الهضيبي الذي استمع إلي خطته للانقلاب وباركها وتمني له التوفيق.. وتم استدعاؤها وسؤالها.. فاعترفت أمام أمن الدولة بالوقائع كاملة.. وبتفصيلات مذهلة.. وتبرعها لصالح سرية بمبلغ كبير من المال.. ثم ذهبت إلي النيابة وأنكرت كل شيء.. رغم مواجهتها بصالح سرية الذي تعرف عليها وواجهها بدورها.. كانت مصر تعيش دورة زمنية خاطئة.. وكان كل شيء قد تغير.. وتم العبث بأمن مصر.. وتصدر الإخوان المشهد بأكاذيبهم عن التعذيب.. وامتد شهر العسل بينهم وبين السادات وبالطبع أفلتت زينب الغزالي من الاتهام.. كما أفلت عيرها.. وبعدها دفع السادات حياته ثمنًا لذلك العبث.. وكما أن لكل شيء نهاية.. فقد انتهت حياة زينب الغزالي يوم الأربعاء 3 أغسطس 2005 في القاهرة عن عمر يناهز 88 عامًا، وشيعت جنازتها من مسجد 'رابعة العدوية' يرحمها الله.