قد تكون زينب الغزالي الأقرب إلي شخصية سيد قطب.. فكلاهما لم يتول منصب المرشد.. ولكن تأثيراته امتدت في حياة الإخوان أكثر من تأثيرات المرشدين كافة.. ربما باستثناء المرشد المؤسس حسن البنا.. ناهيك عن التوترات الفكرية والتحولات الحادة في أفكار كل منهما.. فوق أن زينب الغزالي هي الشخصية النسائية الاخوانية الوحيدة.. والتي لم تتكرر علي مدي 85 عامًا هي عمر الجماعة. وتمتلك زينب الغزالي ك'زعيمة' سيرة ذاتية متعددة الوجوه.. غزيرة الأحداث والوقائع، تمور بالصراعات والتغيرات والانقلابات والتناقضات.. تفاجئ الباحث والمتابع دائما بتبدل الأحوال، وانقلاب الأوضاع.. وتغير السمات والتوجهات.. وقد لازمها ذلك النهج طوال حياتها التي بدأت في 2 يناير 1917 بقرية ميت يعيش مركز ميت غمر دقهلية.. وانتهت في 3 أغسطس 2005 عن عمر يناهز 88 عاما، وقد شيعت جنازتها الخميس 4 أغسطس 2005 من مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر، والذي أصبح بعد 8 سنوات علامة علي الإخوان.. وأصبح الإخوان علامة عليه. وزينب الغزالي حالة خاصة بين السيدات المصريات اللائي لعبن أدوارًا في الحياة السياسية منذ مشاركتهن في ثورة 1919 وحتي اليوم.. وعلي مدي مائة عام مليئة بالتغيرات والمواجهات.. زاخرة بالحراك السياسي والاجتماعي.. وتقف زينب الغزالي متفردة وسط حشد سيدات مصر المناضلات ابتداء من أم المصريين صفية زغلول.. وهدي شعراوي.. وسيزا نبراوي.. مرورا بدرية شفيق وروز اليوسف وانجي افلاطون وغيرهن.. وصولا إلي نوال السعداوي وشاهندة مقلد وفريدة النقاش وصافي ناز كاظم وأمينة النقاش وفتحية العسال ومحسنة توفيق وعزة بلبع وغيرهن.. ببساطة لأن زينب الغزالي القت بنفسها في أتون الصراع علي مدي 53 عاما متصلة، ولأنها تقلبت بين اليسار واليمين.. والأهم من كل ذلك أنها شاركت فيما لم تعرفه سيدات مصر من قبل.. ولم يتصورن أن يكون لهن دور فيه.. وهو الصراع المسلح.. والتنظيمات السرية المسلحة.. وتدبير المؤامرات.. والتخطيط للعمليات الارهابية، وجمع وتخزين السلاح.. والمشاركة في التكليفات المعنية بالعنف والإرهاب.. وقد أكدت كل ذلك زينب الغزالي بالحرص علي الزيارة والتواجد في المناطق الملتهبة والخطرة مثل أفغانستان. والمتتبع لمسيرة زينب الغزالي يلاحظ أنها تمتلك قدرة فائقة لم تتوفر لغيرها ممن تعرفهن ونسمع بهن علي اختلاف الاحداث، وسبكها وبلورتها حتي يخيل للبسطاء والسذج والمغيبين أنها الحقيقة.. وثمة مئات الأمثلة الصارخة علي ذلك.. ويكفي أنها ركبت الوهم.. ولخصت حياتها كلها في كلمات محدودة.. تثير العجب بجرأتها وتجاوزاتها وشذوذها.. فقد 'دعاها جمال عبد الناصر للقائه فرفضت.. وقالت لرسوله أن يبلغه أنها لا تضع يدها في يد ملوثة بدم الشهيد عبد القادر عودة.. فغضب عبد الناصر غضبًا شديدًا.. وقام بالغاء جمعية السيدات المسلمات التي ترأسها.. وحكم عليها بالسجن مدي الحياة.. وكان يشرف بنفسه علي تعذيبها' وهو ما كتبته زينب الغزالي بالنص.. وكأنه حدث في لحظة انفعال.. مع أن الحكم باعدام عبد القادر عودة جاء علي خلفية محاولة اغتيال عبد الناصر في ميدان المنشية بالاسكندرية 1954.. أما حل جمعيتها فقد تم في عام 1964 لأسباب سيرد ذكرها.. وأما محاكمتها الوحيدة فكانت علي خلفية تنظيم 1965 الذي أسسه سيد قطب كتنظيم سري مسلح استهدف تغيير نظام الحكم بالقوة واغتيال رئيس الجمهورية والقائمين علي الحكم في البلاد.. وتخريب المنشآت العامة.. إلي آخر ما جاء في قرار الاتهام.. واعترافات المتهمين وبينهم زنيب الغزالي المتهمة رقم '39' والتي صدر عليها الحكم بالسجن المؤبد 25 سنة لم تقض منها أكثر من ست سنوات.. حيث خرجت بعفو من السادات شأنها شأن المسجونين بأحكام قضائية والذين أفرج عنهم السادات في وصلة غزل ممتدة حتي يتصدي بهم للقوي اليسارية والناصرية التي تعارضه.. وكل ما يمكن قوله.. ونحن نقترب من عالم زينب الغزالي.. أنها نموذج إخواني بامتياز.. تتمثل فيها كل السمات النفسية والثقافية وكافة السمات التي يمكن أن تلحظها بسهولة في كل من ينتمي للإخوان.. وهي ظاهرة غريبة يكاد الانسان يحار في أمرها.. وأولها خلط الأمور والوقائع.. وإهدار عامل الزمن والتوقيتات والتواريخ.. والانتقاء المغرض والمفضوح عند ذكر الوقائع والملابسات لأي قضية.. ثم التعدي علي كافة حدود الصدق والأمانة.. والتهويم في عوالم خيالية غريبة تتعدي حدود الخيال وأحلام اليقظة.. والخزعبلات.. والاصرار الجازم علي تأكيد أمور لا وجود لها أصلا.. ولا يمكن أن توجد في الواقع.. ومن يقرأ كتابها 'أيام من حياتي' سوف تتلبسه الشياطين من بشاعة ما يقرأ ومن بشاعة إصرار زينب الغزالي علي تسميم العقول والنفوس بالأكاذيب الصارخة التي فاقت كل الحدود.. فقد ادعت أن 'عبد الناصر وزبانيته' علي حد قولها الذي خاصم الضمير 'قاموا بجلدها 500 جلدة ست مرات و250 جلده مرة واحدة.. وعلقوها علي أعمدة من الحديد وقطع الخشب 11 مرة، وضربوها بالسياط مرات متفرقة 46 مرة ووضعوها في غرف الكلاب المسعورة 9 مرات، وتركوها بلا طعام ولا ماء 6 أيام متتالية.. ادخلوها زنازين الماء 5 مرات، وغرف النار 3 مرات.. واحضروا وحوشا بشرية حاولوا أن يفعلوا بها الفحشاء 3 مرات' إلي آخر ما أفرزته التوهمات والخرافات وخلط الواقع بالوهم.. والحقائق بالأكاذيب.. ويبدو أن زينب الغزالي في أخريات أيامها قد تقمصت شخصيات قرأت عنها وأعجبت بها.. ثم امتلأت زهوا كاذبا وبطولات زائفة.. وقد تلبستها تلك الحالة إلي آخر أيامها.. وما زلنا نقترب من عالم زينب الغزالي