اليوم العالمي للمسرح

يوافق غدا الخميس الموافق للسابع والعشرون من مارس اليوم العالمي للمسرح وهو اليوم الذي يحتفل فيه المسرحيون في جميع دول العالم. ترجع فكرة اليوم العالمي للمسرح بسبب مقترح كان قد قدمه رئيس المعهد الفنلندي أريفي كيفيما وقدمه إلي منظمة اليونسكو سنة 1961 إلي أن احتفل به في 27 مارس 1962 ولأول مرة بباريس تزامنا مع افتتاح مسرح الأمم، ومنذ هذا التاريخ اتفق القائمين عليه بتكليف من المعهد الدولي للمسرح علي إتباع تقليد سنوي يتمثل في اختيار شخصية مسرحية مرموقة بالعالم لتكتب رسالة دولية يتم ترجمتها للغات عدة وتعمم في جميع مسارح العالم ضمن الاحتفالات بهذه المناسبة وتنشر في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة بالعالم، واختير الأديب الفرنسي جان كوتوه لهذا الغرض وبعده توالت كتابة الرسالة العديد من مشاهير المسرح بالعالم.
واستمرارا لهذا التقليد الذي بدأته الهيئة العالمية للمسرح لتكون الذكري رقم 52 للاحتفال بهذا اليوم الذي تم فيه اختيار الكاتب الجنوب أفريقي بريت بلي والذي يعتبر من أهم المسرحيين المشهورين في جنوب أفريقيا وفي أوروبا واستراليا وغيرها، وهو الذي سيقوم بإلقاء كلمة اليوم العالمي للمسرح هذا العام بنفسه من علي خشبة المسرح السوداني في الخرطوم تزامنا مع مهرجان البقعة المسرحي الذي سيقام في الفترة من 27 مارس الحالي وحتي الرابع من شهر أبريل المقبل، وسوف يتخلل هذا المهرجان وبخاصة يوم التاسع والعشرين من مارس بالخرطوم ملتقي دولي مسرحي لمناقشة كلمة المسرح هذا العام وما تضمنه من إشكاليات وأطروحات تفلسف لأحوال المسرح عالميا في ظل العولمة والأزمات الراهنة، وفي مصر قامت الهيئة العربية للمسرح بترجمة الرسالة عن طريق الدكتورة والناقدة نهاد صليحة فأظهرت ترجمتها بالعربية ما تضمنته كلمة الكاتب بريت بلي والذي عبر فيها عن أهمية المسرح في عالمنا وقدرته الفائقة علي تجميع البشر ليتواصلوا عن طريقه ويجتمعوا حول قضاياهم حتي قال أيضا ' أينما وجدت جماعة بشرية فلسوف تتبدي حولها روح العرض الجامحة '.
إن المسرح قديم قدم الإنسانية وقد عرف في بلاد اليونان ضمن احتفالات كبري وكان يعتبر من أهم وسائل التعبير والتسلية والتطهير منذ القرن الخامس قبل الميلاد وبعدها انتشر في بلاد الرومان وانتقل إلي أوروبا ومر بمراحل ازدهار كبيرة وعرف خلالها الكثير من المذاهب الأدبية والفنية حتي تطور وازدهر في كل بلاد العالم ليقوم بدوره الاجتماعي والسياسي والتربوي والفني وغيرها من الوظائف النفسية والجمالية حتي قيل عنه بأنه أبو الفنون.
ومن المرجح أن المسرح في بلادنا العربية لم يعرف كغيره من الدول الأوروبية عن طريق اللغة الفصحي بل عرف في البداية عن طريق اللهجات العامية عن طريق الأدب الشعبي والدراما الشعبية كالسامر والحكواتي وأداء السير والحكايات الشعبية وخيال الظل وصندوق الدنيا والأراجوز وغيرها من مسميات فنون أشكال الفرجة الشعبية إلي أن بدأت حركة التنوير والنهضة من خلال البعثات إلي أوروبا إلي أن جاء أبو خليل القباني، ويعقوب صنوع وغيرهم إلي مصر مع بداية حركات الترجمة علي يد مارون النقاش وانتعاشها مع كبار الأدباء والشعراء والفنانين بمصر الذين استلهموا عناصر من التراث الشعبي إضافة إلي حركة التمصير وترجمة وأداء العروض المسرحية لروائع المسرح العالمي فانتشرت الفرق وانتشرت معها المسارح والعروض الكوميدية والتراجيدية حتي بزغ المسرح في بلادنا العربية .
وفي مصر يعتبر المعهد العالي للفنون المسرحية بأكاديمية الفنون من أعرق وأقدم المعاهد المتخصصة التي تدرس المسرح بكافة أقسامه بشكل أكاديمي وقد أسهم ولسنوات طويلة في تخريج الكثير من المبدعين المسرحيين من مصر وثائر البلاد العربية، ومازال المعهد يؤدي دوره باقتدار ويخرج الكثير من الفنانين الذين يؤدون دورهم في خدمة القضايا الوطنية والاجتماعية والثقافية والفنية لخدمة الثقافة والإنسان وارتفعوا بأعمالهم للعالمية وحققوا الكثير من الجوائز التي رفعت مصر بثقافتها وفنها عاليا بين الأمم، وظلوا جيلا بعد جيل معاصرين ومجددين ومواكبين للحركات والمدارس المسرحية التجريبية في العالم من حيث الشكل والمضمون وطريقة الإخراج ومع ذلك ظلوا معترفين بفضل من سبقوهم في هذا المجال ولا ينسوا أن يكرموهم ويثنوا علي دورهم عبر الاحتفالات والمناسبات المسرحية، وإحياء ليوم المسرح العالمي عادة ما يقام له مهرجانين بالمعهد العالي للفنون المسرحية الأول هو مهرجان المسرح العربي ' زكي طليمات ' وهو مهرجان يتم في شهر يناير أو فبراير من كل عام يتيح للطلبة المتميزين تقديم عروضهم لإبراز قدراتهم الأدائية والإخراجية وتكون فرصة كبري للفوز ببعض الجوائز من جهة واستعدادا لمشاريع التخرج من جهة أخري وعادة ما يتم في تلك المناسبة تكريم إحدي الدفعات السابقة بالمعهد في وجود لجنة تحكيمية علي مستوي مسرحي رفيع ويتم خلاله أيضا اختيار الأعمال الفائزة لتشارك في المهرجانات العربية والدولية كعرض مسرحية حكاية شرقية للمخرج خالد عبد العظيم الذي يشارك الآن بمهرجان أغادير بالمغرب، وعرض ليلي والمجهول للمخرج أحمد كشك الذي سيشارك بمهرجان المسرح بالكويت غدا، وعرض جثة علي الرصيف للمخرج السوري جدعو الذي سيشارك في مهرجان بيسانكون بفرنسا، وسوف يقام مهرجان المسرح العالمي بالمعهد ولمدة أسبوع في النصف الثاني من شهر إبريل المقبل برغم الظروف التي تمر بها البلاد في ثورتها وتأجيل الدراسة بها هذا العام لمدة طويلة، وفي هذا الصدد أيضا استعد البيت الفني للمسرح الذي يرأسه فتوح أحمد ببدء تسليم الكارنيهات لبعضا من جمهور المسرح لتفعيل ما يسمي بمشروع المسرح المصري لكل مواطن وهو يتيح لحامل الكارنيه دخول العروض المسرحية التابعة للبيت الفني للمسرح طوال العام بشكل مجاني.
ومع كل ذلك وما تقوم به الدولة من جهد لتفعيل دور المسرح في الحياة العامة والقضايا الشائكة فقد لوحظ تراجع دور المسرح وتقلص دور العرض المسرحية وتقلص نسبة الجماهير المسرحية في السنوات الثلاث الأخيرة بسبب الظروف الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير وتراجع مزاولة النشاط المسرحي وهو الأمر الذي نأمل تجاوزه بعد استقرار البلاد واستكمالها لخطة الطريق التي وضعتها ونأمل جميعا بها خيرا.
إن المسرح لغة عالمية للحوار والتحول الاجتماعي والتنوير الثقافي وحفظ السلام بين شعوب العالم ومؤشر علي تحضر الدول باعتباره خادما للبشرية وللإنسان أينما وجد.