لم يكن فضيلة الإمام الأكبر الدكتور/ أحمد الطيِّب- شيخ الأزهر الشريف- هو المقصود لشخصه، في الحرب القذرة التي أعلنها، وخاضها ضده تنظيم الإخوان وزبانيتهم، منذ أنْ وطئتْ قدم المعزول/ مرسي العيّاط إلي قصر الاتحادية العامر، وحتي بعد عزله، وإلي اليوم! فقد ارتكبوا أخسَّ الجرائم والمؤامرات، وأحطَّها، لتشويه صورته الناصعة، ومحاولة الزج به في مهاتراتٍ، وملاسناتٍ، نأي- فضيلته- بنفسه، ووظيفته عنها، بفضل حكمته، وكياسته، وأخلاقه العالية، وعلمه الجم! فتاريخ هذه الجماعة يحكي عن كمٍّ هائلٍ من الدسائس، والمكايد، والتلفيقات، وحملات التشويه، والغمز، واللمز، والفبركات، والعمالة المأجورة لمن يدفع ثمن وليمة الغدر، والنَّصب، والاحتيال، بحق الأزهر الشريف، تلك المؤسسة الشامخة! فمن يقرأ مجلات الإخوان وصحفهم يُفاجأ بظاهرة الكراهية الأصيلة لديهم بحق الأزهر، وشيوخه العظام! ويُفاجأ أكثر، بأنَّ الإخوان ما تركوا شيخاً من شيوخ الأزهر إلاَّ وحاولوا إهالة التراب عليه، والدخول معه في معارك لحساب آخرين، كانوا هم فيها قوَّادين، وعرَّابين، ومرتزقة! الحكاية من أولها! لقد اتخذ الإخوان المسلمون من الأزهر الشريف عدواً لهم، منذ أول يوم أنشأوا فيه جماعتهم! فنظروا إليه علي أن العقبة الكأداء التي يستحيل تحقيق أهدافهم في وجوده، فعمدوا إلي النيل منه، وتشويه صورته، وإظهار أنهم جماعة المسلمين، وأنهم صوت الإسلام، والمرجعية الأولي في الشأن الديني والدعوي! ومن ثمَّ أرادوا أن يسلبوا منه كل محمدةٍ، وأن ينسبوا إليه كل مذمة! وتكشف صحف ومجلات هذه الجماعة عن مدي الحنق والتربُّص الشديد، من قِبَل قادة الإخوان تجاه الأزهر الشريف، وعلمائه! فعندما أصدرت الأستاذة / زينب الغزالي-القيادية الإخوانية الشهيرة- مجلة 'السيدات المسلمات' في عام 1951م أعلنت الحرب الضروس علي مؤسسة الأزهر الشريف، وشنَّت أفظع الحملات المأجورة علي شيوخه العظام، واستهانت بتاريخ الأزهر ومكانته، ورجاله الكبار! وظنَّت أن هذه المؤسسة العريقة، الضاربة في التاريخ يمكن أن تنال منها مثل هذه الكتابات الرخيصة! تقول زينب الغزالي مُوَجِّهةً سهامها نحو الأزهر، وكأننا داخلون معركةً عسكرية: ' نريد السيف والكتاب، ونريد السياسة والنضال، ونريد الصناعة والحرب، فطهِّروا الأزهر حتي يكون علماؤه وطلابه وخريجوه أهلاً، لأن يتولوا كل أمرٍ من أمور هذا البلد، بروح الإسلام الصحيح، ولن يكون هذا إلا بثورة علي كل ضعفٍ في الأزهر، وانقلابٍ شاملٍ لكل سببٍ من أسباب الانهيار'! وهل روح الإسلام الصحيح إلاَّ في الأزهر؟! وواضحٌ أن الثورة علي الأزهر، كانت وما زالت من أجل سيطرة الإخوان علي مقاليد أموره، والتحكم في سياساته، وبرامجه، وشيوخه! ومن هنا، فلن يرضي الإخوان عن الأزهر إلا إذا أصبح تابعاً لهم، ومنفِّذاً لمخططاتهم! ففي كتابه 'الصحافة الإسلامية في مصر بين عبد الناصر والسادات' يقول/ محمد منصور هيبة إن مجلة السيدات المسلمات كانت: 'تري أنه في هذا العصر المظلم بطغيان المادة، فسدت كثرةٌ كثيرةٌ من نفوس المسلمين.. وكان الأمل كبيراً في أن تكون هناك حُجُب كثيرة بين الأزهر وبين هذه الكثرة الفاسدة.. لأن الأزهر كما تراه المجلة معقل التعاليم الإسلامية، ومركز المنطق المدافع عن الإسلام أصولاً وفروعاً'! شتائم زينب الغزالي لشيخ الأزهر! وتتهكم زينب الغزالي علي شيخ الأزهر، وتسخر منه بأفظع ألوان السباب والشتائم، بما لا يليق ووقار منصبه الكبير، في لغةٍ ساقطة، وبأسلوبٍ همجي، فتقول: 'يا شيخً الأزهر: اسمع نصيحة 'السيدات المسلمات' وأرحْ نفسك وعلماءَك، ويوم يكون لكَ من الأمر شيء، حاكمْ موظفيك،.. يا شيخنا العزيز: إذا أردتَ أن تكون من أصحاب الأقلام الحرة، والرأي الحر، فعليك أن تعمل الآتي: نادي مع المنادين أنتَ وعلماؤك بتحديد النسل، وبتحريم تعدد الزوجات، وبلزوم زواج المرأة بأكثر من رجل حتي تتم المساواة، وبأن تتزوج المسلمة بمن تحب من النصاري واليهود والدروز والمجوس.. وأعلنْ تأييدك بلزوم ولاية المرأة علي الرجل، ونادِ بالتجديد حتي في أصول الدين، ورشِّحْ الست درية شفيق لرئاسة الجمهورية.. وبعد ذلك أعدك يا سيدنا الشيخ بأنك ستتمكن بسهولة وعطف، ورعاية الرأي العام الحر، من محاكمة المجتهدين والمجددين في الأزهر الشريف'! وهذا الكلام الساقط مُوَجَّهٌ بالأساس لفضيلة الدكتور/ عبد الرحمن تاج شيخ الأزهر الشريف، الذي وقف في وجه الإخوان وقتها لأخونة الأزهر، واستباحة قدسيته، وسرقة رسالته الدعوية، الإصلاحية! وتشن زينب الغزالي حملةً مسعورة علي شيخ الأزهر، لحساب جهاتٍ أخري، فتطالبه بالاستقالة من منصبه، لكي يتولي الإخوان وأنصارهم هذا المنصب الجليل، فتقول: 'ننصح لأستاذنا الأكبر شيخ الأزهر بأن يستقيل'! وتستشهد بكلام لأزهريٍّ إخوانيٍّ موتور، يتطاول فيه علي مقام الشيخ ومكانته، عندما قال: 'أسألك بالله أن تضع عن كاهلك هذا الحمل، وأن تكتفي بما نلتَ من مكاسبَ.. وتتخلَّصَ من شياطينكَ '! هذه هي لغة الإخوان مع مقام شيخ الأزهر! وهذه هي أخلاقهم، ومبادئهم التي علَّمهم إيّاها حسن البنا! هي لغة السُّوقة، والتطاول، والتجريح، والقذف، وطول اللسان! عين الإخوان علي الأزهر! إذن، واضحٌ تماماً، أن عين الإخوان كانت مصوَّبةً علي الأزهر منذ أيام الملك فؤاد، ومن جاء بعده، فتارةً يطالبون بتغيير شيخه، بلا سببٍ، وتارةً أخري يستهزئون بعلمائه ومناهجه وفتاواه، ومواقفه! وكأنهم هم العلماء، متناسين ومتجاهلين الجمهور العريض من الأزهريين، علاوة علي الشعب المصري نفسه، بل جمهور المسلمين الذين يرون في شيخ الأزهر أكبر قامة إسلامية في العالم! والأعجب في أمر هذا المجلة الإخوانية 'السيدات المسلمات' أنها تستهين بشيخ الأزهر في جميع أعدادها، مما يوحي بأنها مخصَّصة لذلك، فتكتب علي غلاف العدد الثاني سنة 1957م قائلةً بلغةٍ فجةً، وكأن حملاتها المغرضة تلك مدفوعة الأجر لجهاتٍ خارجية: 'استقلْ يا شيخ الأزهر'! وتكتب زينب الغزالي أيضاً، وكأن الهدف هو تحطيم الأزهر، وتركيع وتقزيم رجاله الشرفاء، فتقول: 'إنني أعتقد 'والكلام موجَّهٌ لشيخ الأزهر' أن أسمي طاعةٍ منكَ لله اليوم أن تستقيل، بعدما حمَّلتَ الأزهر ذلك الخسران المبين، بضعفك وحبِّك في المنصب، وحرصك عليه'! بل إن الأغرب في أمر هذه المجلة، وهذه السيدة، أنها تكتب قصيدة ركيكة عرجاء، مليئة بالأخطاء والخطايا، عنوانها 'بمثلكَ الأزهر لم يُنكَب'، كما خصَّصت العدد الثالث من السنة نفسها بعناوين فجة حانقة تتعلق بشيخ الأزهر، وضرورة محاكمته واستقالته، لأنه ليس إخوانياً! ومن هذه العناوين القميئة: المطالبة بمحاكمة شيخ الأزهر، وإهدار الشيخ لحقوق الأزهر والأزهريين، وعدوان الشيخ علي كرامة القرآن، الشيخ تاج رجلٌ رجعي! وكأنَّ زينب الغزالي فقدتْ عقلها وأخلاقها! وتخاطب زينب الغزالي الدكتور تاج، فتتجاوز حدود الأدب، والعقل، والمنطق، والعلم، فترمي الشيخ بأقذع ألوان التطاول، والخروج عن الإسلام، فتقول: 'يا سيدي، يا شيخ الإسلام، إنكَ عندما تتنحَّي بالاستقالة عن مشيحة الأزهر، افعلْ ما شئتَ.. تهوَّدْ أو تنصَّرْ، أو تشيَّعْ.. لا نُطالِبْ بمحاكمتكَ حين ذاك، لأنكَ تصبح فرداً عادياً.. أخطاؤك محسوبةٌ عليكَ أنتَ وحدك، لا علي الإسلام، ولا علي الأزهر وعلمائه الأحرار.. بصرف النظر عن بِطانتكَ وأنصارك، طُلاَّب الدنيا'! وتواصل هذه المجلة المتطاولة حملتها المسعورة علي شيخ الأزهر، فتكتب في وقاحةٍ: هل مات شيخ الأزهر؟! بل إنها خصَّصت باباً ثابتاً فيها، بعنوان 'أزهريات' لنشر كل سلبيات الأزهر من وجهة نظرها السقيمة! والأعجب أن هذه المجلة التي ترفع عقيرة محاربة الفساد، والدعوة إلي تطهير الأزهر، وتتطاول علي شيخ الأزهر باسم الطهر والنقاء والشرف.. لا تتورع- في ذات الوقت- عن مدح الملوك، ونيل العطايا، والتمويل المشبوه، والرشاوي، والإحسانات، من هنا أو هناك! فقد أفردتْ مجلة السيدات المسلمات مساحاتٍ كبيرةً للثناء والإشادة بالمملكة العربية السعودية، مما حدا بالباحث محمد هيبة إلي القول لقد: ' اهتمت المجلة بالمملكة العربية السعودية اهتماماً كبيراً، مما يدفع إلي القول بأنه كانت هناك علاقةٌ وثيقة بين مجلة السيدات المسلمات، وبين السلطات السعودية، وكذلك بين السعودية وبين جماعة السيدات المسلمات، وأن رئيسة الجمعية ورئيسة التحرير- زينب الغزالي- كانت تتمتع بوضعيةٍ خاصةٍ، لدي المسئولين السعوديين'! ويتضح هذا الاهتمام الشديد من المجلة بالسعودية، إذا 'تتبعنا ما نشرته المجلة في بعض أعدادها عن المملكة، وملكها المعظم، وولي عهده، ورجاله، ووزرائه.. خاصةً ما يتصل بأوضاع الإصلاح في أحوال المملكة، علي مختلف المستويات'! كما تُفرِد المجلة، علي سبيل المثال صفحتَين، لنشر صور زيارة الشيخ إبراهيم فودة- مدير الإذاعة السعودية- لمصر، خاصةً لقاءه مع رئيسة مجلة السيدات المسلمات- زينب الغزالي! بل إن هذه المجلة المأجورة تُخصِّص عدداً خاصاً بكامله في وفاة الملك عبد العزيز- ملك السعودية: ' تكتب فيه مُشيدةً بحياته وجهاده.. ويضم العدد موضوعاتٍ مختلفةً، خاصةً ما يتصل بتوسعة المسجد النبوي، وما تبذله السعودية من جهد في هذا المشروع، كما تنشر صوراً لرئيسة الجمعية-زينب الغزالي- وهي تشارك في أعمال التوسعة، كما تضمن هذا العدد إعلاناً عن كتاب لرئيسة التحرير بعنوان 'الملك سعود وآمال شعب'.. وتكتب زينب الغزالي عن الملك سعود، وقصره، الذي أهداه لوزارة التعليم السعودية، وهو دليلٌ تراه علي تفاني الملك في خدمة العلم، وهو كذلك حاكمٌ معتدٌّ بشريعة الإسلام، ويعيش عبداً مخلصاً في خدمة دينه'! ومع هذا المقال نجد 'أكثر من موضوع عن السعودية، ونهضتها الاقتصادية المباركة، وتكتب كذلك عن'الملك سعود والتعليم'، و'سعود في خدمة المسجد الحرام'، و' سعود العظيم بين فرحة المسلمين بإرساء الحجر الأساسي للمسجد الحرام، وبين أمواج الألم لكارثة الارتداد عن الإسلام في أندونيسيا'! علي أنَّ تاريخ المملكة، والملك عبد العزيز أكبر من مثل هذه الألاعيب من جانب الإخوان، وزينب الغزالي! بل، إن هذه المجلة لم تتورع عن مدح الملك سعود في فجاجة مكشوفة، فهو أكبر من مثل هذه الوسائل الرخيصة، من جانب رئيسة تحريرها لتجميل صورته، فقد كتبت مقالاً مكشوفاً، بتاريخ 24/4/1955م، بعنوان 'لمن أهدي سعود قصره بجدة'! بل، لقد حار واحتار الباحث/ محمد هيبة في أمر هذه المجلة وصاحبتها، حتي ظن أن هذه المجلة سعودية بالأساس، لأن 'أخبار الملك سعود تتصدَّر الصفحات الأولي من المجلة دائماً، ومع هذه الأخبار كمٌّ كبيرٌ من الصور الخاصة به، وبنشاطه وتحركاته'! في حين أن هذه المجلة نسيت أحوال وشئون مصر والمصريين، وتجاهلت أخبار القيادة السياسية فيها من الأصل! كما نسيت رئيسة تحريرها أن المجلة تصدر في القاهرة! وتُسطِّر زينب الغزالي مقالاً كله نفاق مستهجن، فتقول: 'ليس أمام المسلمين غير الملك سعود يُحمِّلونه مسئولية ضياع الإسلام، وذلة علمائه، وضياع جنده، وأبطاله الأحرار، من أبنائه وعلمائه'! بل إنها تكتب عريضةً بما يريده المسلمون من الملك سعود، تحت عنوان 'مطالب المسلمين من سعود'! الإخوان لا يُصَلُّون وراء أزهري! وهذه الواقعة الخطيرة تكشف عما في صدور الإخوان من غِلٍّ وحقدٍ تجاه الأزهر للقضاء عليه، فقد روي حسين الشافعي في 'مذكراته' قائلاً: 'أذكر أنني في عام 1954م كنتُ رئيساً لبعثة الحج، وكنتُ وقتها وزير الحربية، وكان معظم مَنْ جاء في بعثة الحج من الإخوان المسلمين. وهذا يُعطي لكَ مثالاً إلي أيِّ مديً، كانت الثورةُ مُتسامحةً، ولا تُفرِّق بين واحدٍ من الإخوان، أو واحدٍ ليس منها! المهم، أنني أخذتُ إمام سلاح الفرسان، في ذلك الوقت، وهو شيخٌ من مشايخ الأزهر، وكنا نُقيم في السبيل المصري ب'مِنَي'. وحينما حلَّت صلاة المغرب، طلبتُ من الشيخ أن يقوم، ويُصلِّي بنا المغرب جماعةً، وصلُّوا معنا، ثم فُوجِئتُ بعد انتهاء الصلاة، أنهم 'الإخوان' يُقيمونها من جديد! وعَرَفتُ أنَّ الصلاةَ وراء الشيخ الأزهري في عُرْف الإخوان لا تجوز! ولمّا انتهت الصلاةُ، قلتُ لهم: إنكم تضرُّون المفاهيم الإسلامية، وإنكم بتعملوا فُرقة! وأنتم ها تودوا البلد في داهية، بهذه العقلية، وبهذه المفاهيم الخاطئة'!