منذ عزل 'مرسي' وأنا أبحث في ردهات القلق عما يجري في مصر من أحداث إرهابية، ويعجزني الجواب وأفتش عمّا أصاب أرض الكنانة من بلاء، ويقهرني السؤال فلا البلد بلد، ولا العيد عيد.. منذ اليوم الذي تفجرت فيه الأزمة المصرية وأنا أبحث في زوايا مصائب الشعب المصري، عن معانٍ عدة جفت واحتضرت وضاع رفاتها في عراء المعادين للوجود العربي منذ أيام الفرنجة إلي الحاضر المشين الذي تفشت فيه بين صفوفنا رياح المتأسلمين ففعلت بالعرب الأفاعيل. لذا وجدت نفسي أغوص طويلًا بين صفحات المعاجم والقواميس العربية، وقصص التاريخ العريقة، لتجمح بي هنا رغبة عارمة في التوصل إلي معني الإخاء وماهية الفارس المغوار، الذي كان يمتطي جواده العربي الأصيل وينطلق علانية إلي ساحات الوغي فيقاتل أعداء الله والأرض والوطن، فإن انتصر وكسر همجية الأوغاد كان المراد في حماية البلاد من دنس الطغاة، وإن استشهد كانت له الجنان وشرف البطولة، يتوج أهله وعشيرته بأكاليل الغار، فلم أجد حرفاً يخاتل ولا يتقاطع مع قدسية الفرسان من أهل النصرة للعرض والشرف والأوطان ولم ألمح ظاهرة تؤكد أن العرب ليسوا إخواناً وأنصاراً وأننا واهمون في حكاية تآخينا وأننا أعداء من أيام القادسية وحطين. فيا أيها الإخوان الإرهابيون المقنعون بعباءات الإسلام، لم تفعلون في أهلكم وخلانكم بمصر، ما لا يفعله بشر، ولم يسع إلي ذلك يوماً بشكل سافر مبيح، ومستبيح بطل ولا فارس من بني عدنان ولا من بني مضر، ولم توظفوا المتفجرات لقتل الأبرياء تنفيذاً فقط لمخططات الأعداء! أفي هذا فخار لكم يجاري ما كان يتغني به الفارس عنترة من غابر الأزمان، أم إنه ذل عقيم يحرق كل روابط الدم والإخاء ويمزق وشائج الانتماء؟. بالأمس كان الفارس العربي يقاتل وجهاً لوجه، عدوه وخصمه، وكانت له من المناقب والخصال ما تجعله فارساً ليس لامتطائه ظهر الجواد ومقارعة الأعداء، بل لأنه كان يتحلي بالشهامة والمروءة والحمية والغيرة ونجدة الملهوف وإغاثة الضعيف وحماية المغلوب علي أمره والمسلوب حقه في الحياة. اليوم وبعد عزل 'مرسي' فقد تحول الاقتتال في أهدافه وأدواته وصار عبارة عن مفرزات من الإرهاب، فقد حوّلت جماعة الإخوان المحظورة، ساحات مصر إلي مصانع موت وتفتيت لأشلاء الضحايا الأبرياء، ونشرها علي ذهول الأزمان بكل إصرار أرعن مشين، وعلي ارتعاش الجدران التي تتهاوي صريعة الانفجارات الباغية، وفوق أفنان الأشجار التي شاخت وعصفت الشظايا بنضارتها، فأحنت هاماتها وصارت أكواماً من خشب محترق، مفزوع منقوشة بدماء الصغار أو الكبار، ممن استشهدوا جراء من كفر بالله والإنسان، وكل مواثيق الحياة لتبقي للأجيال أكبر معلقة بشرية مأساوية، علي ستائر ضلال إخواني إرهابي، تذكرهم علي الدوام بأفاعيل القتلة في مصر العروبة. اليوم وبكل إصرار أقول: بعد الأحداث الارهابية التي تنفذها جماعة الموت الإخوانية، فقد سقط الوجدان وارتحل عصر الفرسان إلي اللا حضور خجلا من جرائم الإخوان، الذين لم يتفكروا أو يتبصروا بما قد يؤول إليه الحال، حيث لم يعد علي موائد وجودهم أي صنف للقيم والأخلاق وكل ما جمع المصريين يوماً وسار بهم من تاريخ مجيد إلي تاريخ تليد. اليوم رسم الإخوان الإرهابيون، خرائط الوجود المصري الممزق، والمهان في حاضره والقادم من الأيام، وابتكروا لهذا ألف عنوان، يرسخ القتل الجماعي لأبناء جلدتهم، وكانت رسالتهم العدوانية هذه تحمل مضمون التحدي لمصر، من أجل إسقاط قلعتها الصامدة المنيعة، ثم وبكل تصميم أنتجوا لغرضهم هذا في معامل الشقاق ثقافات وخيمة، تفسخ عقد الدم الأسري وتجيش مشاعر البغضاء وتشعل حرائق العداء بين الأبناء وتجعل دم الشقيق يهون علي الشقيق. لذا جاء قتلهم لأبناء مصر بكل طريقة ممكنة لا تحمل بصمات الفارس العربي الأبّي بل فيها أكبر مغالطة مخالفة لشرائع الدين وكل الفضائل التي جاء بها الرسول الكريم حين قال لجيوش الفتح الإسلامي موصياً إياهم بكل ما يؤكد سلوكيات الحرب علي الملحدين الذين أبوا واستأبوا أن يقولوا لا إله إلا الله فقال: 'لا تقتلوا شيخاً ولا امرأة ولا صبياً ولا عابداً في محرابه.. ولا تقطعوا شجرة ولا تعفروا بئرا'.. هذه النواهي وضعها رسول الله لتكون دستور حرب للمؤمنين الصالحين، حيث منع جنوده قطع أي شجرة، فإذا بنا نري اليوم العجاب من أبنية كاملة تهدم وشوارع تحفر وتخرج عن مساراتها الآمنة وسيارات تهشم وتحرق إطاراتها وأشجار تنزف لحاءاتها دموعاً مفجوعة في مصابها القادم من الخارج، والبصمات فيها حروف من دويلة قطر الشاردة عن كل القيم والمواثيق. فاليوم اختلطت أشلاء الجنود بقطع من أجساد الشرطة.. حكم عليهم بالموت الأحمر بلا ذنب ولا سبب إلا كونهم مصريين يدافعون عن مصر. وأقول: يا أهل العلم والنور ويا مدوني التاريخ بل يا رجالات الفكر والشريعة والدين، من أين استورد هؤلاء الإرهابيون التكفيريون تلك الثقافات التي لا تشبهنا ولا تقارب مفاهيمنا وتعليمات شرائعنا ولا كل الفلسفات؟ من أين جاءوا بحكايا التفجير الغادر، حيث يفخخ أحدهم سيارته ويفجرها بين الأبرياء الذين هم مؤمنون ومواطنون مسالمون آمنون وطيبون غير مسلحين لا يعرف أغلبهم لما وصلت الحال إلي ما هي عليه من هجمات دامية واستهتار بالقيم السامية؟ وأسأل: والمصريون ماذا من كل هذا؟ فهم اليوم يمشون علي الدروب ذاتها التي احتضنت التاريخ والذكريات، ولكنهم خائفون ومتوجسون، فأشباح الموت تتربص بكل منهم وروائح الدم التكفيري المستباح منتشرة في كل قبضة هواء تتغلغل في صدورهم، دون أن ترحم يد القتل الممتدة إليهم، من عواصم الشر والاستعباد طلاب المدارس ولا الأطفال ودون أن تخجل من المدن العريقة والمساجد والكنائس الشريفة وانتماءات الشعب المصري العفيفة.. والسؤال الأهم ماذا يفعل الشعب المصري كي يصد أبواب الدخلاء علي مناهجه الأخلاقية وفطرته الغريزية التي جبلت علي المودة والرحمة وعلي التلاحم والألفة؟ وكيف يرد كيد الإخوانيين المتطرفين، الذين أرادوها فتنة بين أبناء مصر؟ اليوم في ساحات حياة الشعب المصري المهدد بالموت والفقر تتوالي الأسئلة الحزينة منها: لماذا يحدث هذا في مصر؟ ولمصلحة من يقتل البشر والشجر والقمر وتنوح الشموس ثكلي في أرض الكنانة ويلهو الشيطان في صدور الغرباء عن مصر، الذين أغواهم عبدة الشيطان ودفعوا لهم المال لقتل الإنسان المصري حيث كان؟ فيا حكام قطر.. ويا من تتنادون بالسلام وتروحون من محفل لآخر أقول: وأي سلام تروجونه للشقيقة مصر في مجالس تنظيم الإخوان العالمي..؟ لقد نسي العميل القطري أنها مصر، التي تكبر بقامتها الأمة.. وتتفيأ بظلالها حركات التحرر العربي علي مر الزمان، فما كانت إلا لعظائم الأمور، وجليل المواقف والتي مهما تكالبت عليها يد الغدر، لن تستطيع أن تنال من شموخها أو تكسر صمود أبنائها، الذين تزداد صلابة عودهم في محاربة التكفيريين والمتطرفين والمتآمرين. فكم أنت عظيمة يا مصر، عرفك العالم قائلا: كبيرة أنت يا مصر بقيمك الأصيلة التي غرست في أعماق كل مصري شريف. ولعل حاكم قطر، لو حللتم دمه لوجدتم فصيلته تختلف عن فصائل بني البشر، فصيلة تتذبذب بين الضمور والانقراض، وتتعارض مع النشوء والارتقاء، لقد تناسوا أنها مصر، حديقة الأمة، وفوح زهورها مهما ادلهمت الخطوب وتعددت صنوف التآمر والتضليل. إن الصغار مهما تمددت قدودهم سيظلون دون قامات العظماء، ومهما حاولوا تغليف كلماتهم سيبقَي السم في أنيابهم الغادرة، وكأنهم عميت أبصارهم وبصائرهم عما هي عليه مصر الغالية. إنها الحال التي ينتصر فيها الهدوء والعقلانية علي الصخب الضجيج، إنها الحال التي تعمل جاهدة ضد الإرهاب في محاربته والقضاء عليه، إنها الحال التي تسعي لإرساء قواعد الديمقراطية والحق والخير والجمال، إنها الحال التي لن تستطيع أن تلوي ذراعها رهانات الأعداء الذين لا يرون إلا بعين عوراء، إنها الحال التي تنشر المحبة والإخوة والتسامح وتوزع الترياق بدلا من سموم مفتي الناتو داعية القتل والتدمير 'القرداوي' الخبيث الذي يركب موجة الشيطنة والمراهقة والخزي ويحترف الدين لصالح الصهيونية البغيضة والاستعمار الجديد. إنها الحال التي تزرع الحب في وطن درج فوق ترابه الطهور الأنبياء والأنقياء والأوفياء والخلصاء، إنها الحال التي تأبي دنس الحاقدين، إنها الحال التي تقرأ التاريخ وتعرف الجغرافيا لأمة لها في مصر الملاذ الأمين، إنها الحال التي تعلو فوق الجراح وتكبر فوق الضفائر لتبقي زاد محبة للأمة العربية الواحدة، إنها مصر التي لن تضل الطريق في المجابهة والتحدي والتضحيات. وهنا لابد من القول: هل نجد في تاريخ العملاء من خلال ما شاهدناه من هو أسقط من الإخوان الإرهابيين، الذين يرتبط اسمهم بالآستانة شعاراً لخسّتهم ودناءة أفكارهم، حيث الفواحش كلها ما ظهر منها وما لم يظهر يحاولون تلويث الوطن وتشويهه، فالمصري يأبي المذلة والهوان ويبتعد عن الرذيلة والحقد. ليبقي القول: إن الفضيلة ترنحت وجنحت بعيداً عن الحق الرصين الوقور المهيب الذي فيه الحق ومنه الحق لذا توجهت المؤامرة علي مصر إلي لغة الغدر.. تسترت بالمتفجرات.. عقدت صفقاتها بالظلمات وجاء الثمن غالياً، ففي إحدي الكفتين تتكدس الدولارات البراقة وفي الأخري تتفجر دماء الشهداء الأبرياء الذين لا ذنب لهم، إلا أن إرادة الأدعياء من القطريين والأتراك وحلفائهم من المتأمركين. هكذا شاءت الذين ما هابوا من وجه الحق الماثل كجبال من صمود في ساحات مصر.. وإرادتهم هذه ومساعي شركائهم هي من راحت تحدد ملامح يوميات الشعب المصري ومصير مجتمعه، وعلي ذلك ساروا إلي أنفاق الغدر ليشطفوا وجوههم الماكرة بدم الضحايا ويتطيبوا بروائح الموت ويكحلوا عيونهم بعويل الثكالي والأرامل وأصوات المتفجرات تدوي معلنة أن للجريمة زفيراً قاتلاً يكسر الأمان ويهشم الحب ويخزي جنان الله التي باركها ووعد بها أهل الصلاح والإيمان. والسؤال: هل زرع فتيل العداء بين أبناء مصر الواحدة هو من وصايا رب العالمين؟ وبكل ألم وأمل أقول: يا إخوتنا ويا حلفاء الأعداء للوجود العربي كله، لكم ما شئتم من تحديات سافرة ناكرة للمفاهيم والمواثيق الأصيلة ولمصر العروبة، بكل أبنائها وأطيافها الإصرار علي التحدي الشريف العربي المقاوم الفارس في زمن غياب الفرسان، فالوطن وأبناؤه لا يراهن عليهم مهما كان والصمود هو الانتصار العظيم والتحدي النظيف وهذا هو دستور كل المصريين وإن اختلفوا قليلا لكن لن تضل أخلاقهم المصرية طريق الإخاء والغفران. وأخيراً وليس آخر، اللهم اشهد، ويا مصر اشهدي، أني لا أبتغي إلا مرضاة ربي وخدمة بلد العروبة، وإعانة المظلوم، والأخذ بقوة علي يد الظالم ونصرة الحق، وخذلان الباطل، وإزالة الفساد ونشر العفة وإشاعة الفضيلة وبسط الأمان، ودوام الاستقرار والازدهار، وسيادة العدالة، وكرامة المواطن، وحرية وازدهار مصر. فاللهم من أراد بمصر خيراً فوفقه إلي كل خير، ومن أراد بمصر شراً وضراً فخذه أخذ عزيز مقتدر عاجلاً غير آجل.