'1' سألني الدرويش: عمن تبحثيين؟ قلت: هل هذه شوارع بغداد؟ كرر سؤاله: عمن تبحثين؟ قلت: هل تغيرت شوارع بغداد؟ بنفاد صبر كرر سؤاله: عمن تبحثين؟ بنفاد حلم قلت: الحتة الناقصة!! '2' صباح صيفي باكر، وقفت بجواري سيدة تركية علي شاطيء البحر الأحمر برأس سدر، انحنت تحتضن المياه بين شغف وبين قدسية وعيون تفكر، ثم شخصت بنظرها نحوي وقالت: انظري في هذا الاتجاه حيث عيون موسي وقومي بالوضوء أربعين مرة وقومي بالصلاة أربعين مرة واغطسي برأسك في المياه أربعين مرة ثم توجهي بالدعاء والسؤال إلي الله وسيجيبك علي الفور من أول مرة. حملت كلماتها في قلبي وتساءلت: ما بال الأربعين تنسج هالتها حولي؟! ابتسمت السيدة التركية وبدت كأنها تنهاني عن التفكير الكثير وقالت: انها سن النبوة يا أربعينية. ' حتي إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة'.. ' وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً'.. ' قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ'، تلت السيدة الآيات المتفرقة من سورة الأحقاف والبقرة والمائدة بلغة عربية سليمة ثم غادرتني فجأة بعد أن منحتني مفتاح الولوج الفرح إلي الأربعين، لم تشغلني قدسية الرقم أو مواطنه في القرآن والسنة أو حتي إشاراته الاجتماعية، فقط أدركت أن هناك حياة جديدة يصنعها ال'الأربعون' ترفرف في اللحم وتجتاز سرداباً من النسيان إلي ترانيم جديدة بالحب والحماس. ولجت هي إلي البحر أكثر هذه التركية التي تأكد لي أن وجودها في هذه اللحظة بالذات لم يكن صدفة، فكل شيء يحدث وفق ما يهندسه الله للكون، وولجت أنا إلي رواية 'قواعد العشق الأربعون' للكاتبة التركية إليف شافاق التي أهداها إلي حبيبي وهو يدق علي كل الأبواب ويقول: كما شئتك أربعينية. لم تستطع إليف شافاق، من أكثر الكاتبات التركيات حضورا علي ساحة الرواية، في روايتها 'ترجمة خالد الجبيلي، دار طوي للنشر والإعلام'، أن تخبرني فقط بقصة تشبه الحلم، وإنما جعلتني أشعر أنني أحلم هذه القصة بنفسي، خصوصاً مع كل هذا التماهي مع رواية تبعث الحب وتشهره بلا رحمة في القلوب، يأني ذلك من الإحساس بأجواء صنعتها الكاتبة لتكون مدخلاً مهماً لعالم يبحث في الأنقاض عن ضوء، مع مقدرة سردية جذابة ومؤثرة ضيّعتني كقارئ، وأدخلتني في متاهة العشق و الاحلام، عالماً خصباً لا ينضب يأخذني عميقاً في عوالم قديمة وحديثة، ثقافياً وتاريخياً، فتبدو كأنها ترسم لوحة براقة في ليالي حزينة تغمرني وأنا أتماهي مع عالم جلال الدين الرومي ورفيقه شمس التبريزي بعيداً عن عواصف السياسة والتوتر والعنف والفوضي العامة والأخلاقية والتطرف الديني سواء ما يحيطني واقعياً أو ما تكشف عنه الرواية من عبث التناقضات في مدينة ينبت فيها الحب بالرغم من الضغينة. تتمحور الرواية حول إيلا روبنشتاين 'أمريكية يهودية تشرف علي الأربعين' ربة منزل بامتياز وكاتبة علي الهامش يحدث لها تغيير عاصف يجعلها تبدل قواعدها الأربعين التي وضعتها لحياتها بقواعد العشق الأربعين التي وضعها الصوفي شمس الدين التبريزي في القرن الثالث عشر، وهي القواعد التي اكتشفتها إيللا حين قرأت 'الكفر الحلو' رواية عزيز ز. زهارا التي كلفت من عملها بكتابة تقرير عنها. في خمسة أجزاء تتمازج حياة إيللا برواية عزيز ز. زهارا وتتشابك لنصل معها إلي أعلي درجات الحب والعشق الإلهي في رحلة ساحرة إلي عالم الصوفية بشكل يجعلك حين تقرأ ' قواعد العشق الأربعون' لابد أن يعتريك هذا التغيير الذي حدث لي علي مهل وستقودك الرواية إلي معرفة بنفسك التي ستقودك بدورها إلي معرفة الله، فكما تقول إحدي القواعد: 'إن الطريق إلي الحقيقة يمر من القلب، لأن الرأس، فاجعل قلبك، لا عقلك دليلك الرئيسي، واجه، تحدّ، وتغلب في نهاية المطاف علي 'النفس' بقلبك، إن معرفتك بنفسك ستقودك إلي معرفة الله تعالي' '3' 'ان تكن تبحث عن مسكن الروح فأنت روح وان تكن تفتش عن قطعة خبز فأنت الخبز وان تستطع ادراك هذه الفكرة الدقيقة فسوف تفهم ان كل ما تبحث عنه هو أنت'.. من رباعيات جلال الدين الرومي.