يهل علينا الآن موسم الحج للعام الهجري 1434 ومن العادات والتقاليد المصرية الأصيلة التي تضرب جذورها في القدم والتي كانت مرتبطة بتلك المناسبة هي محمل وكسوة الكعبة التي كانت تزين في كل عام في النصف الثاني من شهر شوال استعدادا لرحيلها علي الجمال مع وفد الحج المصري وغيره من الوفود القادمة من بلاد المغرب العربي لتتجمع مع الوفد المصري بالقاهرة بجوار القلعة إيذانا ببدء الرحلة المباركة، وقد أمدتنا كتب التراث من العلماء والمستشرقين بالكثير من المعلومات الهامة والتفصيلية عن تلك الرحلة وعن كل ما يتعلق بالعادات والتقاليد المرتبطة بها كابن بطوطة، والقلقشندي في كتابه صبحي الأعشي في العصر المملوكي وأيضا العياشي في كتاباته ومشاهداته عن المحمل في العصر العثماني وإدوارد وليم لين في كتابه المصريون المحدثون عادتهم وشمائلهم وغيرهم من المهتمين بالتاريخ والفلكلور المصري. فالمحمل حسب تعريف موسوعة الويكيبديا يطلق علي الجمل الذي كان يحمل الهدايا أو الكسوة الموسمية إلي الكعبة وقد كان السلطان بيبرس بمصر من أوائل من احتفلوا بسفر المحمل بالقاهرة إلي مكةالمكرمة وكان يعرض كسوة الكعبة قبل سفرها بأيام وأصبح المحمل تقليدا متوارثا يقوم به ملوك مصر وسلاطينها مع احتفالهم بعودة المحمل من الحجاز حاملا الكسوة القديمة التي كانت تقطع وتوزع للتبارك بين السلاطين والملوك والنبلاء من أجل التبرك. والمحمل نفسه هو عبارة عن هودج فارغ يقال أنه كان هودج شجرة الدر التي كانت تهتم أثناء حكمها لمصر بتلك المناسبة، أما الكسوة نفسها فهي كانت توضع في صناديق وتحملها الجمال المحناه والمزينة بكل أنواع الزينة، وكان المحمل يطوف الشوارع قبل الخروج إلي الحجاز ويصاحب طوفاته العديد من الاحتفاليات وخروج الرجال والنساء والأطفال واصطفافهم علي الطرق لمشاهدة حدث فلكلوري كبير يصعب الآن تكراره كما كانت تزين المحلات التجارية في أحياء وشوارع مصر القديمة مع الرقص بالخيول وغيرها من المبارزات ونمر الحواة وأذكار الطرق الصوفية، وكان الوالي أو نائبا عنه يحضر خروج المحمل بنفسه ويبارك أمير الحج المتعهد والمؤتمن علي الرحلة لحمل كسوة الكعبة التي تعتبر أقدس الأماكن عند المسلمين. كان المحمل المصري عبارة عن إطار مربع من الخشب هرمي القمة له ستر من الديباج الأسود وعليه كتابات وزخارف مطرزة بالذهب وآيات قرآنية وكان يشتمل المحمل علي كسوة الكعبة وأحزمتها الحريرية المزركشة بالقصب وإلي جانبها كسوة مقام إبراهيم الخليل محمول علي الأكتاف ثم يلتقي المحمل بالكسوة ويسير الموكب بكامله في شوارع القاهرة وصولا إلي العباسية ويسافر منها إلي السويس ثم مكة حاملا معه الكسوتين والروائح المعطرة والهدايا والخرق الجديدة التي تغسل بها الكعبة، ويقال أن الفاطميين هم أول من اهتموا بكسوة الكعبة ولكن تلك العادة ترجع في مصر إلي أكثر من ذلك بكثير ويقال أن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه كان يطلب من الأمراء أن تصنع كسوتها في مصر بالقماش القباطي نسبة إلي أقباط مصر بمدينة الفيوم بسبب مهارتهم في صناعة النسيج في هذا الوقت، ويقال أيضا أن أمراء الدولة الأيوبية وسلاطين المماليك كانوا في غاية الكرم يقول إدوارد لين في كتابه المصريون المحدثون ' كانت العادة في السنوات السابقة أن يحمل المحمل بفخامة فائقة وخاصة في أيام المماليك الذين كانوا يحضرون الموكب في أفخ ملابسهم عارضين أفخر الأسلحة ويتسابقون وكانت العادة أن يسبق المحمل فرقة من السعدية يأكلون الثعابين الحية وعند مرور المحمل كان يتدافع الناس في الشوارع بعنف ليلمسوه بأيديهم تبركا وكان يقبلوه مع زغاريد النساء من نوافذ المشربيات وغيرها من فرق الطبول والمزامير والموسيقي لعظمة هذا اليوم ويقال أن الظاهر بيبرس قد أرسل مائتي ألف درهم إعانة للحجاز لشريف مكة، أما السلطان قلاوون فقد خصص ريع بعض القري في مصر والشام لصالح الحرمين الشريفين، وقد استمرت الهدايا تتدفق علي بلاد الحرمين في العصر العثماني إلي الأراضي الحجازية من مصر محملة بالعوائد من القمح والمؤن والسلع الضرورية من الحكومات المصرية المتعاقبة، وقد حاول الكثيرين منازلة مصر في هذا الكرم إلا أنهم فشلوا في كل محاولاتهم ، وعندما جاء محمد علي أمر بأن تمنح نفقة كسوة الكعبة من خزينة الدولة التي آلت إليها كل الأوقاف وتأسس علي يديه مكان مخصص لصناعة الكسوة بدار الخرنفش بحي باب الشعرية بالقاهرة ومازالت آخر كسوة من عهد الرئيس عبد الناصر معروضة بها.