قال تقرير لصحيفة "المصريون"، أن الإهمال "المتعمد" من قبل وزارتى الأوقاف والثقافة لدار الكسوة الشريفة بحي الخرنفش بالجمالية بالقرب من مسجد الحسين التي كانت مخصصة لصناعة كسوة الكعبة الشريفة حيث كانت تصنع كسوة الكعبة في مصر وتخرج من هذه الدار إلي الأراضي المقدسة بالسعودية من أكثر من ألف عام وحتى عام 1964، عندما اختلفت مصر والسعودية ورفضت السعودية دخول الكسوة المصرية للكعبة ومنذ هذا التاريخ توقفت مصر عن صناعة كسوة الكعبة الشريفة، أدى إلى وصول دار الكسوة لصورة سيئة وحولتها وزارة الأوقاف إلي مخزن للروبابيكيا، فتحولت بقدر قادر من دار للكسوة المقدسة إلي سلة مهملات للأدوات والمعدات والكراسي والمكاتب والسيارات والعدد المتهالكة الخارجة من الخدمة من وزارة الأوقاف وحسب التقرير، فقد تحولت الدار المقدسة إلي مخزن ووكر للحشرات والثعابين والكلاب الضالة التي تعيش داخل أكوام المخلفات الصناعية التي كدستها وزارة الأوقاف في غفلة من وزارة الثقافة والمجلس الأعلى للآثار.
وتابع "اكتشفنا أن وزارة الأوقاف قامت بردم البئر الموجود بالدار بالخرسانة المسلحة وكان هذا البئر يملأ طوال العام بمياه زمزم ليشرب منه صانعو الكسوة الشريفة ويتبركون بمائة وكانت الكسوة تغسل من ماء زمزم الموجود في هذه البئر قبل شحنها ونقلها الي الأراضي المقدسة".
الخطيرفى الأمر، حسب تقرير "المصريون"، أن دار الكسوة تحولت إلي غرزة شاي وقهوة لمدمنى المشروبات المحرمة
وأضاف "أما بوابة الدار المقدسة فقام لصوص المساجد الآثرية بسرقتها وتجريدها من كافة أشكالها الاثرية وقاموا بسرقة قطع النحاس والياقوت والعاج التي كانت تطرز وتزين دار الكسوة الشريفة كما قاموا بطمس النقوش والمعلم الآثرية الإسلامية التي كانت مدونة فوق الأبواب وذلك في غفلة من المسئولين بهيئة الأثار المصرية".
وتابع "المؤسف أن الدار كانت تضم عددا من الكساء التي كانت ترسلها مصر للكعبة وكان من أبرزها آخر كسوة أرسلتها مصر عام 1964 عندما أعادتها السعودية الي مصر وقررت أن تنال شرف كسوة الكعبة الشريفة وكانت الدار تضم آخر مواطن صنع الكسوة الشريفة وهو الحاج كامل أصيل الذي قامت وزارة الأوقاف بنقله إلي ملجأ أيتام تابع لوزارة الأوقاف بطره البلد بالقرب من سجن طره وقامت بتوزيع الكسوة الآثرية علي الوزراء كنوع من الهدايا والمباركة وأغلقت الدار تماما بعد أن أخفت كافة أشكالها ومعالمها الأثرية والإسلامية وحولتها إلي مخزن للروبابيكيا".
جدير بالذكر أن مصر نالت شرف صناعة الكسوة الشريفة منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين عندما كلف والي مصر وقتها بصناعة الكسوة الشريفة حيث كانت مكة تمر بعام قحط و لشهرة المصريين في صناعة الغزل والنسيج وعلي الفور كلف سيدنا عمرو بن العاص والي ضاحية الفيوم بصناعة الكسوة من قطن القباطي المشهور آنذاك وخرجت أول كسوة مصرية للكعبة من ضاحية الفيوم ثم تنقلت بين ضواحي ومدن مصر العريقة ما بين مدينة قوص بصعيد مصر والشرقية ومدن الدلتا حتي انتهي بها المطاف بمدينة الفسطاط وتحديدا في زمن الدولة الأيوبية في عهد السلطان ركن الدين "بيبرس البندقداري" ملك مصر سنة 670ه الذي قرر إنشاء دار متخصصة لصناعة كسوة الكعبة الشريفة تكون لها إدارات وأقسام وفروع مثل قسم الغزل وقسم النسج وقسم التطريز وقسم الزخرفة وغيرها من الأقسام اللازمة لصناعة الكسوة الشريفة حتى تحولت الدار إلي مدرسة فنية لصناعة الكسوة وخصص للكسوة مراسم ملكية وطقوسا دينية عند خروجها من مصر وإرسالها إلى الأراضي المقدسة مع قافلة الحجاج على هودج يتقدم القافلة يُعرف باسم "المحمل"، وعين لمحمل الكسوة أميرا يسمى "أمير المحمل"، يكون من كبار وأعيان الدولة، ويُعهد إليه بقيادة قافلة الحجاج إلى مكة، وتأمين عودتها وتوفير الحراسة الكافية لها والإشراف على تجهيزها , وتجهيز أموال الصرة الشريفة التي كانت يتم تجميعها من مصر بدار الكسوة الشريفة التي حولها وزير الأوقاف إلي غرزة شاي لتوزع على أهل الحرمين من أئمة المساجد وفقراء المسلمين في مكة والمدينة.
وكان للمحمل مظاهر احتفالية جميلة، أبرزُها الاحتفال بكسوة الكعبة، وهو الاحتفال الذي كان يسبق سفره إلى الأراضي المقدسة، حيث يُقام حفلٌ رسمي كبير في الخرنفش أمام مسجد القاضي عبد الباسط قاضي قضاة مصر ووزير الخزانة العامة والمشرف علي صناعة الكسوة الشريفة ثم تخرج الكسوة في إحتفال مصري بهيج ويخرج ورائها معظم جموع الشعب المصري الي ميدان "الرميلة" بالقرب من القلعة، وفيه يتسلم الوالي الكسوة الجديدة من مسئول دار الكسوة الموجودة بحي الخرنفش بالجمالية والتي كانت تضم سجادة الكعبة التي تُزيَن بها الكعبة، وكسوة المقام الإبراهيمي، وستارة باب التوبة وذلك بحضور ملك مصر وأمير المحمل وأعيان مصر ثم يتحرك الجميع في موكب رسمي كبير يتقدمه أمير المحمل وخلفه الموكب الملكي الذي يحمل الكسوة، وقد نقشت على قماش الهودج آيات قرآنية ورسوم زخرفية مطرزة بخيوط من الحرير الذهبي، فوق أرضية من الحرير الأخضر والأحمر والأسود ويسير خلفها قضاة المذاهب الأربعة، وجميع أئمة المساجد ورؤساء الطوائف والحرف ومشايخ الطرق الصوفية بأعلامهم وبيارقهم الملونة، وجماعات الدراويش ويطوف الموكب شوارع القاهرة من ميدان "الرميلة" حيث مكان الاحتفالية، ويتجه إلى "الفسطاط" حتى جامع الحاكم بأمر الله بالقرب من باب النصر ومنه تنطلق موكب الكسوة الشريفة التي كان يحملها نحو 500 جمل وقد بلغت تكلفة صناعة الكسوة في عصر الدولة الفاطمية نحو مائة وعشرين ألف دينار، وذلك على حد قول المقريزي في كتابه "السلوك".
وامتد الاهتمام بتجهيز وصناعة الكسوة الشريفة حتى فترة حكم "محمد علي" وأسرته وفي عهد الملك "فؤاد الأول كان المحمل أكثر تنظيما حيث حدد الوظائف وخصص لها الأموال بداية من أمير المحمل الذي يقوده للأراضي المقدسة، و"ديُودار أمير الحج" الذي يقدم الدواة لأمير الحج عند توقيع الإمضاءات، ورئيس حرس المحمل المسؤول عن حماية القافلة، و"قاضي المحمل" الذي يحكم بين الحجيج في المنازعات التي قد تنشأ بينهم، و"أمين الصرة المشرفة" التي كانت مصر ترسلها لفقراء مكة، و"إمام المحمل" الذي يتولى إمامة الحجيج في الصلاة وشرح مناسك الحج، و"مشرف جمال المحمل" المسئول عن رعاية الجمال، و"البَيْرَقْدارية" وهم حمَلة الأعلام المميزة للمحمل، و"مشرف التموين للمحمل" الذي يتولى شؤون التموين، و"مشرف المطبخ" المسؤول عن الذبائح وتفرقة مخصصات الطعام، و"مشرف السقائين" الذي يقوم بتوزيع المياه على الحجاج، و"الطبيب" لعلاج المرضى، و"البيطار" لعلاج الجمال، و"الخباز" لتوزيع الخبز بعد عمله على القائمين على شؤون المحمل، و"مبشر الحاج" المسئول عن التبليغ قبل عودة المحمل للبلاد عن أحوال الحجاج وما حدث بشأنهم من سرقات أو قطع طريق أو وفاة، ويصل عادةً قبل القافلة بأربعة أيام راكبًا هجينًا سريعًا.
وفي زمن الملك فاروق الأول تغير موكب المحمل ليخرج من دار الكسوة الي قصر عابدين مارا بمنطقة العتبة " التي أطلق عليها العتبة الخضراء تيمنا بالكسوة الشريفة ومن قصر عابدين ينطلق المحمل إلى "السويس"، ثم إلى "قلعة النخل" وسط سيناء، ثم الي "العقبة" ثم الي "ينبع" ومنها يتجه إلى مكة ليقوم أمير المحمل مع أمير مكة بغسل الكعبة الشريفة وكسائها بالكسوة المصرية الشريفة
كل هذا التاريخ دفنه الدكتور محمود حمدي زقزوق والفنان فاروق حسني وزير الثقافة تحت أنقاض دار الكسوة الشريفة التي تحولت الي وكر للحيوانات الضالة وغرزة لتعاطي المخدرات.