ان العلاقات الانسانية بين البشر قائمة منذ فجر التاريخ، وشريعة الاختلاف هي سنة الكون التي وجد عليها البشر منذ الخليقة، ولا تكاد اي حادثة خلاف في العالم تمر دون شد وجذب من كافة الاطراف ذات العلاقة، وان حادثة القتل الاولي التي عرفها التاريخ كانت عندما اختلف ابناء ادم فقتل قابيل هابيل وبعدها كان الشعور بالندم عندما ارسل الخالق سبحانه وتعالي الغراب، وعرف قابيل ان الغراب كان افضل منه في تعامله مع اخيه الغراب القيتل بدفنه، وكان الندم والحسرة هي النتيجة، ولكن ماذا ينفع الندم؟ واذا مررنا عبر التاريخ فان الاختلاف في عالمنا العربي كان سمة واضحة من سمات هذه الامة، ولكن ليس المهم الاختلاف والكن الاهم الي اين سيصل بنا هذا الاختلاف. تباشرت خيرا عندما رايت في نهاية العام 2010 الجماهير العربية تخرج الي الشوراع وتطالب بالحرية و والكرامة والعيش والعدالة الاجتماعية، تذكرت عندها مقولة مظفر النواب اذا رايت عربيا نائما فايقظه حتي لا يحلم بالحرية، وقلت اليوم علينا ان نقول اذا رايت عربيا نائما فايقظه حتي يعيش الحرية فالحرية اقبلت واينعت ثمارها وفاقت الشعوب العربية من سباتها العميق وكسرت جدار الصمت وانتفضت علي حكامها، وتذكرت ايضا مقولة الرسام الفلسطيني ناجي العلي و رسم حنظله الذي لا يظهر وجهه ابدا وعندما سئل ناجي العلي متي سينكشف وجه حنظله؟ فاجاب عندما ينتهي الضعف والانهزام والانكسار في النظام العربي الرسمي، ايقنت في هذه الاثناء وانا اري الجماهير تجوب عواصم القرار العربي بانه آن الاوان لنري وجه حنظلة، ولكن ليس بالسهل ان نري وجه حنظلة فخروج الجماهير الي الشوراع بداية الطريق وهذا الطريق طويل وصعب وبحاجة الي المزيد المزيد من العناء والدماء حتي تستقر الامور ونري وجه حنظلة، فثمار الثورات في تاريخ الشعوب بحاجة الي سنوات عديدة كي تنضج وتاكل الشعوب هذه الثمار الناضجة ولنا في الثورة الفرنسية خير دليل علي ذلك. ولكن البعض يري بان الثورة هي عبارة مرحلة عابرة قصيرة تجني فيها الثمار وتوزع فيها الغنائم وهي لحظة الاخذ بالثأر من النظام السابق، ليس هذا فحسب بل اعادة انتاج النظام السابق بنفس الادوات والاساليب السلطوية التقليدية، ولم يقتنع هؤلاء بان الزمن قد تغير وما كان ينجح في استخدامه سابقا لم يعد مناسبا اليوم فقد تمردت الجماهير العربية علي الظلم والسلطوية ومضي عهد الاستعباد. ان ما جري في مصر في السنوات القليلة الماضية من مد وجزر بين القوي السياسية المتصارعة ومن حشد للجماهير في الميادين والساحات يعبر عن الحالة الثورية الحقيقية التي تشهدها مصر، فالثورة هي عبارة عن موجات من المد الثوري عبر مراحل متتابعة ومختلفة حتي تحقق الشعوب مطالبها، والمراحل الانتقالية في تاريخ التحولات الديمقراطية في العالم هي مراحل فوضوية تحدث فيه الكثير من المشاكل والخلافات وتسفك فيها الدماء، ولكن في النهاية تسير الامور للامام ولا عودة للخلف، فما حصل في 25 يناير 2011 هو موجة من وموجات الثورة وما حصل في 30 تموز 2013 هو موجة اخري من موجات الثورة وستاتي موجات ثورية في المستقبل كي تستمر ديمومة الثورة وتحقق اهدافها، فلا انقلاب علي الارادة الشعبية في مصر، لان الارادة الشعبية لازالت حاضرة في الميدان والشرعية هي شرعية الميدان وشرعية الشعب في ظل ازمة الشرعية التي يشهدها عالمنا العربي. ولكن بعد مضي اكثر من عام علي حكم الاخوان في مصر جاءت الموجة الثورية الثانية في ميدان التحرير لتطالب بتحقيق اهداف الثورة وبرحيل محمد مرسي من الحكم، وكان تدخل الجيش في هذه اللحظة الحاسمة كما تدخل في المرة الاولي ابان حكم مبارك وكانت له الكلمة الفصل في ذلك، ولكن لم يسلم الاخوان بالامر وبدات مرحلة من الصدامات الدامية التي راح ضحيتها الابرياء من المصريين، واستمر الوضع علي ذلك حتي حسم الجيش المصري الامر باعادة الامور الي نصابها وفض كافة الاعتصامات التي اقامها اخوان مصر. قديكون من المدهش ما سمعته بالامس عن صدور بيان عن المسؤول الاعلامي لحزب الحرية والعدالة في مصر الذراع السياسي لحركة الاخوان المسلمين بالاعتذار عن الاخطاء التي ارتكبها الاخوان خلال الفترة السابقة وعن طرحهم مبادرة سياسية للخروج من الازمة لا تتضمن عودة مرسي للحكم، وعن شراكة حقيقية بين القوي السياسية المصرية لادارة المرحلة القادمة واخراج مصر من الازمة التي تعصف بها، وقد يكون هذا من باب التكتيك السياسي او البراغماتية التي يتمع بها الاخوان عبر تاريخهم الطويل، لمعرفة ردة فعل الطرف الاخر في مصر من المؤسسة العسكرية والقوي السايسية الاخري، ولكن بغض النظر عن النوايا والتنبؤات المستقبلية فهذه مباردة مسؤولة تصب في خدمة مصر شعبا ومؤسسات، وهذا الاعتذار جاء متاخرا ولكن ان ياتي متاخرا خير من ان لا ياتي، وبهذا نتمني الخير لمصر شعبا ومؤسسات مصر العروبة التي وقفت الي جانب شعبنا الفلسطيني في كافة مراحل النضال والكفاح، وبهذه المبادرة قد نكون اغلقنا فترة من الصدام ما بين الفرقاء في مصر وعدنا الي الحوار الديمقراطي العقلاني والتشاور البناء بين كافة الفرقاء بما يخدم الشعب المصري التائق للاستقرار والعيش بكرامة. وفي مثلنا العربي يقال ''اذا اشتت علي بلاد فبشر بلاد''، فهل تباشير الخير هلت علي الشعب الفلسطيني، هل سنشهد موقفا مماثلا لما حدث في مصر في فلسطين، اذا اعتذر الاب المصري للشعب المصري عما قام به خلال اكثر من سنة وطرح مبادرة للخروج من الازمة التي تعصف بمصر، فهل سيعتذر الابن الفلسطيني للشعب الفلسطيني وسيخرج بمبادرة للخروج من الازمة التي تعصف بالشعب الفلسطيني منذ اكثر من ست سنوات، ام ان الاب حليما وحكيما، اما الابن غير ذلك؟ ولكن الاب هو الذي يربي ويعلم كل شييء؟ وكما يقال والاصل تتبعه الفروع، فهل يتبع الفرع الاصل؟ وتهل تباشير الفرح علي الشعب الفلسطيني؟