يري كثير من المسلمين أن فوز تيار الإسلام السياسي في انتخابات نزيهة أمر منطقي. فغالبية المسلمين المصريين في واقع الحياة اليومية يحرصون علي عدم تعارض نمط حياتهم وسلوكهم مع قواعد الشريعة الإسلامية. وهم يهتمون كل الاهتمام بحل المشاكل التي تواجههم وفقا لهذه القواعد. ولا مكان عند الغالبية علي الإطلاق لفصل الدين عن الحياة الاجتماعية, كما تؤمن بإخضاع الحياة السياسية لسلطان الدين فيما يتعلق فحسب بمراعاة قواعد الحلال والحرام التي اكتسبت معني اجتماعيا إلي جانب أصولها الإسلامية دون إيمان بأن هناك نموذجا تشريعيا جاهزا صالحا لكل البلاد في جميع الأزمنة. وذلك بالإضافة إلي أن الإخوان المسلمين لا يقولون بدولة دينية تمتلك تفويضا إلهيا ولا بحكم المشايخ, ويعلنون أنهم مع الحرية الشخصية في حدود الحلال. ويفهم من تصريحاتهم الآن باختلاف مع مرحلة سابقة أنهم لا يعارضون التعددية الحزبية أو يدعون إلي حزب واحد. ولكن خلف التصريحات والبيانات من جانب الإسلام السياسي توجد في الواقع أنظمة حاكمة تنسب نفسها إلي الإسلام في الجزيرة العربية والسودان والصومال وإيران وباكستان وإمارة طالبان وكلها لا تتيح للأحزاب والتيارات الأخري متنفسا عادلا. وربما لا يصدق أحد أن أيا من هذه الأنظمة هو البديل المرتجي للرأسمالية المأزومة والاشتراكية المنهارة علي المستوي العالمي. وبعض الناس يفزعون من حكم إسلامي يحاكي حكم الخلافات التي تلت الخلفاء الراشدين. فهل يجب أن يكون الحاكم من قريش أو تدوم مبايعة الحاكم طول حياته ويكون من حقه تعيين من يجيء بعده وأثناء ذلك لابد من حظر تصويت النساء( مثلما لا تقبل شهادتهن في الحدود والقصاص)؟ ولكن من المفزع أن بعض السلفيين يرون أن علاقات البشر لا تقوم علي المواطنة في الوطن الواحد أو الأخوة الإنسانية وإنما تقوم فقط علي الاشتراك في الدين, فمن لا يؤمن به يعتبر عدوا للمسلمين الذين هم مأمورون بقتاله حتي يسلم في هذا الزعم. وهذا هو تفسير جماعة من السلفيين لأنه يجب مقاتلة أهل الكتاب وغير المؤمنين بالقرآن أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون. ومن البديهي في عهد السلاح النووي المملوك في أيدي غير المسلمين استحالة شن حرب ظافرة لإدخالهم في الإسلام. وقد فتح الباب لجماهيرية الإسلاميين في مصر أيام المشروع الوطني للناصرية منع الجماهير الشعبية من أي حق في أن تنظم نفسها من أجل مصالحها أو أن تعبر عنها وإلغاء كل أشكال الحياة السياسية. وقد أدي ذلك الوضع إلي دعوة الجوامع ودعاة الإسلام السياسي رغم عداء الناصرية للإخوان,- إلي ملء الفراغ وسط الشعب. كما انقسم الإخوان المسلمون المسجونون والمعتقلون إلي معارضين للنظام ومؤيدين له وأفرج عن المؤيدين وسمح لهم بالعمل في إدارات المناطق التعليمية وفي الإعلام والاستعلامات. وفي عهد السادات الذي كان يسميه أنصاره سادس الخلفاء الراشدين صعد نجم رجال دين إعلاميين شديدي الجماهيرية أبرزهم الشيخ الشعراوي. وظلت الحال كذلك في عهد مبارك. وكان نظام مبارك يتنافس مع الإسلاميين في أيهما أقرب إلي صحيح الإسلام. وقد لجأ بعض الإسلاميين في الشام إلي اعتبار الإسلام دعا إلي نوع من الاشتراكية شديد الوضوح عند أبي ذر الغفاري مما رسخ في الأذهان أن الإسلاميين دعاة عدالة اجتماعية. ولسيد قطب كتاب شهير هو العدالة الاجتماعية في الإسلام يسهم في إشاعة أن الإسلام السياسي من الممكن أن يكون له دور ملحوظ في تحقيق تلك العدالة. ولكن معظم الإسلاميين في أكثر البلاد وفي التطبيق أنصار لاقتصاديات السوق الحرة كما لا تزعجهم الفوارق الهائلة في الأوضاع الاقتصادية بشرط أداء الزكاة وممارسة أعمال البر الخيرية من جانب أهل القمة. ويذيع الإخوان عن أنفسهم تمسكهم بالعقلانية وتنمية التكنولوجيا في إدارة المجتمع فهما وجهان لظاهرة حضارية عالمية لا يختص بها الغرب كما كان للحضارة الإسلامية دور كبير في إرساء أسس العقلانية وتطوير العلوم الطبيعية والميكانيكية والكيميائية والأحياء, فهما أمران ضروريان للتقدم الإنساني. وبعد الانتخابات في مصر يقول بعض المنافقين في الغرب مرحبا بعصر الإسلام السياسي زاعمين أنه من ثمار الربيع العربي وأنه أكثر ثماره قدرة علي الاستمرار رغم أنه لم يكن من أوائل المبشرين بهذا الربيع وكان مترددا في الانضمام إلي بعض انتفاضاته فهذا الإسلام السياسي هو الذي يزعم أنه سيحدد شكل المشهد العربي الجديد. وقد يستشري الهلع عند بعض الديمقراطيين واليساريين نتيجة لفوز الإسلام السياسي في المرحلة الأولي من الانتخابات لتخيلهم أن ذلك يعني في المستقبل إمكان قيام أنظمة مصرية سياسية واجتماعية واقتصادية تماثل أنظمة في الجزيرة العربية والسودان إلي آخر البلاد التي تسمي نفسها إسلامية تطبق الشريعة. ولكن المد الثوري المتصل في مصر وفي موجاته حينما انتفضت الجماهير من أجل الديمقراطية وما صاحب ذلك من ارتفاع الوعي الشعبي المطالب بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية أدي إلي تغيير في جماهير الإخوان. ولم تكن الملايين الثائرة في جميع أنحاء مصر تعبأ برفض قيادة الإخوان المشاركة في بعض المليونيات بل كانت تجذب شباب الإخوان إلي الخروج علي السمع والطاعة. إن الملايين الثائرة لم تكن واقعة في خطأ المبالغة في قوة الإخوان أو اعتبارهم تنظيما من الصلب متجانسا. فهذه الجماهير التي مرت بتجربة ديمقراطية ثورية لن تسير وراء من يتنكر لمطالبها. ولن تسير وراء قيادات تعادي الديمقراطية أو تتخذها مطية للسيطرة ثم الانقضاض عليها. المزيد من مقالات ابراهيم فتحى