التعليم العالي: مشاركة مصري في فاعلة في مبادرة بوابات التعلم الرقمي بمدينة ووهان بالصين    حزمة قرارات تنظيمية وتمويلية جديدة وتحديث البنية الرقمية للتأمين الصحي الشامل    «التخطيط» تعلن حصول قرية «الحصص» بالدقهلية على شهادة «ترشيد» للمجتمعات الريفية الخضراء    كالاس: يجب توقف إسرائيل عن استهداف المدنيين ومنع إدخال المساعدات    لوكهيد مارتن تكشف مفاتيح بناء قبة ترامب الذهبية.. وتصفها ب"رؤية رائعة"    وزيرا الشباب والأوقاف يلتقيان أعضاء اتحاد بشبابها    مباراة الأهلي وفاركو .. الموعد والقنوات الناقلة مباشر والحكم والمعلق والتشكيل    «الخطيب مش هيوافق».. كيف تفاعلت جماهير الأهلي مع أنباء اقتراب كريستيانو؟    مصرع طفلين إثر سقوطهما فى بئر مياه بالشرقية    ديو جديد مع الشامي.. هل تُفيد الديوتوهات المتكررة تامر حسني جماهيريا    ابتعد أيها الفاشل، قارئة شفاة تكشف سر صفع ماكرون على الطائرة    طارق يحيي: لن ينصلح حال الزمالك إلا بالتعاقد مع لاعبين سوبر    رومانو: تاه يخضع للفحص الطبي تمهيدًا للانتقال إلى بايرن ميونخ    تقارير تكشف.. لماذا رفض دي بروين عرضين من الدوري الإنجليزي؟    الحزمة الأولى من مبادرة التسهيلات الضريبية.. مجلس الوزراء يوافق على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون الضريبة على العقارات المبنية.. التعديلات تستهدف تخفيف الأعباء الضريبية مراعاة للبعدين الاجتماعي والاقتصادي    مصرع شخص أسفل عجلات قطار في بني سويف    مسئول أوروبي يتوقع انتهاء المحادثات مع مصر لتحديد شرائح قرض ال4 مليارات يورو أواخر يونيو    الناقد سيد سلام مديرًا لمسابقة الفيلم المصري الطويل بمهرجان الإسكندرية    تيتة نوال خفة دم مش طبيعية.. وفاة جدة وئام مجدي تحزن متابعيها    هيئة فلسطينية: فرض النزوح القسرى واستخدام التجويع فى غزة جريمة حرب    9 عبادات.. ما هي الأعمال المستحبة في العشر الأوائل من ذي الحجة؟    نائب وزير الصحة تتابع مستجدات توصيات النسخة الثانية للمؤتمر العالمى للسكان والتنمية    طريقة عمل الموزة الضاني في الفرن لغداء فاخر    زيارات ميدانية ل«نساء من ذهب» بالأقصر    الرقابة المالية: التأمين البحري يؤدي دور محوري في تعزيز التجارة الدولية    أكاديمية الشرطة تُنظم الاجتماع الخامس لرؤساء إدارات التدريب بأجهزة الشرطة بالدول الأفريقية "الأفريبول" بالتعاون مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولى GIZ    حرام شرعًا وغير أخلاقي.. «الإفتاء» توضح حكم التصوير مع المتوفى أو المحتضر    د.محمد سامى عبدالصادق: حقوق السربون بجامعة القاهرة تقدم أجيالا من القانونيين المؤهلين لترسيخ قيم الإنصاف وسيادة القانون والدفاع عن الحق.    الإمارات تستدعي السفير الإسرائيلي وتدين الانتهاكات المشينة والمسيئة في الأقصى    الإعدام لمتهم والسجن المشدد 15 عامًا لآخر ب«خلية داعش قنا»    الاتحاد الأوروبي يعتمد رسمياً إجراءات قانونية لرفع العقوبات عن سوريا    اليونيفيل: أي تدخّل في أنشطة جنودنا غير مقبول ويتعارض مع التزامات لبنان    الحكومة تطرح 4 آلاف سيارة تاكسي وربع نقل للشباب بدون جمارك وضرائب    خبر في الجول - الجفالي خارج حسابات الزمالك بنهائي كأس مصر    نسرين أسامة أنور عكاشة ل«البوابة نيوز»: مفتقد نصيحة والدي وطريقته البسيطة.. وأعماله تقدم رسائل واضحة ومواكبة للعصر    اسكواش - تتويج عسل ونوران جوهر بلقب بالم هيلز المفتوحة    5 أهداف مهمة لمبادرة الرواد الرقميون.. تعرف عليها    افتتاح الصالة المغطاة بالقرية الأولمبية بجامعة أسيوط (صور)    سليمة القوى العقلية .. أسباب رفض دعوى حجر على الدكتورة نوال الدجوي    ألف جنيه انخفاضا في سعر الأرز للطن خلال أسبوع.. الشعبة توضح السبب    «بيت الزكاة والصدقات» يصرف 500 جنيه إضافية لمستحقي الإعانة الشهرية غدًا الخميس    في أول أيام الشهر.. تعرف على أفضل الأعمال في العشر الأوائل من ذي الحجة    الاتحاد الأوروبي: يجب عدم تسييس أو عسكرة المساعدات الإنسانية إلى غزة    حملة أمنية تضبط 400 قطعة سلاح وذخيرة خلال 24 ساعة    نائب وزير الصحة تشارك فى جلسة نقاشية حول "الاستثمار فى صحة المرأة"    بالصور- إقبال على المراجعات النهائية لطلاب الثانوية العامة ببورسعيد    وفاة «تيتة نوال» تشعل مواقع التواصل الاجتماعي.. تعرف على أبرز المعلومات عن جدة الفنانة وئام مجدي    روبوت ينظم المرور بشوارع العاصمة.. خبير مرورى يكشف تفاصيل التجربة الجديدة.. فيديو    وزير التعليم العالي يترأس اجتماع مجلس الجامعات الأهلية ويوجه بسرعة إعلان نتائج الامتحانات    وزير التعليم: 98 ألف فصل جديد وتوسّع في التكنولوجيا التطبيقية    نائب وزير الصحة: إنشاء معهد فنى صحى بنظام السنتين فى قنا    صحة أسيوط تفحص 53 ألف مواطن للكشف عن الرمد الحبيبي المؤدي للعمى (صور)    وزير الثقافة: ملتزمون بتوفير بنية تحتية ثقافية تليق بالمواطن المصري    وزير الخارجية يتوجه إلى المغرب لبحث تطوير العلاقات    قرار من «العمل» بشأن التقديم على بعض الوظائف القيادية داخل الوزارة    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر على حريق مخزن بلاستيك بالخانكة| صور    وزير الأوقاف يهنئ الشعب المصري والأمة العربية بحلول شهر ذي الحجة    ألم في المعدة.. حظ برج الدلو اليوم 28 مايو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي الشرفاء: رابط المصلحة المشتركة يفرض الحفاظ علي منظومة الامن القومي العربي

في مقالة بعنوان'الأمن القومي العربي'أكد السيد علي الشرفاء رئيس ديوان الرئاسة السابق بدولة الإمارات العربية المتحدة، أهمية المصلحة المشتركة في الحفاظ علي منظومة الامن القومي العربي.. ونظرا لأهمية ماتضمنته تلك المقالة من مضامين في ظل الأوضاع الجارية التي تشهدها مصر، ننشر نص المقالة بالغة الأهمية.. وهذا نص المقال: '
لقد تناولت كثير من البيانات العربية والصحف في مختلف الدول العربية منذ أكثر من ثلاثين عاما مصطلحا جديدا علي الساحة العربية السياسية، وهو ما يعرف باسم الأمن القومي العربي، ولا أعلم ماذا يعني هذا الشعار، وعلي أي أساس استندت تلك المقولة، وما هي المقومات الموضوعية التي يمكن أن يؤسس عليها مفهوم الأمن القومي العربي، وفي رأيي المتواضع وحسب فهمي المحدود هو ما تعنيه قضية الأمن لأية مجموعة من الأقوام ومن الدول بالرغم من اختلاف توجهاتهم أو دياناتهم أو لغاتهم، أن هناك مصلحة معينة مدركين أهميتها وآثارها علي مجتمعاتهم سواء كان ذلك من الناحية السياسية أو الاقتصادية ويستشعرون بما يمكن أن يهدد تلك المصالح ويعلمون مدي الآثار السلبية علي شعوبهم فيما لو تأثرت تلك المصلحة المشتركة والأخطار التي تترتب عليها في كافة المجالات الحياتية، عندئذ يتجهون جميعا برؤية واحدة وعقيدة مشتركة للبحث عن منظومة أمنية يهيئون لها كافة الإمكانيات المتاحة لدي كل منهم ويوفرون لها المناخ المناسب ويجمعون كل القدرات المادية لبناء منظومة أمنية وفق استراتيجية واحدة تحمي أمن الجميع دون استثناء، حيث أن رابط المصلحة المشتركة يفرض علي تلك المنظومة العمل نحو حماية أمن دول المنظومة لما وصلوا إليه من قناعة موضوعية بأن انهيار أي منها يهدد البقية ويتمثل ذلك بكل الوضوح في منظومة الحلف الأطلسي، حيث لا ينتمي عضو فيه للآخر سواء من حيث اللغة أو الثقافة أو التاريخ المشترك، بل ارتبطوا بمصلحة الأمن المشترك بالإضافة إلي تحقيق مصالح اقتصادية مشتركة تستفيد منها شعوبهم وينتج عنها تكتل اقتصادي قادر علي مواجهة العولمة.
وأنني أتساءل هل هذه الصورة بكل أبعادها ووضوحها والتزاماتها موجودة علي الساحة العربية؟!.. أريد هنا قبل أن أبدأ في الإجابة علي السؤال أن أترك الأحداث تجيب، فهي أكثر قدرة علي تأكيد الصورة لأنها أحداث مادية حدثت في زمن معين لا يمكن تزويره أو تبديله وعلي سبيل المثال:
أولا: في أعقاب الثورة الفلسطينية الكبري '1936 – 1937'، والتي توقفت اثر النداء الذي وجهه إلي عرب فلسطين، ملوك ورؤساء ست دول عربية هي: مصر وسوريا والعراق والسعودية واليمن ولبنان، يطلبون فيه وقف العمليات العسكرية، معتمدين علي النوايا الحسنة للدولة المنتدبة 'بريطانيا' – انعقد في 'بلودان – سوريا' في شهر أغسطس 1937، أول مؤتمر عربي رفيع المستوي لاتخاذ القرارات الواجب اتخاذها للمحافظة علي حقوق عرب فلسطين، وحمايتهم من الأطماع الصهيونية التي كانت تحظي بالدعم الكامل من قبل دولة الانتداب، وإنني اعتبر نداء الدول العربية والطلب من الثورة الفلسطينية وقف العمليات العسكرية ضد القوة الغازية، هو بداية غياب الرؤية المميزة لطبيعة الأخطار التي تهدد الأمة العربية وبداية للعد التنازلي لمتطلبات الوعود الغربية لما يحقق مصلحة إسرائيل، فأين كان الأمن القومي العربي؟ لو كان هناك إدراك ووعي من القيادات العربية لخطورة تمدد السرطان الإسرائيلي لاتخذ الجميع خطوات جدية من منطلق الأمن العربي بدعم الثورة الفلسطينية بالعدة والعتاد ولكن للأسف لم يحدث، وما حدث علي العكس طلبوا منهم وقف العمليات العسكرية بناء لوعد من الحكومة البريطانية بالتوسط في حل الصراع، حتي يبدأ حوار السلام بالرغم من مرور أكثر من ستين عاما علي مؤتمر بلودان وكأننا لم نتعلم دروس الماضي ولم تمر علينا أحداث وصمت العرب بالانهزامية والاستسلام، وأطلقت إسرائيل مصطلح العنف علي الانتفاضة لصرف الأنظار عن جرائمها التي ترتكب كل يوم ضد العزل الأبرياء، وتتبني أجهزة العالم كله ذلك المصطلح بما فيه أجهزة الإعلام في العالم العربي تردد كالببغاوات مالا يتفق مع منطق ولا عقل ولا فكر، جرائم حرب وأعمال وحشية تتعارض مع أبسط القوانين الدولية، وما يسمي بحقوق الإنسان حيث تستتر إسرائيل بجرائمها خلف تلك الصورة ليصبح القاتل هو المقتول والقتيل هو المجرم، منطق معكوس يؤيده موقف عربي مهزوم.
ثانيا: أين كان الأمن القومي العربي عندما قامت ثلاث دول بعدوانها علي جمهورية مصر العربية تتزعمها بريطانيا وتساندها فرنسا وإسرائيل حينما استباحت الأجواء المصرية وأسقطت عشرات الآلاف من القنابل لتخلف وراءها آلاف الضحايا، علما بأن بعض الطائرات الحربية كانت تنطلق من بعض القواعد العربية وتركت مصر وحدها تواجه ببسالة شعبها قوي البغي والعدوان وانتصرت إرادة الشعب وانكفأت بريطانيا العظمي داخل حدودها وانهارت إمبراطوريتها.
ثالثا: أصبحت مصر في الستينات بما تملكه من قدرات عسكرية تشكل تهديدا مباشرا لأمن إسرائيل، عندها كالعادة وضعت إسرائيل كل الاحتمالات ومدي خطورة القوي العسكرية النامية علي أمنها ومدي آثارها السلبية علي توسعها حيث سعت إسرائيل مع حلفائها لإعداد ترتيبات معينة وتخطيط محكم لاستدراج مصر في مكان وزمان حددته إسرائيل بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية في استدراج القوات المصرية في سيناء، حيث حدثت المذبحة في 5/يونيه/1967 كي لا تقوم قائمة لمصر وما تمثله من مركز الحركة والقوة للدول العربية، واتضح أن القيادة المصرية لم تكن قد اتخذت قرار الحرب واضعة القوات المصرية في صحراء سيناء دون حماية جوية كاملة ودون استعداد حقيقي للهجوم علي إسرائيل ودون أن تدرك بأنها تعرض أمن مصر للخطر وأن الجيش المصري سيكون وحده في أتون النار وستتحمل مصر وحدها الآثار المدمرة للهزيمة، واستغلت إسرائيل تلك الفرصة بأن تشن حربا مفاجأة بدأت بتجريد الجيش المصري من غطائه الجوي بتدمير طائراته عندما بدأ الهجوم الجوي الإسرائيلي الساعة التاسعة صباحا يوم 5/يونيو/1967، وأن يصبح الجيش المصري صيدا سهلا في صحراء سيناء يتساقط الآلاف دون أن تتاح لهم فرصة الدفاع عن النفس، ذلك ما حدث، فأين كانت الدول العربية، وماذا كان موقفها، لقد تباينت المواقف منها، موقف شامت وسعيد بما آلت إليه الأمور في مصر، ومنها المتعاطف الذي لا يملك من أمره شيئا، ومنها الذي يتظاهر بالحزن والأسي، ونتج عن ذلك احتلال سيناء وتعطل الملاحة في قناة السويس ولم تدرك حينها الدول العربية أن أمن مصر من أمنها، وأمن سوريا بعد احتلال الجولان، والأردن بعدما سقطت الضفة الغربية تحت سيطرة الصهاينة، وما سوف يترتب من نتائج سلبية ستؤثر عليهم، لم يكن ذلك المفهوم واردا بل لم يكن موجودا علي الإطلاق فأين يكمن الأمن العربي في مثل تلك الأحداث.
رابعا: استطاعت مصر أن تعيد حشد قواتها وتعيد بناء قدراتها العسكرية بأسلوب علمي مدروس واتخذت قرار العبور، وكان الله معها فتحقق انتصار كالمعجزة، ولكن هل كانت الدول العربية تقف خلف مصر تدعمها بالمال والسلاح قبل بداية المعركة، كلا فقد حاربت مصر تساندها سوريا في معركة الشرف الذي أعاد للامة العربية بعضا من هيبتها، وتجاوب معها زعيم في أقصي الخليج وهو الشيخ/ زايد بن سلطان آل نهيان – رئيس دولة الامارات العربية المتحدة – الذي حتمت عليه مروءته وشهامته أن يتخذ موقفا كان له تأثير مباشر في تغيير مجري الأحداث، وكان قرار وقف ضخ البترول ووقف إمداداته عن حلفاء إسرائيل، مرعبا وقويا له صوت الزلزال وما يمكن أن تؤول إليه حضارة الغرب في حال إذا ما طال أمد وقف ضخ البترول، وما يترتب علي ذلك من تعطيل كثير من العناصر الأساسية والمؤسسات التي تعتمد علي البترول ومنتجاته وما سينتج عن ذلك من فوضي وارتباك في أمريكا وأوربا، ذلك الموقف لم يكن وليد تخطيط مسبق ولكن رؤية بعيدة المدي بأهمية مصر وأن انتصارها سيشكل دعما قويا لدولة الامارات العربية المتحدة وللدول العربية كافة، ذلك هو الزعيم الوحيد في العالم العربي، الذي اعتبر أن أمن مصر هو من أمن دولة الامارات العربية المتحدة، ولذلك كان رد الفعل صادقا وقويا لم يحسب لأي كان اعتبارات خاصة إلا اعتبارا واحدا هو إيمانه وقناعته بأن مصر تشكل لديه رصيدا ضخما لمواجهة ما يخبؤه المستقبل، ودورا يمكن لها أن تقفه مع دولة الامارات إذا وقع المحظور، واستجابة لنداء شقيق وهو يعبر بنا طريق الأمل والنصر، ولم يكن الأمن العربي موجودا في تلك اللحظات غير موقف المروءة والشهامة التي يتجلي في أروع صفات الرجولة وفي المواقف الشجاعة، كان صوت زايد يهز بكل قوة الاقتصاد الدولي ليعيدوا حساباتهم وكان تأثيره علي نتائج حرب أكتوبر مباشرا ومؤثرا في الضغط الأمريكي علي إسرائيل لوقف إطلاق النار بعدما احتلت منطقة الدفرسوار في الضفة الغربية والحصار الذي حدث للجيش الثاني من قبل القوات الإسرائيلية.
خامسا: قامت إسرائيل بغزو لبنان سنة 1982 واستباحت سيادته وأرضه ودمرت وقتلت الآلاف وأهلكت الأخضر واليابس والجميع فاغر فاه يتفرج دون إحساس أو شعور بأن ما يحدث في لبنان يشكل خطرا علي بقية الدول العربية، ولم يكن الوعي حاضرا ولم يكن الإدراك موجودا، فانفردت إسرائيل بشعب لبنان القليل العدد القوي بإيمانه قاوم الاحتلال بمفرده وانتصرت إرادة شعبه، فأين موقف الأمن القومي العربي؟ وما هي الخطوات العملية التي اتخذتها الدول العربية لمساندة لبنان في حربة ضد قوي العدوان، لا شيء غير التمنيات والبيانات تستنكر وتحتج وتترجي الأمم المتحدة علي استحياء تطالبها بإدراج الغزو الإسرائيلي ضمن أجندتها للمناقشة، وكانت حينها أجهزة الإعلام العربية المرئية والمقروءة والمسموعة تتحدث عن الألعاب الأولمبية المقامة في أسبانيا وكأن أمر الغزو بعيد عن اهتمامهم فأين كان البعد الأمني للامة العربية وكيف لم يدرج الغزو الإسرائيلي في حسابه.
سادسا: حرب لبنان واقتتال أبنائه وما حدث فيه من تخريب ودمار ومجازر ارتكبها من لا ضمير لهم واستمرت المذبحة أكثر من عشر سنوات دون أن تقوم الدول العربية باتخاذ إجراءات حاسمة لوقف القتال، أين كان الأمن العربي، ما هي الإجراءات الحاسمة التي تم اتخاذها ليتم إطفاء نار الفتنة حتي لا تنتشر نيرانها وتأتي علي الأخضر واليابس، لقد كانت الدول العربية تري وتسمع ما يحدث في لبنان وما سيؤدي إلي انهيار النظام في لبنان وما سيترتب علي ذلك من أخطار علي لبنان، لم تكن الرؤية العربية مدركة بأن ما يهدد أمن لبنان يهدد بقية الدول العربية، ولذلك السبب لم يكن رد الفعل مساويا لأهمية لبنان بالنسبة لهم، وواجه الشعب اللبناني الكارثة بصبر واستسلام للقدر ولم يكن موضوع أمن لبنان يقلق القيادات العربية ولا تعيره شأنا هاما بحيث تتحرك بسرعة لإخماد نار الفتنة ولذلك غاب مفهوم الأمن القومي العربي عن الساحة.
سابعا: الحرب العراقية الإيرانية وما شكلته من استنزاف للقدرات العربية والإسلامية، أكثر من ثمان سنوات والدم العراقي ينزف والمال العربي يحترق في أتون المعركة، ولم يكن الأمن القومي العربي يهمه ماذا يحدث وضاعت قدرات اقتصادية وسالت دماء بريئة لمئات الآلاف، فأين كان الأمن العربي حينذاك، وكأن الجميع ينتظر من يفوز في ذلك الصراع فالمطلوب أن يجهز كل منهما علي الآخر ليصفو الجو لإسرائيل تمرح وتسرح في الوطن العربي تفعل ما تريد.
ثامنا: كما تم التخطيط لاستدراج القوات المصرية في سيناء، تم بنفس الأسلوب دون وعي أو إدراك من القيادات العربية لتدارك ما يخبئه المستقبل من أخطار تهدد مصالح الأمة العربية مجتمعة حينما استدرج جيش العراق أثناء غزو الكويت، وكيف تم ترتيب أسبابه وتحدد مسبقا في المخطط الشيطاني للولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها إسرائيل هدف رئيسي يتحقق به تدمير القوة العسكرية العراقية وعلي الأخص القواعد الصاروخية التي يصل مداها إلي عمق إسرائيل وتم تدمير المفاعل الذري العراقي عام 1981، وما تمثله من أخطار أكيدة علي إسرائيل وتؤثر علي توازن القوي العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، فالمطلوب أن تبقي إسرائيل وحدها صاحبة القوة الوحيدة واليد الطولي لحماية مصالح المستعمر الجديد فأين الأمن القومي؟ وأين حركته التي كان يجب أن تلتف بسرعة قياسية في التدخل العاقل والحاسم في حسم المشكلة والضغط علي العراق بكل القوة للانسحاب من الكويت جار وشقيق بل كما يبدو أن اتفق الجميع علي أن تستمر فصول المسرحية ليستمتع الجميع بكل صور المأساة وآثارها المدمرة علي الشعب العراقي واقتصاده وعلي فلسفة التضامن العربي الذي تشتت من جراء تلك المحنة التي ستتعاقب علي المسرح العربي. فأين الأمن العربي من هذه الكارثة؟ وأين الرؤية والوعي المسؤول لاستشراف المستقبل وما يمكن أن تؤول إليه الأمور بما وصلت إليه الآن بأن يظل شعب العراق ينهار اقتصاده ويتساقط عشرات الآلاف من أطفاله وتستباح سيادته ويوضع تحت الوصاية، وكان ذلك الأمر لا يعني الدول العربية، ألم يتصور أي من الدول العربية بأن ما يحدث للعراق يمكن أن يحدث في مكان آخر وقد حدث فعلا حصار ظالم لشعب بأكمله في ليبيا دون أية مبررات قانونية أو أسباب منطقية، اللهم إلا استمرار ضرب القدرات العربية وتحطيم معنويات أبنائه حتي يستسلم ويرضخ ليقبل بكل املاءات إسرائيل، ألم تتصور الدول العربية طالما سمحت لقوي الهيمنة بوضع العراق تحت الوصاية الدولية، يمكن أن توضع أي دولة في العالم العربي تحت الوصاية وكما يقال 'إذا سمح للذئب بدخول مزرعة الغنم سيأتي عليها واحدا تلو الآخر'.
تاسعا: تتلاحق الاخطار التي تهدد الامن القومي العربي خاصة عندما وصل الامر بأن تشترك بعض الدول العربية مع حلف الناتو بتدمير دولا شقيقة مثلما حدث في ليبيا وحيث تم تمزيقها وتبعثرت في صحرائها اواصر العروبة وتحولت الي فرق متصارعة وسيلتها السلاح ونتائجها القتل دون رحمة والله يعلم متي يتحقق فيها الاستقرار وذلك يعني انسحاب دولة أخري عربية من المشهد السياسي في المنطقة العربية واليوم نسمع دقات طبول الحرب من جديد ويتكرر المشهد العراقي عندما اشتركت بعض الدول العربية والناتو في تدمير دولة العراق ومازال شعبها يئن منذ اكثر من عشرون عاما تحت وطأة التفجيرات اليومية التي تغتال من ابناءة المئات كل صباح حتي تاريخه ونري في هذه الايام استعداد بعض الدول العربية بالمشاركة لضرب سوريا التاريخ والعروبة لتخرج هي الاخري من المشهد السياسي في منطقة الشرق الاوسط ويتم تدمير دولة عربية ثالثة خدمة للمشروع الصهيوني الامريكي الاستعماري وكأن العرب قد حذفوا من تاريخهم جرائم الاستعمار البريطاني والفرنسي وما تحقق من جراء اتتفاقية سايكس بيكو من تقسيم الوطن العربي واستحلال ثرواته ووضعه تحت الوصاية وافقدوه استقلاله واستباحوا حريته وارادته.
وبالرغم من ذلك تتسابق بعض الدول العربية بامكانياتها وقدراتها لتحقيق اهداف الذين يريدون تمزيقهم ويخططون لنهب ثرواتهم ويختلقون لهم مختلف وسائل الصراع الدموي في مجتمعاتهم من خلال استقطاب فرق التطرف كالقاعدة وغيرها لتغرق المجتمعات العربية في تطاحن داخلي بحيث يسهل علي اعداء الامة العربية تمزيقهم شر ممزق وعندئذ يسهل علي المخطط الصهيوني الامريكي الغربي السيطرة الكاملة علي منابع النفط في الوطن العربي واستحلابه حتي اخر قطرة من البترول عندئذ سيندم العربي في وقت لا ينفع الندم.
إنه من المحزن أن تتم المشاركة العربية في تدمير بعض الاقطار العربية تحت غطاء الجامعة العربية وكأن الجامعة العربية قد تم انشاؤها لاعطاء التبريرات القانونية في ضرب بعض الدول العربية الاعضاء فيها لتحقيق اهداف اعداء الامة العربية والمشاركة الصادقة في تحقيق اهداف المخططات الصهيوينة علي حساب الوطن العربي. اين اتفاقية الدفاع المشترك التي تلزم الدول العربية في الحماية والدفاع عن كل قطر عربي.
ومن هنا أتساءل:
ماذا يعني مصطلح الأمن القومي العربي؟.. هل ندرك معناه؟.. وهل نعرف متطلباته؟.. هل نحن فعلا أمة واحدة تربطنا مصالح واضحة ومحددة؟.. هل نحن ندرك أن أي خطر يهدد أحدنا؟.. هو الخطر الذي يهدد الجميع؟.. هل وظفنا قدراتنا الاقتصادية لخدمة مصالحنا المشتركة؟.. والتي بالتالي تتطلب إيجاد منظومة أمنية تدافع عن مصالحنا المشتركة وتحمي دولنا مما يهددنا من أخطار.. هل يكفي أننا نتحدث اللغة العربية فقط، سبيلا لتكتلنا، خمسون عاما أو أكثر لم تستطع لغتنا الجميلة أن تبعث فينا العزيمة والإرادة، بل حتي لغتنا العربية بدأت تترنح تحت وطأة حركة التغيير والتطور والاختراق الثقافي العربي.
إن القيادات العربية اليوم مدعوة إلي التفكير بعمق وموضوعية ورؤية جديدة تميز بين الشعار والعمل.. رؤية تدرك بأن الزمن أغلي شيء في عمر الأمم ولابد من استغلال الوقت كي لا تفوت الفرصة ويقع المحظور، فدول العالم في سباق محموم وتنافس رهيب وصراع اقتصادي بدأ يأخذ أشكال تكتلات اقتصادية دولية وتكتلات شركات عالمية لتكون لها القدرة علي المنافسة وعلي البقاء في تأمين الحد الأدني لشعوبها من عناصر الحياة والمدنية، فأين الأمة العربية من ذلك، ولديها كنوز وخيرات وثروات لم تستثمر وتوظف في خدمة أبناء الأمة العربية. ولذا فإن القيادات العربية يجب أن تدرك أن الأخطار تحيط بها من كل جانب وأن وقوع إحدي الدول العربية تحت سيطرة العدوان لا يعني بأن بقية الدول العربية ستكون في مأمن، وأن سياسة العولمة ستجر علي شعوب الأمة العربية مآسي وكوارث إذا لم يتحدد مفهوم جديد وروابط عميقة لأهمية العلاقات العربية والتزام واضح بين الدول العربية لبناء قاعدة جديدة تؤسس عليها مفاهيم جديدة أساسها العلاقات الاقتصادية لربط مصالح الشعوب العربية لتصل عندئذ إلي الشعور بمسئولية الأمن المشترك من أجل البقاء، عندها ستدرك القيادات العربية أهمية إيجاد منظومة أمنية تحمي مصالحها مما يهددها من قوانين وإجراءات قد تصل بعض الأحيان إلي فرض وصاية علي أهم ثرواتها وهو البترول حيث تستطيع القوة المتحكمة اقتصاديا في العالم أن تفرض أوامرها علي الدول المنتجة للبترول سعرا محددا أو تفرض مقاطعة علي الدول التي لا تنصاع لقرارات أمريكا، وما يترتب علي ذلك من آثار سلبية علي خطط التنمية وما يعقبها من مشاكل اجتماعية تؤثر علي الجبهة الداخلية للدول العربية، لتكن وقفة يتم فيها تحكيم العقل والرؤية والحكمة لإعادة النظر في مسيرة التضامن العربي الذي أصبح مجرد شعار خال من أية أسس واليات تدعم التمنيات وتحول قرارات مؤتمرات القمة إلي إجراءات عملية يكون لها نتائج مؤثرة علي سير الأحداث.
ولا يسعني في هذه الحال الا ان اقدم احر التعازي لكل مواطن عربي شريف علي الارض العربية الممتدة من المحيط الي الخليج بوفاة المشروع العربي وسقوط الجامعة العربية في مزبلة التاريخ وانهيار النظام العربي باكمله وبذلك لم تعد قيمة لكل الاتفاقيات التي تمت المصادقة عليها في كل مؤتمرات القمة العربية التي اصبحت تطل علينا بخجل كل سنة بقرارات لم يكتبها العرب بل تملي عليهم من البيت الابيض كما حدث في غزو العراق وفتحنا باب الامن العربي للتتار الجدد ليستبيحوا المحرمات في الوطن العربي وكانت النتيجة اكثر من مليون شهيد تم تقديمهم قرابين للمشروع الصهيوني الامريكي في العراق وليبيا وسوريا.
متي تفيق امتي قبل فوات الأوان
علي محمد الشرفاء الحمادي
مدير ديوان الرئاسة السابق
دولة الامارات العربية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.