عبد الحكيم عبدالناصر ومصطفى بكري أبرز الحضور لإحياء ذكرى ثورة يوليو بضريح الرئيس الراحل    أسعار السمك اليوم في مطروح الأربعاء 23 يوليو 2025    23 يوليو 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة اليوم    حماس تدعو إلى أوسع حراك شعبي عالمي حتى كسر الحصار وإنهاء المجاعة في غزة    رئيس تونس يواجه مستشار ترامب بصور أطفال غزة ضحايا التجويع الإسرائيلي    استشهاد 17 فلسطينيا بينهم صحفية في قصف إسرائيلي متواصل على غزة    أوسكار رويز يعود للقاهرة بعد انتهاء إجازته الصيفية    تفاصيل اتفاق الصفاقسي مع معلول    مصرع 4 أشخاص في مشاجرة مسلحة بين عائلتين في حفل زفاف بقنا    تظلمات نتيجة الثانوية العامة 2025.. الموعد والخطوات والرابط المباشر    تستمر 6 أيام.. الأرصاد تحذر من موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد    تفاصيل الكليات والتخصصات المتاحة ضمن نظام البكالوريا الجديد من العام الدراسي 2025-2026    تكليف محمد عبدالحافظ ناصف مستشارا للشئون الفنية والثقافية بهيئة قصور الثقافة    «الصحة»: 1.3 مليون خدمة طبية وعلاجية بمستشفيات الأمراض الصدرية خلال 6 أشهر    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الأربعاء    مرتضى منصور لحسن شحاتة: للأسف أنا مسافر ومنعزل عن العالم    وزير الصناعة والنقل يشارك في الملتقى الاستثماري المصري الكويتي    تنسيق الثانوية العامة 2025.. مؤشرات كليات الطب الجامعات الحكومية جميع المحافظات    رئيس الوزراء يتفقد موقع إنشاء المحطة النووية بالضبعة    ننشر أسعار الذهب اليوم الأربعاء 23 يوليو 2025.. عيار 21 يسجل 4700 جنيه    تشييع جثمان الطفلة السادسة المتوفية لأسرة ديرمواس بالمنيا وسط صدمة الأهالي    البث العبرية: واشنطن تهدد حماس بسحب الضمانات بشأن اتفاق غزة    شمال سيناء تواصل عروضها التراثية بمهرجان جرش في الأردن    أسعار الذهب في مصر اليوم الأربعاء 23 يوليو 2025    أسعار اللحوم الحمراء اليوم الأربعاء 23 يوليو    رئيس اتحاد شمال إفريقيا للخماسي يكرم الطالبة وسام بكري الأولى على الجمهورية (دمج) ب 100 ألف جنيه    رئيس وزراء اليابان: دراسة تفاصيل الاتفاقية التجارية مع أمريكا بدقة    وزير الخارجية يتوجه إلى النيجر في المحطة الثالثة من جولته بغرب إفريقيا    خريطة حفلات مهرجان العلمين الجديدة بعد الافتتاح بصوت أنغام (مواعيد وأسعار التذاكر)    دار الإفتاء المصرية توضح حكم تشريح جثة الميت    الوداد يتحرك لضم يحيى عطية الله من سوتشي الروسي    حريق يلتهم محلين تجاريين وشقة في أسيوط    تحرك مفاجئ في أسعار النفط بعد الاتفاق التجاري "الضخم" بين واشنطن وطوكيو    مجلس الأمن يعتمد قرارا لحل النزاعات بالطرق السلمية    تظلمات نتيجة الثانوية العامة 2025 «الخطوات والرسوم والمواعيد الرسمية»    حمزة نمرة يطرح اليوم الدفعة الأولى من ألبومه "قرار شخصي"    نقابة الموسيقيين اللبنانية عن تقبيل راغب علامة في حفل العلمين: تعبير عن محبة واحترام    «يكرموه».. رد ساخر من أيمن عبدالعزيز بشأن تصرف الزمالك مع أحمد فتوح    تنسيق الجامعات .. مؤشرات الكليات والمعاهد التي تقبل من 55% علمي وأدبي (تفاصيل)    طريقة عمل الحواوشي بالعيش، أحلى وأوفر من الجاهز    بانوراما أيامنا الحلوة تجسّد مشاعر الحنين إلى الماضي على المسرح المكشوف بالأوبرا    ترامب يتهم باراك أوباما بالخيانة بشأن تدخل روسيا في انتخابات 2016    فيروس شيكونجونيا.. ما هو وباء البعوض الذي حذرت منه منظمة الصحة العالمية ويهدد 5 مليارات شخص؟    "مستقبل وطن" يحشد جماهير مطاي في مؤتمر لدعم مرشحيه بانتخابات الشيوخ 2025    محمد التاجي: جدي «عبدالوارث عسر» لم يشجعني على التمثيل    «الأهلي بياخد الدوري كل أثنين وخميس».. نجم الزمالك السابق يتغنى ب مجلس الخطيب    جامعة الإسكندرية تستقبل وفد المركز الإعلامي الأوزبكستاني    تعليم البحيرة تهنئ الطالبة نوران نبيل لحصولها على المركز السادس فى الثانوية العامة    مشكلة قديمة عادت للظهور.. حظ برج الدلو اليوم 23 يوليو    منها السبانخ والكرنب.. أهم الأطعمة المفيدة لصحة القلب    «الإندومي» والمشروبات الغازية.. أطعمة تسبب التوتر والقلق (ابتعد عنها)    وساطات بتركيا تسعى لإطلاق سراحه .. إعلام "المتحدة" يُشيع تسليم محمد عبدالحفيظ    درس حصوله على الجنسية المصرية.. شوبير يكشف مفاجأة بشأن وسام أبو علي    موندو ديبورتيفو: الخطيب بحث إمكانية مواجهة برشلونة بافتتاح استاد الأهلي خلال زيارة لابورتا    ما هي كفارة اليمين؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يجوز الوضوء مع ارتداء الخواتم؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    أدعية لطلاب الثانوية العامة قبل النتيجة من الشيخ أحمد خليل    حملة دعم حفظة القرآن الكريم.. بيت الزكاة والصدقات يصل المنوفية لدعم 5400 طفل من حفظة كتاب الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نظرية الأمن القومي
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 10 - 05 - 2010


نوري السعيد العراق قبل الآخر
يتابع هيكل كلامه قائلا: "نوري باشا تحدث إلي جمال عبد الناصر.. وأنا في وقتها لم أقدر كلامه، لكني فيما بعد قدرت أن هناك أشياء أخري تستحق الالتفات. يقول نوري السعيد لجمال عبد الناصر: الحزام الشمالي يهمني تركيا والعراق وإيران.. وباكستان بشكل ما لوحدة العراق.. وهذا أمر لم نكن نقدره بالقدر الكافي في هذا الوقت لدي مشكلة الأكراد.. والتي لا أستطيع أن أضمنها إلا إذا تأكدت أن تركيا معي تماماً وكذلك إيران.. أظن أن نوري باشا في هذه اللحظة كان يتكلم عن مستقبل العراق أكثر ما يتكلم عن مستقبل الأمة... وأنا هنا علي استعداد لأن أقول إن إسرائيل لم تكن في باله. إن حق أي سياسي في أي بلد أن يؤمن وطنه أولاً.. يهتم به، لكن أن يري أمن وطنه خارج حدوده.. فلا يستطيع أحد أن يبقي علي حدوده فيقول إنه لدي نظرية للأمن القومي..! " (نص هيكل).
لا ندري يا هيكل ، هل أنت الآن تصطف وراء نوري السعيد بعد ان بانت حقيقة العراق عارية، أم ما زلت تخالفه الرؤية والمبدأ والتفكير؟ هل تعتقد فعلا ان نوري السعيد قد نسي القضية الفلسطينية عندما سيؤمن مستقبل العراق بتحييد الدور الإقليمي إن لم يكن معه، فهو لن يكون ضده؟ طبيعي أن من حق أي سياسي عربي أن يؤمن وطنه أولا، وهذا ما يفعله كل القادة والزعماء الذين يخشون علي أوطانهم.. إلا أن كان هوسه الثوري أو حماسه الأيديولوجي يجعله فوضويا عابثا ليس بمصير الأمة كلها، بل حتي بمصير وطنه! ما معني كلامك: إنك لم تقدر كلامه (تقصد: نوري السعيد) وقت ذاك؟ من الطبيعي انتم لم تقدّروا وضعية العراق المحرجة بين قوي اقليمية ضارية، وثمة قوي في الداخل تحلم بالانفصال.. لم تقدّروا وضع بلد كالعراق يمتلك مقومات دولة ناجحة لمجتمع نجح المؤسسون في توحيده ولم شمله وقت ذاك.. وعندما قضي علي نوري السعيد بتشجيع من صوت العرب وكتاباتكم في الاهرام، لم يجد العراق نفسه في أي يوم من الايام واحة للاستقرار بدءا بحياكة المؤامرات وتدبير الانقلابات وحكم الدكتاتوريات العسكرية وحكم الحزب الواحد وإشعالا للحروب وتطبيقا للحصارات وانتهاء بالاحتلال واختراق دول الاقليم في العراق للعبث به وبمجتمعه ومصيره.. من المصيب إذن؟ من الذي كان يتمتع برؤية مستقبلية بعيدة؟ ماذا لو بقي العراق حصنا أمينا وعمقا لكل بلدان المنطقة؟ ما الذي جنيتم بحق العراق؟ هل من حقك اليوم أن تمنع زعيما عربيا واحدا عن ممارسة السياسة التي يراها ملائمة لبلاده؟ إذا كنتم تعتقدون أن الأمريكان والبريطانيين سيخرجون من الباب ويدخلون من الشباك.. فلقد كنتم واهمين اشد الوهم، ذلك ان الاستعمار كان قد تغلغل حتي في أعماق الانظمة التي سميتموها ب"الثورية"! وأسألك يا هيكل: اين هو الاستعمار اليوم؟ هل نحن امام سوق بضاعة من المصطلحات والألفاظ والشعارات.. نسوّقها متي نشاء ونتخلي عنها متي ما يشاءون؟ أين الشعارات التي روجتم لها قبل خمسين سنة، وهاجمتم بيوت الأمة العربية المجيدة من خلالها؟ هل أحسستم اليوم فقط بمخاطر كل من إيران وتركيا علي العراق؟
تركيا وإيران
نتابع مع هيكل كلامه قائلا: "بالفعل فإن تأثير إيران وتركيا كبير، لكن ما يقوي نوري باشا أكثر هو وجود عمق عربي من خلفه يسانده ويساند العراق ويحافظ قدر ما هو ممكن علي وحدته... يقويه أكثر من دخوله في حلف مع إيران من ناحية وتركيا من ناحية " (نص هيكل).
نفهم منك اليوم يا هيكل أن لكل من تركيا وإيران تأثيرا كبيرا، كما تقول، ولكن أسألك بضميرك: اين هو وجود العمق العربي من خلف العراق يسانده قدر ما هو ممكن علي وحدته؟ إن تجارب القرن العشرين وحتي اليوم لا تمنحنا ليس مثل هذا الانطباع، بل لن تؤكد لنا مثل هذه الأوهام.. كيف تقبل القول إن هذا الوجود العربي يقوّي العراق أكثر من دخوله في حلف مع إيران وتركيا؟ ما الذي قدمه العرب إلي العراق؟ لقد منح العراق جزءا كبيرا من ثرواته إلي العرب من دون أن يقف العرب معه، لا في سرائه ولا في ضرائه.. كم من المؤامرات حيكت ضد العراق؟ كم من الصراعات الباردة والساخنة حدثت بين العراق وجيرانه العرب؟ إنني لا أقول أن يقطع العراق روابطه عربيا، فهذا يستحيل حدوثه بالرغم من وجود الصحاري عوازل جغرافية، ولكن يبقي العراق نفسه عمقا عربيا، وأنه الوحيد القادر علي ترتيب شئون التوازن في المنطقة بسبب جيوستراتيجيته في قلب الشرق الاوسط. إن المصالح الكبري بين العراق وتركيا وإيران ينبغي أن تكون مشتركة لعدة أسباب في مقدمتها المياه، وأيضا العتبات العراقية المقدسة، وأيضا الحدود الطويلة المشتركة.. الخ
يتابع هيكل قائلا: "يجب أن أعترف بأنني وقتها لم أقدر الكلام الذي قاله نوري باشا بالقدر الصحيح... لكنني اليوم أري فيه وجهة نظر أخري.. يمكنني تعديلها لأري أننا لو كنا تفهمنا وجهة نظر نوري باشا أكثر وضرورة دعمه من العمق أكثر لكي يستطيع أن يشعر أن كيان الدولة العراقية يمكن المحافظة عليه.. ربما كان الوضع أفضل " (نص هيكل).
هنا أسأل: ماذا يقول القارئ الكريم، وهو يسمع هيكل يقول مثل هذا "الكلام"؟ إن هيكل يعترف بأنه لم يقّدر كلام نوري السعيد قدره الصحيح.. وإذا كان هيكل يقدم اعترافه بهذا الصدد، فما بال الآخرين الذين اندفعوا ضد مشروعات العراق الاستراتيجية له وللمنطقة كلها؟ اليوم يري هيكل وجهة نظر أخري! وماذا تفيدني اليوم وجهة نظرك الأخري.. بعد خراب العراق منذ خمسين سنة؟ تقول: لو كنا تفهمنا وجهة نظر نوري السعيد أكثر.. طبعا يا هيكل إن كلمة (لو) لا تنفع أبدا، ولكن ما معني تدعمونه من العمق أكثر؟ هل دعمتموه أصلا حتي تدعموه أكثر؟ إن حربا إعلامية وسياسية ودعائية شعواء ضد العراق، وخصوصا ضد نوري السعيد في وقت لم يكن الأمر كله لا يستدعي كل تلك الحرب الباردة الشعواء من صوت العرب أو من وسائل أخري؟ أنتم لا تستطيعون دعم العراق من العمق حتي يستطيع كيان الدولة فيه المحافظة علي وجوده! إنني واثق يا هيكل أن الوضع سوف لن يكون افضل كما تري إذ عليك أن تعترف بأن الرئيس جمال عبد الناصر كانت له افكاره وطموحاته.. وأنه بني شهرته علي أجهزة دعايته ليل نهار ضد الرجعية والعملاء وضد الاستعمار!
مشروع الهلال الخصيب
يتابع هيكل قائلا: "لكن المشكلة أيضاً أن نوري باشا كان يتصور أن العراق.. وإيران وتركيا ساندين لوحدته، بينما يأخذ عمقه في المنطقة من خلال مشروع الهلال الخصيب... أي أن يدخل إلي الحلف سوريا ولبنان والأردن.." (نص هيكل).
هنا، علي أن اقول لك يا هيكل بأنك علي خطأ استراتيجي كبير في تقييم موقف نوري السعيد الذي اعتقد أنه كان صائبا.. إنه لم يكن يتصور أن البلدين تركيا وإيران يسندان وحدة العراق، بل كان يؤمن بذلك ايمانا عميقا.. ولم يكن يأخذ عمقه في المنطقة من خلال مشروعه (الهلال الخصيب)، بل إن العراق نفسه عدّه عمقا للمنطقة العربية.. ولكن ينبغي ان تعلم يا هيكل أن مشروع الهلال الخصيب لنوري السعيد كان قد مضي عليه زمن طويل عندما طرحه علي عرب المنطقة، ولم يستجب له أحد، بل وقف العرب انفسهم ضده.. إن تجارب نوري السعيد القومية بدءا بمشروع اتحاد العرب الكونفدرالي الذي لم يوافق العرب عليه.. انتقالا إلي مشروع آخر انتج مؤسسة أو منظمة اشترك في تأسيسها ست دول عربية، هي: مصر والعراق والسعودية ولبنان وسوريا والأردن. ثم انضمت اليمن دولة سابعة، قد تمثلتها جامعة الدول العربية، ووصولا إلي مشروع الهلال الخصيب الذي طرحه علي السوريين واللبنانيين والأردنيين.. فوقف ضده المصريون والسعوديون وشنت ضده حملات سياسية وإعلامية قاسية.. وهذا ما لم يجده العراق في ظل نوري السعيد لا مع إيران ولا مع تركيا، وكان نوري السعيد يدرك طبيعة التهديدات والأطماع لدي هذه أو تلك، ولكن التجربة قد علمته منذ الثلاثينيات أن ميثاق سعد آباد قد نجح مع إيران، وأن العراق قد بني علاقات متميزة مع تركيا كي تقود هذه وتلك إلي ميثاق بغداد عام 1955 . فأين أخطأ نوري السعيد يا هيكل؟
أين الحقيقة؟ أين الكذب؟
يواصل هيكل حديثه قائلا: "وهنا يبقي موضوع فلسطين غير حاسم... بينما يبقي هذا موضوع مهم جداً بالنسبة لجمال عبد الناصر. عبد الناصر كان يرد عليه.. مؤكداً أنه لا يجب أن نبني الخطط علي أساس حرب عالمية لأنها فوق طاقتنا، وإذا جرت فلن يكون لنا دور فيها.
ويري عبد الناصر ثانياً.. أن الدور الذي يمكن أن نقوم به هو أن نتقي بقدر ما هو ممكن شر ما هو قادم. ويقول عبد الناصر لنوري: أري ما تفعله.. وأريد أن أقول لك بصراحة وهنا كان الكلام صريحاً فعلاً أنت تريد أن تؤمن العراق بتركيا وإيران، وبعد ذلك أنت تعمل في سوريا..
وقتها كانت سوريا في حالة فوضي بعد الانقلابات.. والأتراك يحرضون أن تدخل العراق إلي سوريا تحت دعوة إنقاذها من الفوضي". (نص هيكل).
لا ندري يا هيكل مدي صحة ما تتحدث به لأننا لم نطلع علي نصوص المباحثات بوثائق رسمية.
وعليه، فسوف نبقي نشكك بصدقية ما تقول ، كونك لم تمنحنا أي مصدر لمثل هذه المعلومات التي تتحدث بها من دون أي سند. لا اعتقد أن موضوع فلسطين كان مهمًا جدًا عند عبد الناصر ولم يكن له أهميته عند نوري السعيد.. ولقد اعترف بعض الزعماء في إسرائيل عن صعوبة نوري السعيد معهم، فضلا عن واقعية الرجل، ومعرفته أسلوب التعامل مع إسرائيل بعيدا عن الأوهام التي زاولها غيره من الزعماء! هنا أسأل: هل كانت خطط نوري السعيد تسعي لإشعال حرب عالمية كما كان يتصور عبدالناصر كما تدّعي يا هيكل؟ وهل كانت خطط نوري السعيد تسعي للاشتراك في الحرب العالمية التي كانت في مخيلة عبد الناصر؟ وهل اندلعت أي حرب عالمية حتي رحيل عبد الناصر.. حتي يمكن القول إنه كان يتوقّع الحرب النووية؟ وهل نجح عبد الناصر في اتقاء شر ما كان قادما؟ إن عبد الناصر إن صّح ما ادعاه هيكل عنه، كان يعّبر عن قضايا غير واقعية، وهو لا يدرك حجم التحديات التي تحيط بالعراق.. وإذا كان عبد الناصر صريحًا مع نوري السعيد ليسأله مثل هكذا أسئلة.. فماذا كانت أجوبة نوري السعيد يا هيكل؟ لماذا اخفيت اجوبة الباشا عن الناس.. ومن المعروف ان نوري السعيد كان جريئا في طرح ما يفكّر فيه، وكان حاّدا في اجوبته عن أي اسئلة تطرح عليه.. إذ لا يلف ولا يدور. كنت أتمني علي هيكل أن يكون منصفًا.. إن كان عبدالناصر قد تحدّث ويورد احاديثه، فأين هي اجوبة نوري السعيد علي عبد الناصر.. من المؤكد انها اجوبة صارمة وحادة ومن موقع استاذ اكبر لتلميذ أصغر!
أين إجابات نوري السعيد؟
يتابع هيكل قائلا: "يقول عبدالناصر: لكن السبب هو إنشاء مشروع الهلال الخصيب.. وهو ما يدعو للدخول في لبنان والأردن، ما أريد أن ألفت نظرك إليه.. وبأمانة.. مصر موجودة في المغرب العربي.. وفي غرب فلسطين.. وأنت تريد أن تأخذ ما بشرق فلسطين لتدخله في معركة لا أري أنفسنا طرفاً فيها أمام الاتحاد السوفيتي وداخل أحلاف وبالتالي يتأتي عما كنت تريد أن تقوم به أن تجد مصر نفسها وحيدة أمام الخطر الإسرائيلي.. ويقول له: بمقدار ما أنت حريص علي دعم العراق بتركيا وإيران.. فأنا أيضاً حريص لأن أحدد في هذه اللحظة بالضبط: من هو العدو؟(نص هيكل).
أيضا، يبقي هيكل علي نفس أسلوبه من دون أي موضوعية ولا أي حيادية.. يبقي مع عبد الناصر ليسمعنا ما قاله لنوري السعيد، ولكنه يخفي اجابات نوري السعيد علي عبد الناصر، وتلك من أسوأ ما يمكن لأي كاتب للروايات التاريخية أن يفعلها، فالتدوين التاريخي يفرض علي من يقوم بتلك المهمة أن يكون أمينا في نقل ما دار بين الطرفين، وإلا اعتبر تسجيل ما يدور عند طرف واحد تغييبا متعمدا عن قصد وسبق اصرار.. أو أن يكون هيكل غير ملّم بما حدث، وأنه يلفق مثل هذا علي لسان عبد الناصر كذبا وبهتانا. فمن له اي معلومة عن حضور هيكل اجتماعات خاصة حدثت بين جمال عبد الناصر ونوري السعيد ليخبرنا بها؟ إننا نعتقد بمثل هذا، لأن سياق الكلام علي لسان عبد الناصر كان مضطربا، ذلك أن مشروع الهلال الخصيب الذي طرحه نوري السعيد كان قد مضي عليه أكثر من عشر سنوات.. ولم يعد صاحبه نوري باشا متعلقًا به البتة بالرغم من ايمانه أن اتحاد الدول العربية لا يمكن أن يأتي بوحدة فورية أو اتحاد مفاجئ.. انه كان يؤمن بسياسة الخطوة خطوة.. وهل كان جمال عبد الناصر ساذجًا بمثل هذه الدرجة التي وضعه فيها هيكل عندما يتكلم بأن يدخل العراق سوريا من خلال تحالفه مع تركيا، ثم يدخل لبنان وشرق الاردن؟ هذا تفكير ساذج ، لا اعتقد أبدا ان عبد الناصر قد طرحه اصلا. إنني إذ اشكك بكل ما حكاه هيكل، بسبب جعل هيكل نوري السعيد صامتًا لا يتكلم.. ونحن العراقيين ادري من يكون الباشا نوري السعيد.. إنه لا يتواني بجعل جمال عبد الناصر يسترسل بأسئلته من دون ان يجيبه ويحاوره ويحاصره بالامثلة والاسئلة.. فماذا دار يا هيكل حقيقة في تلك المفاوضات إن كنت فعلا قد وجدت نفسك هناك.. ولا ادري بأي صفة تجلس انت مع زعيمين يتفاوضان في قضايا بمنتهي الخطورة! ألم تتراجع عن كلامك وتعتذر من كل ملايين الناس، كونك قد جعلت من نفسك بطلاً مشاركًا في مفاوضات قمة سرية.. وانت لا تمتلك أي صفة سياسية، ولا أي منصب قيادي.. انني اشكك في احاديثك حتي لو اختلقت اجوبة علي لسان نوري السعيد، وانت لم تره اصلا.. وإلا لكنت وصفت هيئته ولهجة كلامه وطبيعة ردوده.
سذاجة أم منطق؟
انك تنهي الموضوع بسذاجة اكبر عندما تكمل قائلا: "وجمال عبدالناصر يري أن العدو هو إسرائيل ولابد أن يصطف كل الناس في هذه اللحظة أمامه، وهو يري ضرورة وضع إسرائيل في حدود طبيعية.. وفتح طريق بري عريض بين مصر والمشرق العربي. وهذه كانت حدود ما نتكلم فيه في هذا الوقت وأظنها كانت ملائمة ومنطقية جداً... " (نص هيكل).
ويبقي هيكل يسجّل ما يريده حول الموضوع من دون ان يسأله أحد: ما الذي يجعلنا نثق بما تقول يا هيكل؟ إنه يقول أيضا: "وأمر آخر قاله عبدالناصر لنوري باشا: إن خطر الغرب والاستعمار لا يزال موجوداً.. وهناك مطامع ومصالح ودعاوي للقوي الكبري هنا... وحتي فيما تتحدث فيه بخصوص الاتحاد السوفيتي فإن الضمان الأكبر والحماية الأساسية ضد هذا الذي تتكلم فيه هو وجود أمة عربية واعية بنفسها وقادرة لأن تتخذ موقفاً.. علي أساس الجامعة العربية وميثاق العمل والدفاع العربي المشترك" (نص هيكل).
هنا نسأل هيكل الذي اعلن في بدء كلامه أنه لم يتم فهم رؤية الباشا نوري السعيد.. نسأله نحن: هل انت مع نوري السعيد في رؤيته، ام مع عبد الناصر في هواجسه؟ وأسأل هيكل ايضا: بالله عليك، ما الذي فعلته الجامعة العربية وميثاق العمل والدفاع العربي المشترك؟ ما الذي فعلته هذه المنظمة علي امتداد خمسين سنة من احداث مصيرية واحتلالات وتدخلات وحروب باردة وحروب ساخنة ودموية وغزو عربي وغزو اجنبي وغزو إسرائيلي؟ هل بعد التي واللتيا نعد خطوات نوري السعيد خاطئة وان هواجس عبدالناصر صائبة ان صحّ ما سجلته عن عبد الناصر؟ تقول: "هنا تتضح وجود رؤيتين أو خطتين في المواجهة". نعم، انك قد عرفتنا برؤية عبد الناصر، ولكنك لم تقدم أي كلمة علي لسان نوري السعيد، فكيف يمكننا قياس الرؤيتين أو مقارنتهما مع بعضهما الآخر؟ انتظروا الحلقة المقبلة الكاتب.. مفكر عربي عراقي مقيم في كندا وأستاذ في جامعات عربية وأمريكية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.