محافظ الفيوم يترأس لجان المقابلات الشخصية للمتقدمات ببرنامج المرأة تقود للتنفيذيات    الفيوم تحصد مراكز متقدمة في مسابقتي المبتكر الصغير والرائد المثالي    مصر وصربيا تبحثان فتح خطوط طيران جديدة وزيادة الرحلات المباشرة    المشاط تُشارك في مؤتمر بنك التنمية الجديد حول ترسيخ ثقافة المساءلة والتقييم لدفع مسار التنمية    الحوثيون: العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء لن يثنينا عن مساندة غزة    استشهاد 6 فلسطينيين برصاص الاحتلال أثناء محاولتهم الوصول للمساعدات جنوب غزة    الجيش الإسرائيلي ينشر مشاهد لنصب مستوصف ميداني جنوب سوريا ل "دعم سكان المنطقة"    المنسقة الأممية: لا سلام دائم في الشرق الأوسط دون تسوية شاملة للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي    مدير «جنيف للدراسات»: تزاحم أوروبي أمريكي للاستثمار في سوريا    وزيرا الأوقاف والشباب يلتقيان أعضاء    فيصل وياو أنور يقودان تشكيل البنك الأهلي أمام بتروجت    مدير الكرة في الزمالك يكشف موقف احمد الجفالي من نهائي كأس مصر    الزمالك يعلن غياب الجفالي عن نهائي كأس مصر    مصرع وإصابة 14 شخصا إثر انقلاب سيارة ميكروباص فى أسيوط    رئيس منطقة الإسماعيليّة الأزهرية يبحث الاستعدادات لامتحانات الثانوية الشفوية    متى يبدأ صيام العشر الأوائل من ذي الحجة 1446؟    البوستر الرسمي لفيلم عائشة لا تستطيع الطيران ضمن الأفضل بجوائز لوسيول بمهرجان كان    كريم عبد العزيز: أول مرة قابلت أحمد عز قولتله حاسس ان قاعد مع كريستيانو    عائلات المحتجزين الإسرائيليين: نتنياهو فشل فى إعادة محتجزينا رغم مرور 600 يوم    «زي النهارده» في 28 مايو 2010.. وفاة الأديب والسيناريست أسامة أنور عكاشة    أفضل الأعمال في أيام العشر من ذي الحجة    «القومي للبحوث» ينظم ندوة حول فضل العشر الأوائل من شهر ذو الحجة    نائب وزير الصحة يتفقد منشآت قنا.. ويوجه بتحسين الخدمات ومحاسبة المقصرين    لوكهيد مارتن تكشف مفاتيح بناء قبة ترامب الذهبية.. وتصفها ب"رؤية رائعة"    هدف عمر مرموش الصاروخي يرشحه لجائزة الأفضل في الدوري الإنجليزي    مسئول أوروبي يتوقع انتهاء المحادثات مع مصر لتحديد شرائح قرض ال4 مليارات يورو أواخر يونيو    طارق يحيي: لن ينصلح حال الزمالك إلا بالتعاقد مع لاعبين سوبر    تيتة نوال خفة دم مش طبيعية.. وفاة جدة وئام مجدي تحزن متابعيها    مصرع شخص أسفل عجلات قطار في بني سويف    رومانو: تاه يخضع للفحص الطبي تمهيدًا للانتقال إلى بايرن ميونخ    محكمة استئناف القاهرة تطلق خدمات إلكترونية بالتعاون مع وزارة الاتصالات والبريد    طريقة عمل الموزة الضاني في الفرن لغداء فاخر    في 24 ساعة فقط- 3 مشروبات تنقي جسمك من السموم    زيارات ميدانية ل«نساء من ذهب» بالأقصر    حرام شرعًا وغير أخلاقي.. «الإفتاء» توضح حكم التصوير مع المتوفى أو المحتضر    الرقابة المالية: التأمين البحري يؤدي دور محوري في تعزيز التجارة الدولية    أكاديمية الشرطة تُنظم الاجتماع الخامس لرؤساء إدارات التدريب بأجهزة الشرطة بالدول الأفريقية "الأفريبول" بالتعاون مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولى GIZ    د.محمد سامى عبدالصادق: حقوق السربون بجامعة القاهرة تقدم أجيالا من القانونيين المؤهلين لترسيخ قيم الإنصاف وسيادة القانون والدفاع عن الحق.    الإعدام لمتهم والسجن المشدد 15 عامًا لآخر ب«خلية داعش قنا»    اسكواش - تتويج عسل ونوران جوهر بلقب بالم هيلز المفتوحة    اليونيفيل: أي تدخّل في أنشطة جنودنا غير مقبول ويتعارض مع التزامات لبنان    الحكومة تطرح 4 آلاف سيارة تاكسي وربع نقل للشباب بدون جمارك وضرائب    5 أهداف مهمة لمبادرة الرواد الرقميون.. تعرف عليها    ارتفاع الرئيسي.. مؤشرات البورصة بنهاية تعاملات جلسة اليوم الأربعاء    حملة أمنية تضبط 400 قطعة سلاح وذخيرة خلال 24 ساعة    «بيت الزكاة والصدقات» يصرف 500 جنيه إضافية لمستحقي الإعانة الشهرية غدًا الخميس    في أول أيام الشهر.. تعرف على أفضل الأعمال في العشر الأوائل من ذي الحجة    نائب وزير الصحة تشارك فى جلسة نقاشية حول "الاستثمار فى صحة المرأة"    وداعاً تيتة نوال.. انهيار وبكاء أثناء تشييع جنازة جدة وئام مجدى    وزير التعليم: 98 ألف فصل جديد وتوسّع في التكنولوجيا التطبيقية    وزير التعليم العالي يترأس اجتماع مجلس الجامعات الأهلية ويوجه بسرعة إعلان نتائج الامتحانات    نائب وزير الصحة: إنشاء معهد فنى صحى بنظام السنتين فى قنا    لطلاب الثانوية العامة.. رقم الجلوس ولجنة الامتحان متاحة الآن عبر هذا الرابط    وزير الثقافة: ملتزمون بتوفير بنية تحتية ثقافية تليق بالمواطن المصري    وزير الخارجية يتوجه إلى المغرب لبحث تطوير العلاقات    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر على حريق مخزن بلاستيك بالخانكة| صور    قرار من «العمل» بشأن التقديم على بعض الوظائف القيادية داخل الوزارة    ألم في المعدة.. حظ برج الدلو اليوم 28 مايو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مباحثات مصر حول حلف بغداد
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 29 - 04 - 2010

يتابع هيكل كلامه اليتيم (الذي لم نجده في أي مصدر آخر للمعلومات )، قائلا : " وهو يشعر.. وهنا جبنا الخريطة وأنا واصف المشهد هنا، نوري باشا جاب خريطة.. سأل فيه خريطة موجودة؟ جابوا له خريطة صغيرة كده، طلب الملحق العسكري، جاب الملحق العسكري ومعه خريطة كبيرة، حب يحطها علي ترابيزة السفرة، الترابيزة عليها بقايا أكواب وفوط وحاجات كده، فحطها علي الأرض ونزل علي الأرض وأنا واصف هنا المشهد الغريب قوي، نوري باشا حط الخريطة علي الأرض ونزل بيقول لجمال عبد الناصر بيقول له إيه؟ بيقول له هنا فيه جبال راوندوز شمال العراق وبين راوندوز.. جبال راوندوز وحدود الاتحاد السوفييتي ثلاثين ميلا وأنا بأعتقد إن إحنا علينا خطر من الاتحاد السوفييتي وإنه هذا لابد أن ننضم إلي حلف يقينا.. أنا هأوصل لاتفاق مع الإنجليز.. الإنجليز موجودين في الحبانية وعندنا قواعد زي ما عندكم في السويس وهنوصل لاتفاق معهم، لكنه رأينا إنه لابد أن يحل محل الاتفاقيات الثنائية القديمة معاهدة 36 في مصر ومعاهدة ثلاثين في العراق، لابد أن تحل محلها ترتيبات جماعية للأمن وإنه إحنا مقتنعين بهذا لأننا نشعر إن علينا خطر وبعدين المشهد اللي أنا استغربت له قوي والحقيقة يعني إن نوري باشا نزل علي ركبه ووطَّي علي الخريطة علشان يحدد موقع راوندوز وطلب من جمال عبد الناصر إنه ينزل معه يشوف موقع راوندوز وأنا كنت قاعد في.. نجيب باشا موجود وعلي صبري موجود وأنا موجود والمشهد من أغرب ما يمكن، اثنين قاعدين علي رُكبهم موطيين بيبصوا في الخريطة بيدوروا علي موقع راوندوز ونوري باشا بيحكي إنه ده ثلاثين ميلا من الاتحاد السوفييتي إلي آخره ... " (نص هيكل ) .
دعوني اتساءل قبل ان اوّجه اسئلتي للاستاذ هيكل : هل وردت هذه المعلومات في أي مصدر آخر غير الذي اورده هيكل هنا؟ وما الذي يثبت لنا صحة ما جاء به هيكل من قصة لا شيء آخر يتضمنه لقاء كل من الزعيمين نوري وجمال؟ ما الحوار الذي دار بينهما؟ هل اكتفي نوري بهذا المشهد الذي اثار غرابة هيكل؟ هل تعقد مباحثات بين ابرز دولتين عربيتين، ولم يحضر الاجتماع الا سفير العراق بمصر وعلي صبري ومحمد حسنين هيكل؟ هل يعقل الا تنشر اية صورة فوتوغرافية للزعيمين بوفديهما وقد اجتمعا بالقاهرة، والكل يعرف ان نوري السعيد يزور القاهرة؟ الا ان كانت هناك خطة للتعتيم علي الزيارة ومضامينها ! انني كنت قد اطلعت قبل اربعين سنة علي صورة نشرت في احدي المجلات المصرية تجمع الرئيس عبد الناصر بلباسه العسكري، وهو يستقبل في مطار القاهرة الباشا نوري السعيد ببدلته المدنية وقبعته .. وباستثناء تلك الصورة، لم اجد اية صورة للاجتماع الذي حدث بين الزعيمين حول اخطر ما كان يريد ان يرسمه كل من الزعيمين الاثنين .
أين المشاهد الغريبة؟
الان ارجع اليك يا هيكل لاسألك حول الذي أتيت به في اعلاه : ما وجه الغرابة في الذي حطيته لنا؟ اين المشاهد الغريبة قوي التي دهشت لها؟ كل ما هنالك زعيم وسياسي قديم يؤمن بايضاح معلوماته علي الخرائط .. والخرائط المتسعة دوما ما تكون كبيرة .. ما وجه الغرابة ان فرشها علي الارض، ونزل علي ركبتيه، وانزل عبد الناصر معه الي الارض ليريه المسافات علي الخارطة؟ ان كنت لا تعرف من يكون نوري السعيد وتصرفاته .. فان هذا الزعيم العراقي كان يتصرَّف علي سجاياه الاولي التي تربي عليها ببغداد .. وكان لا يمانع ان يمشي في شوارع عاصمته لوحده، ويشتري الفواكه لبيته بنفسه .. كان يدخل المقاهي ليجلس مع الناس ويتحمّل نزقهم .. وكان يسهر ليلا في واحدة من الكابريهات ليتمتع مثل بقية الخلق .. كان يتصّرف تصرفات عادية من دون ان يحسب أي حساب للعظمة ولا للارتقاء .. كان واقعيا يأكل في بيته علي الارض بلباسه العادي ولا يمانع ان يأكل باصابعه ما يعجبه من الاكلات العراقية .. ما وجه الغرابة يا هيكل ان وجدت كلا من الزعيمين علي ركبتيهما يبصان علي الخارطة؟ ولكن هل انت متأكد من ان المسافة التي قالها نوري باشا للريس عبد الناصر هي ثلاثين ميلا؟ هل انت متأكد من هكذا، معلومة لا يمكن ان يقولها نوري باشا، لأنه يعلم علم اليقين ان المسافة بين راوندوز وحدود الاتحاد السوفييتي هي اطول بكثير من هذا العدد من الاميال !
بتاع العراق .. وبتاع مصر !
يتابع هيكل : "الحقيقة لازم أقول إنه النوري باشا كمان هنا ما لهوش حق يمكن في الأحلاف، الاتحاد السوفييتي لأنه هنا فيه وحتي جمال عبد الناصر قال له.. قال له يا أخ نوري.. وما أظنش في وقتها كان فيه لغة الخطاب لما بيقول للملك سعود يا أخ سعود أو يا أخ نوري، هنا المسائل.. فيه ناس جدد جايين ومش معترفين بألقاب وفيه ملوك وبشوات بيتصوروا إن هو ده يعني المسألة مهمة يعني، فعلي أي حال جمال عبد الناصر بيقول لنوري باشا وهما علي الأرض لسه علي رُكبهم لسه، بيقول له عُمْر الروس ما هييجوا لكم عُمْر الاتحاد السوفييتي ما هييجي لكم، قال له ده ثلاثين ميلا، قال له يا أخ نوري إذا اخترقوا الثلاثين ميلا دول وجاءوا علي حدود العراق ما يبقاش الموضوع بتاع العراق وبتاعك وقتها حرب نووية، أنا عايز أقول لك إنه لن تحدث حرب وإذا حدثت حرب في هذه المنطقة فالمعركة سوف تكون أكبر جدا من طاقتنا ومن قدرتنا فما فيش داعي نعمل خطط عليها، علينا إن إحنا نعمل خطة لاستقلالنا ونعمل خطط لتوحيد إرادتنا لكن حرب عالمية جايه بين دول، الاثنين مع بعض معسكرين وبالأسلحة النووية لأنها مؤكد هتبقي أسلحة نووية، هذا موضوع لا نستطيع نحن أن نخطط له وإنما كل قدرتنا إذا استطعنا أن ننأي بأنفسنا عن مشاكله، لكن لا نتورط فيها، نوري باشا مش مقتنع بده، لكن نوري باشا الحقيقة كمان عنده حجة مهمة قوي وأنا بأتكلم إنصافا لكل الناس لأنه كل الناس دول كلهم بقوا عند ربنا يعني " ( نص هيكل ) .
تحليل النص ونقده
يا استاذ هيكل .. ان من يسمع كلامك في التليفزيون او يقرأ ذلك علي الورق .. سيعجب حتما بما كتبته، وانت في غاية الانحياز لموقف عبد الناصر .. كنت اتمني ان تكون حياديا، ولو لمرة واحدة في معالجة اخطر ما كانت تتعرَّض له المنطقة بالكامل .. كنت أتمني ان تكون موضوعيا ولو لمرة واحدة، وقد مرّ اكثر من نصف قرن علي العام 1955 ! كنت اتمني ان تكون منصفا، وانت تعالج المواقف المصطدمة، او التي كانت في طريقها للاصطدام .. كنت أتمني ان تقول بأن من اكبر فجائع العرب في القرن العشرين تدخلات احدهم بشأن الاخر، وكأن ليس لكل دولة عربية خصوصياتها وسياساتها ازاء الاقليم والعالم .. وتعال يا سيدي لأسألك سؤالا واحدا لا غير : انت الوحيد في هذا العالم الذي أتيت بكل هذه المعلومات عن لقاء نوري السعيد بجمال عبد الناصر من دون ان اجدها لدي غيرك ابدا .. فانت الذي أتيت بهذه الشهادة وانت الذي تحاكم مضمونها .. كنت اتمني عليك فقط ان تثبت لنا صحة ما قلته .. كنت اتمني ان اجد للزعيمين صورة فوتوغرافية مشتركة، وهما علي ركبهما يبصان علي الخارطة .. كنت اتمني عليك ان تثبت لنا صحة ما قلت من مفاوضات الطرفين مدعوما بمحاضر رسمية، حتي نعرف ما قاله كل من الزعيمين للاخر .. وليس من الصواب ان تحدث هكذا جلسات رسمية بين اكبر رأسين عربيين من دون اية محاضر رسمية ..؟؟ والا كيف يمرّ ذلك علي دولة مصر، وهي العريقة في مثل هكذا امور منذ بدأ تشكيلها الحديث علي يد مؤسسها محمد علي باشا في مطلع القرن التاسع عشر؟؟
المصريون ورقي آداب التعامل
ليس من باب اللياقة ولا من باب الدبلوماسية ولا من باب الاتيكيت ان يخاطب الرئيس جمال عبد الناصر ضيفه نوري السعيد ب " يا اخ نوري " من دون القاب ولا اية صفة ادبية او اجتماعية .. اذا كان لا يؤمن بألقاب الباشوية او البهوية او غيرهما .. فهذا شأنه الشخصي هو نفسه .. ولكن حتي في مصر نفسها، وبالرغم من إلغائه لمثل هذه " الالقاب "، فان المجتمع المصري، لم يزل محافظا حتي اليوم علي ارقي اساليب التعامل في ما بين الناس .. وان الصغير لابد ان يحترم الكبير .. وان المضيف لابد ان يحترم الضيف !! هكذا هي طبيعة الناس في مصر، فليس من آداب المجاملة بين الكبار يا هيكل ان يفتقدوا لغة التخاطب بهذا الشكل، خصوصا أن الرئيس جمال عبد الناصر كان برتبة بكباشي او بنباشي في حين ان الباشا نوري السعيد كان برتبة فريق اول اركان حرب .. وان الاخير يكبر عبد الناصر باكثر من ثلاثين سنة .. فهل يعقل ان يتم التعامل بهكذا طريقة غير لائقة؟ وهل هذه هي شيم المصريين في التعامل حتي مع خصومهم؟ ومن الطبيعي ان يمتعض أي مسئول عربي يحمل تاريخا طويلا علي كاهله، ويعد نفسه واحدا من أبرز الزعماء عندما يلقي ترحيبا دوليا منقطع النظير به وبمكانته، ولكنه يفتقد ذلك لدي ضابط صغير شاءت الأقدار ان يكون سيدا لمصر ..
كنت أتمني قراءة التاريخ
من قال لعبد الناصر ان عُمْر الروس ما هييجوا للمنطقة؟ هل قرأ التاريخ الحديث جيدا، وادرك ان الروس لهم مطامع كبري في الشرق الاوسط؟ هل قرأ تجاربهم المضادة لكل من تركيا وإيران؟ هل عرف برؤيتهم القديمة الي العراق منذ القرن التاسع عشر؟ هل قرأ تقارير القناصل الروس من مدن الشرق الاوسط، وخصوصا من العراق الي العاصمة الروسية بترسبورغ؟ ألم يكن الروس هم الاقرب الي المنطقة من الانجليز والفرنسيين والالمان والأمريكان؟ من جعل عبد الناصر يمتلك هذه الثقة العالية بالروس عندما يقول لنوري باشا : " عُمْر الروس ما هييجوا لكم عُمْر الاتحاد السوفييتي ما هييجي لكم .. "؟ هل عرف عبد الناصر خطط السوفييت لما بعد الحرب الثانية؟ ويفترض عبد الناصر ان جاء الروس الي العراق او الي حدود العراق .. فان الموضوع لن يبقي بتاع العراق وبتاع نوري السعيد؟ من اخبر عبد الناصر بذلك؟ لقد تعَّرض العراق علي امتداد خمسين سنة لهزات تاريخية مدمرة .. ولكن بقي موضوع العراق بتاع العراق ! هل من السهل نشوب حرب نووية بسبب العراق؟ طبعا، ان حدثت حرب، فسوف تكون اكبر من طاقة المنطقة، ولكن لماذا لم يتم تدارك الخطر؟، قال له ده ثلاثين ميلا، قال له يا أخ نوري إذا اخترقوا الثلاثين ميلا دول وجاءوا علي حدود العراق ما يبقاش الموضوع بتاع العراق وبتاعك وقتها حرب نووية، أنا عايز أقول لك إنه لن تحدث حرب وإذا حدثت حرب في هذه المنطقة فالمعركة سوف تكون أكبر جدا من طاقتنا ومن قدرتنا فما فيش داعي نعمل خطط عليها ( كلام عبد الناصر ) . هنا أسأل : اذا كان ما فيش داعي نعمل خطط .. فما هي خطط عبد الناصر التي يمكنها ان تواجه التوقعات العراقية .. علما بأن ما يعرفه نوري السعيد عن العراق، لا يمكن ان يعرفه عبد الناصر ابدا؟؟ وان الاوضاع التي عليها العراق هي غير الاوضاع التي تعيشها مصر ..
أين الخطة الموازية؟
كنت اتمني علي عبد الناصر، ان يواجه نوري السعيد بخطط ليست موازية او متوافقة، بل بخطط بديلة .. كنت اتمني علي عبد الناصر ان يدرك بأن نوري السعيد لم يكن يحمل خطة منفردة لمواجهة الاتحاد السوفييتي، بل يحمل مشروعا اقليميا لصون العراق الذي بدا لا يستطيع المواجهة لوحده ليس ازاء السوفييت، بل ازاء وضعه الجغرافي والاقليمي بشكل خاص .. كنت اتمني علي الرئيس عبد الناصر ان يدرك فحوي الرسالة التي ابلغها نوري السعيد للصاغ صلاح سالم .. كنت اتمني ان يكون الصاغ صلاح سالم رفقة نوري السعيد في مصر، وهو يواجه عبد الناصر . هنا نسأل هيكل : اين هو الصاغ صلاح سالم الذي كان مسئولا عن الملف العراقي، وقد قضي اياما في ضيافة ملك العراق بمدينة سرسنك؟ لماذا حضر علي صبري، ولم يحضر الصاغ صلاح سالم؟ ارجع لأتساءل قائلا : اذا كان نوري السعيد يعمل علي اقامة حلف بغداد الذي واجه معارضة شديدة من عبدالناصر، فهل قدم الاخير مشروعا موازيا من الناحية الاستراتيجية .. ام اكتفي بترديد واصرار علي ان ميثاق الضمان الجماعي العربي هو الوسيلة الوحيدة لذلك؟ ماذا يمكن ان يفعله الضمان الجماعي العربي بالنسبة للعراق ومشكلاته الصعبة؟ ربما كان نوري السعيد مندفعا ومخطئا من الناحية القومية باتجاه تأسيس حلف جماعي اقليمي ودولي بالاعتماد علي الغرب .. ولكن الايام التالية قد اثبتت ان العراق لا يمكن ان تحّل مشكلاته الصعبة اقليميا ودوليا الا ضمن خطة اقليمية ودولية تحفظ له توازنه داخليا واقليميا ودوليا .. ولكن كان يقف ضد التيار الثوري والقومي الهادر الذي تزعمه عبد الناصر، فنجح الاخير في سحق نوري السعيد، فانهار كل شيء علي حساب دفع الشعب العراقي فواتير تاريخية من دماء أبنائه وخسران موارده وتأخر بنيوياته .. ولله في خلقه شؤون !
تعاظم مكانة العراق النفطية وتفاقم الصراع من حوله
اذا كانت الثقة قد تزعزعت بين اكبر قوتين عربيتين او بالاحري بين نظامين عربيين .. فما الذي يمكن لمصر عبد الناصر ان تقدّمه للعراق وهو يزداد اهمية من الناحية الاستراتيجية دوليا واقليميا، خصوصا ان مكانته النفطية كانت تزداد يوما بعد آخر .. ان ما حدث في العراق علي مدي خمسين سنة لاحقة، ومنذ تغيير النظام الملكي فيه الي نظام جمهوري عام 1958 يوحي بأن العراق كان ولم يزل بحاجة ماسة وضرورة قصوي الي ان يؤمن نفسه ازاء جيرانه في الاقليم اولا، والي ان يسود الاستقرار الداخلي فيه نظرا لكثرة مشاكله الداخلية التي لا يدركها الا من عرف تكوين العراق الحديث معرفة دقيقة . انني واثق بأن هيكل قد غّير نظرته بالكامل ازاء موقف نوري السعيد .. وواثق ايضا بأن هيكل قد اعاد النظر بالكامل من موقف عبد الناصر .. كما قال هيكل ذلك، ولكنه ليس باستطاعته ان يبوح بحقائق بدت واضحة تمام الوضوح بعد خمسين سنة من صراع تلك الايام بين مصر والعراق .. ليس باستطاعته ان يقول بأن للعراق خصوصياته التي لا يمكن ان يجَّرد منها ..
التجارب الثورية والمؤامرات والانقلابات .. ماذا تحقق منها؟
واذا اقتنعنا بأن نوري السعيد كان علي خطأ في كل تقديراته وخططه .. فما الذي حدث للعراق علي امتداد نصف قرن من رحيل نوري السعيد حتي يومنا هذا؟ وهل نجحت اية تجربة قومية تاريخية قادها عبد الناصر او غيره من الزعماء الثوريين القوميين او التقدميين؟ هل حققت الثورة العربية بأشكالها وايديولوجياتها المختلفة للعرب عموما ايا من التحرر والاستقلال والتطور ضمن الاساليب التي اتبعت انقلابيا وثوريا؟ هل استطاعت الدول العربية ان تحيا علي امتداد نصف قرن مضي من دون أي دعم مقدم من هذا او ذاك من القوي الكبري؟
هل تخلصت الانظمة الثورية العربية من المؤامرات الداخلية والخارجية؟ هل تخلَّص العرب في نصف قرن من مؤامرات احدهم علي الآخر؟ اذا كان نوري السعيد قد اتهم مرارا وتكرارا بحبك المؤامرات ضد سوريا مثلا .. فهل بقيت بقية الدول العربية، بما فيها العراق بعيدا عن مؤامرات جمال عبد الناصر؟ اذا كان نوري السعيد قد تآمر ضد جمال عبدالناصر وبمساعدة الغرب، فهل تخلََّص العراق لاحقا، علي امتداد حكم عبدالكريم قاسم 1958 - 1963، وحكم الاخوين العارفين 1963 - 1968 من تأثير مؤامرات جمال عبد الناصر وجهاز مخابراته، وخصوصا باعداد اكثر من محاولة انقلاب عسكري ضد النظام الجمهوري في بغداد بعد مصرع نوري السعيد وتصفية النظام الملكي بالعراق عام 1958 .. فما الجديد الذي خرج به عبد الناصر حول ذلك الحلف .. علما بأن هذه الرواية التي ساقها لنا هيكل قبل سنين قد كذبناها في كتابنا ( تفكيك هيكل ) وطلبنا من السيد عبد المجيد فريد ان يقدم شهادته حول الموضوع ما دام لم يزل علي قيد الحياة وله طول العمر .. ولكن لا هيكل أجاب عن اسئلتنا، وآثر السكوت .. ولا عبد المجيد فريد ادلي بشهادته حول موضوع حمولة طائرة مصرية من أطنان الوثائق التي قال هيكل بأن القيادة المصرية قد أخذتها منذ اليومين الاولين علي انقلاب 14 تموز / يوليو 1958 في العراق؟ ولقد طلبنا من السلطات المصرية ان ترجع تلك " الوثائق " الي العراق ان صدق هيكل في قوله .. ولم نجد أي رد فعل ازاء ذلك ايضا .. معني ذلك ان ليس ثمة حقيقة ذكرها هيكل سابقا في كتاباته .. فكيف سيكون صادقا، وهو يروي لنا قصة الصراع بين عبد الناصر ونوري السعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.