أسعار السمك في أسوان اليوم الأحد 28 ديسمبر 2025    أسعار الأعلاف في أسوان اليوم الأحد 28 ديسمبر 2025    زيلينسكي يصل إلى الولايات المتحدة استعدادا لمحادثات مع ترامب    الدفاع العراقية: 6 طائرات جديدة فرنسية الصنع ستصل قريبا لتعزيز القوة الجوية    رئيس الحكومة العراقية: لم يعد هناك أي مبرر لوجود قوات أجنبية في بلادنا    طقس أسوان اليوم الأحد 28 ديسمبر 2025    محمد معيط: العجز في الموازنة 1.5 تريليون جنيه.. وأنا مضطر علشان البلد تفضل ماشية استلف هذا المبلغ    نيللي كريم وداليا مصطفى تسيطران على جوجل: شائعات ونجاحات تُشعل الجدل    أبرزهم أحمد حاتم وحسين فهمي.. نجوم الفن في العرض الخاص لفيلم الملحد    أمطار ورياح قوية... «الأرصاد» تدعو المواطنين للحذر في هذه المحافظات    حزب "المصريين": بيان الخارجية الرافض للاعتراف بما يسمى "أرض الصومال" جرس إنذار لمحاولات العبث بجغرافيا المنطقة    بحضور وزير الثقافة.. أداء متميز من أوركسترا براعم الكونسرفتوار خلال مشاركتها في مهرجان «كريسماس بالعربي»    لجنة بالشيوخ تفتح اليوم ملف مشكلات الإسكان الاجتماعي والمتوسط    عمر فاروق الفيشاوي عن أنفعال شقيقه أثناء العزاء: تطفل بسبب التريندات والكل عاوز اللقطة    فيديو جراف| تسعة أفلام صنعت «فيلسوف السينما».. وداعًا «داود عبد السيد»    محمد معيط: أسعار السلع كانت تتغير في اليوم 3 مرات في اليوم.. ومارس المقبل المواطن سيشعر بالتحسن    أسبوع حافل بالإنجازات| السياحة والآثار تواصل تعزيز الحضور المصري عالميًا    انتخابات النواب| محافظ أسيوط: انتهاء اليوم الأول من جولة الإعادة بالدائرة الثالثة    «الداخلية» تكشف مفاجأة مدوية بشأن الادعاء باختطاف «أفريقي»    ما بين طموح الفرعون ورغبة العميد، موقف محمد صلاح من مباراة منتخب مصر أمام أنجولا    واتكينز بعدما سجل ثنائية في تشيلسي: لم ألعب بأفضل شكل    أمم إفريقيا - لوكمان: تونس لا تستحق ركلة الجزاء.. ومساهماتي بفضل الفريق    يوفنتوس يقترب خطوة من قمة الدوري الإيطالي بثنائية ضد بيزا    أحمد سامى: كان هيجيلى القلب لو استمريت فى تدريب الاتحاد    لافروف: نظام زيلينسكي لا يبدي أي استعداد لمفاوضات بناءة    هل فرط جمال عبد الناصر في السودان؟.. عبد الحليم قنديل يُجيب    2025 عام السقوط الكبير.. كيف تفككت "إمبراطورية الظل" للإخوان المسلمين؟    حادثان متتاليان بالجيزة والصحراوي.. مصرع شخص وإصابة 7 آخرين وتعطّل مؤقت للحركة المرورية    لافروف: أوروبا تستعد بشكل علني للحرب مع روسيا    نوفوستي تفيد بتأخير أكثر من 270 رحلة جوية في مطاري فنوكوفو وشيريميتيفو بموسكو    ناقد رياضي: الروح القتالية سر فوز مصر على جنوب أفريقيا    داليا عبد الرحيم تهنيء الزميل روبير الفارس لحصوله علي جائزة التفوق الصحفي فرع الصحافة الثقافية    مها الصغير تتصدر التريند بعد حكم حبسها شهرًا وتغريمها 10 آلاف جنيهًا    آسر ياسين ودينا الشربيني على موعد مع مفاجآت رمضان في "اتنين غيرنا"    «زاهي حواس» يحسم الجدل حول وجود «وادي الملوك الثاني»    بعد القلب، اكتشاف مذهل لتأثير القهوة والشاي على الجهاز التنفسي    المحامي ياسر حسن يكشف تطورات جديدة في قضية سرقة نوال الدجوي    عمرو أديب يتحدث عن حياته الشخصية بعد انفصاله عن لميس ويسأل خبيرة تاروت: أنا معمولي سحر ولا لأ (فيديو)    حمو بيكا خارج محبسه.. أول صور بعد الإفراج عنه ونهاية أزمة السلاح الأبيض    كيف يؤثر التمر على الهضم والسكر ؟    وزير الصحة يكرم مسئولة الملف الصحي ب"فيتو" خلال احتفالية يوم الوفاء بأبطال الصحة    رابطة تجار السيارات عن إغلاق معارض بمدينة نصر: رئيس الحي خد دور البطولة وشمّع المرخص وغير المرخص    اليوم.. أولى جلسات محاكمة المتهم في واقعة أطفال اللبيني    أخبار × 24 ساعة.. التموين: تخفيض زمن أداء الخدمة بالمكاتب بعد التحول الرقمى    محافظ قنا يوقف تنفيذ قرار إزالة ويُحيل المتورطين للنيابة الإدارية    الإفتاء توضح حكم التعويض عند الخطأ الطبي    القوات الروسية ترفع العلم الروسي فوق دميتروف في دونيتسك الشعبية    سيف زاهر: هناك عقوبات مالية كبيرة على لاعبى الأهلى عقب توديع كأس مصر    طه إسماعيل: هناك لاعبون انتهت صلاحيتهم فى الأهلى وعفا عليهم الزمن    المكسرات.. كنز غذائي لصحة أفضل    أخبار مصر اليوم: انتظام التصويت باليوم الأول لجولة الإعادة دون مخالفات مؤثرة، تطوير 1255 مشروعًا خلال 10 سنوات، الذهب مرشح لتجاوز 5 آلاف دولار للأوقية في 2026    محافظ الجيزة يتابع أعمال غلق لجان انتخابات مجلس النواب في اليوم الأول لجولة الإعادة    آية عبدالرحمن: كلية القرآن الكريم بطنطا محراب علم ونور    كواليس الاجتماعات السرية قبل النكسة.. قنديل: عبد الناصر حدد موعد الضربة وعامر رد بهو كان نبي؟    هل يجوز المسح على الخُفِّ خشية برد الشتاء؟ وما كيفية ذلك ومدته؟.. الإفتاء تجيب    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المطلوب " انابة " بحكم " المنتهى " !?    المستشفيات الجامعية تقدم خدمات طبية ل 32 مليون مواطن خلال 2025    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هيكل: مشهد سوريالي للتاريخ
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 04 - 01 - 2010


سوء فهم للتاريخ وتشويه متعمد له:
يتابع هيكل أحاديثه قائلا: "أول حاجة أنا ها أحطها هأسيب علي جنب أن في هذه الفترة وضمن علاقتهم مع الملوك وضمن الكلام بتاع السيد الدوحة القرشية وأمير الأمراء وخاتمة مش عارف إيه ده كله في هذه الفترة أعطوا حاجتين مهمين جدا عملوا اتفاقية سايكس بيكو قسموهم كلهم ممالك صغيرة والحاجة الثانية أعطوا وعد بلفور أعطوا وطن قومي في وسط المنطقة دي كلها لليهود طيب كيف تعاملوا مع القضايا؟ كيف تعاملوا مع قضايانا إحنا كلنا رحنا في الحرب العالمية الأولي وقفنا جنبهم يعني مش جنبهم وقفنا أتحنا كل حاجة لهم والشعوب متصورة شيء والملوك متصورين شيء، الشعوب متصورة أن هم بعد الحرب ها يبقي فيه نوع من الاستقلال وفيه نوع من الوحدة بين هذه الأمة سواء كانت خلافة أم مش خلافة لكن المسائل عائمة ومائعة لكن الإنجليز والفرنساويين في هذه اللحظة عملوا حاجتين، عملوا أولا (كلمة غير مفهومة) اتفاق البوديه اللي هما بمقتضاه سنة 1904 قسموا المنطقة بينهم جاءوا علي الشهر اللي فات كانوا بيحتفلوا الدولتين بمرور مائة عام علي الوفاق الودي بين الدولتين لكن علي أي حال الوفاق الودي بين دولتين كي يصطلحوا علينا إحنا وإحنا مش دريانيين عملوا اتفاقية سايكس بيكو فرنسا وإنجلترا قسموا العالم العربي وإحنا مش دريانين أدوا وعد بلفور وإحنا مش دريانين.. ".
طبعا (مش دريانين) كنا ولا زلنا لا نعرف شيئا مما يدور حول أنفسنا ومما سيغدو عليه مستقبلنا.. إن مشكلتنا يا هيكل أننا نتصّور أن العرب كانوا في أفضل الأحوال وأزهي العهود وكانت لهم أقوي الإرادات.. وجاء الآخرون من إنجليز وفرنسيين وصنعوا بنا كل الأفاعيل! ببساطة أسألك يا صاحبي هيكل لو نصبناك زعيما عربيا في مطلع القرن العشرين، فماذا كنت ستفعل أكثر مما فعله الزعماء العرب وبالرغم من كل امكاناتهم الضعيفة عهد ذاك، فهل كنت ستحقق أمنيات الأجيال اللاحقة وأنت تعيش علي هامش التاريخ؟ إنني إذا كنت لا أضبط مسيرتك وأنت كاتب تضيع قارئك في تهويماتك وخيالاتك، فكيف يمكنني أن اطمئن علي مصير بلاد كاملة من المحتم انك ستضيعها في غضون ساعات !! وليس اليوم ببعيد عن الأمس يا هيكل، إذ لو قدّر وكنت واحدا من زعماء العرب عند فاتحة القرن الواحد والعشرين، فما الذي كنت ستفعله إزاء إرادة الاستقطاب العالمي وحاجتك اليومية له في كل ما يتصل بحياتك ومستقبلك؟ إن العرب وعلي مدي مائة سنة يبكون ويولولون علي سايكس بيكو وتقسيم الأمة العربية وعلي وعد بلفور.. من دون أن يفعلوا شيئا لأنفسهم.. فالخلل الأكبر مطلوب فضحه يا هيكل لا أن نلقي بكل فجائعنا علي الآخرين! إذا افترضنا أن العرب فشلوا علي أيام الاحتلال والاستعمار، فلماذا لم ينجحوا مرة واحدة علي أيام السيادة والاستقلال؟ ولماذا لم ينتصروا يوما علي أيام القومية العربية؟ لماذا تلونوا بين جيل وآخر من بحر متلاطم من الأفكار والسياسات؟ ألا تعتقدون معي بأن المشكلة في العرب أنفسهم وفي ذهنياتهم المتنوعة وفي انقساماتهم المريعة.. وفي حروبهم الإذاعية الباردة التي كانت ولم تزل تفصح عن مدي وشراسة أكل أحدهم للآخر.. وعن مدي نزق هذا تجاه ذاك كما يجري في أعماق اللاوعي بالرغم من الافاضة في الحب والمشاعر القومية !!
التعامل مع قضايانا:
يستطرد هيكل معلقا قائلا: "وبعدين تعال بقي نبص في الوثائق ونشوف كيف تعاملوا مع قضايانا؟ أنا الحقيقة يعني بأحس مش بس بأسي بأحس بإهانة أحس لما أشوف مثلا إيه؟ ألاقي هنا فيه أهمية ده فيه اعتقادي أنه ده أوراق لورانس.. لورانس ده كان ضابط المخابرات اللي تولي إدارة شئون العالم العربي تقريبا كله بعد الحرب العالمية الأولي فأوراقه.. أهم حاجة في أوراقه ماليش دعوة بيقول إيه هو لكن أنا بيهمني جداً تسجيله لمحاضر الجلسات وأوراقه في شرح ما جري أو في رواية ما جري لأنه كان موجود كتب محاضر بيقول إيه؟ بيقول مثلا علي سبيل المثال بيحكي عن اجتماع بين لورين جورج رئيس وزراء إنجلترا المنتصرة مع كليمنسور رئيس فرنسا المنتصرة والاثنين مجتمعين في ظرف مؤتمر الصلح في فرساي في باريس سنة 1919 كليمنسور بيقول لروين جورج بيقوله إيه؟ عايزين ننتهز الفرصة ونسوي بيننا بدل ما نروح في المؤتمر متخانقين أنت عايز إيه؟ قل لي أنت طلباتك إيه؟ فبيقوله إيه جورج لورين بيقوله العراق وفلسطين هو سأل كليمنسور قول لي أنت عاوز إيه ففرنسا فأخونا رئيس وزراء فرنسا بيقوله أنا عايز الموصل فجورج بيقوله ها تأخذها.. بتكلم عن أقاليم في العالم العربي بتكلم عن أوطان وبعدين يقوله إيه عندك حاجة ثانية يقوله آه عايز القدس، ده الإنجليزي بيقول للفرنساوي.. الفرنساوي بيسأله أنت عاوز إيه ثاني؟ قاله والله عايز القدس قاله خلاص ها تأخذ القدس، أنا.. ".
حقيقة تعرف تبّص يا هيكل في الوثائق.. ألا تعتقد بأنك متأخر في شعورك بالإهانة؟ إن كل جيل عربي يشعر بالإهانة ليس من توزيع الأوطان علي مائدة مؤتمر فرساي عام 1919، بل يشعر بالمرارة والذل وهو يري ويقرأ من أخذ يشعر بذلك بعد قرابة تسعين سنة! بعد تسعين سنة نأتي لنعّزي بعضنا بعضا ونشعر بالإهانة؟ إنه قرف من يريد أن يبقي في إطار الماضي باكيا علي شيء وفرحا بشيء آخر.. إن المنطق يفرض علي من يقرأ هكذا أوراقاً أو محاضر لا نعرف من أين اتي بها هيكل فيما إن كان صادقا فيما ذهب إليه.. المنطق يقضي أن نقرأ اليوم تاريخا لا أن نجلس نبكي علي الأيام! هذا إذا افترضنا ما قيل صحيحا، وأعتقد أن الكبار في هذا العالم في أي عصر أو زمن هم الذين يفرضون ارادتهم علي الآخرين والعكس ليس صحيحا! إن قرابة تسعين سنة مرت علي نتائج الحرب العالمية الأولي وما زلنا نبكي أوطاننا التي قسمّت بين المنتصرين! ولا يعرف صاحبي هيكل لماذا دخلنا الحرب؟ ولماذا لا يدرك بأن العرب لم يدخلوا الحرب بمشيئتهم، بل كانت بعض ولاياتهم مرتبطة بالدولة العثمانية التي تشّظت ممتلكاتها، بعد أن دخلت الحرب بالرغم من ارادة المجتمعات التي تضمها، ومنها المجتمعات العربية..
لكن الأتراك لم يبكوا اليوم أوطانهم وممتلكاتهم، فلقد برز فيهم مصطفي كمال اتاتورك ليؤسس الجمهورية التركية ويصبح ما مضي في عداد التاريخ.. ويبدأ يتعامل مع الغرب من دون بكاء أو ولولة ومن دون أي شعور بالإهانة ! وتعال يا هيكل لأسألك: هل كان لورنس كاتبا لمحاضر جلسات في مؤتمر الصلح عام 1919؟ إن الذي نعرفه أنه شارك في المؤتمر برفقة الوفد العربي الذي تزعّمه الأمير فيصل بن الحسين، وكان مترجما له وقد ضم الوفد خمس شخصيات لا غبار علي تاريخها الوطني. أما لماذا حضر فيصل بن الحسين مؤتمر الصلح؟ ولماذا دعاه اليه المؤتمرون ولم يسمح لغيره بدخول قاعة المؤتمر؟ فالجواب يكمن في قدرة فيصل لشرح القضية العربية، وكان يحمل انتصاره بيده بعد أن حرر الحجاز والشام من الأتراك ودخل دمشق محررا ليؤسس دولته العربية الأولي.. في حين كان سعد زغلول قد ذهب إلي باريس للمشاركة في المؤتمر من دون أي دعوة (بمعني أن الرجل كان يؤمن بما للمؤتمر من فائدة) ولكن لن يسمح له في عرض مشكلته، وأعتقد أن سعد زغلول قد ذهب إلي هناك لا لكي يعرض القضية العربية ولا حتي ليتعاطف معها، بل ذهب لعرض قضيته المصرية! وهكذا بالنسبة لآخرين.. وأعتقد أن سعد زغلول لم يشعر بالإهانة أبداً، إذ إن عقليته البراجماتية ومهارته السياسية تعلمه بأن الضعفاء لا يمكن أن يفعلوا شيئا من دون أن يدعمهم الأقوياء.. ثم إن زغلول كان يدرك الطرق المسدودة التي كانت تحيطه في مصر قبل غيرها.. وبقيت معه حتي رحيله !
مشهد سوريالي للتاريخ
يختتم هيكل أحاديثه قائلا: "هنا إحنا بنلاقي نفسنا أمام أوضاع أمام حقائق نشأت تاريخيا أمام لمحات من المشهد العام من الصورة في المنطقة أمام مشاهد لا تزال مؤثرة علينا أمام خريطة نحن نظرنا إليها باستمرار بلد.. بلد والعالم تعامل معها منطقة بحالها وإحنا تكلمنا فيها ملوك وعروش ولم نتكلم فيها كقضايا ولاقينا أوطاننا علي جيلي أنا لما جاء وأطليت أو أطل غيري آلاف الشباب وقتها في أعقاب.. في نهاية الحرب العالمية الثانية لاقينا أمامنا في ضمن الساحة هناك مشهد عالم عربي غريب قوي لا تدري كيف وصلت به الأمور لهذا الشكل إلا أنه عالم نشأ في صراعات هو لا يعلم بها علي خريطة هو لم يقرأها مسجلة في وثائق هو لم يطلع عليها ثم إنها حاكمة في مصائره وفي مقاديره يومها وإلي غد غير منظور، تصبحون علي خير".
هذه هي الخاتمة العاطفية المؤثرة التي ينتظرها كل المشاهدين العرب وهيكل يربط الحاضر بالماضي ويقول إنه أمام حقائق نشأت تاريخيا.. ولكنه لم يمنحنا كل الحقائق وقد اختزل مائة سنة من تاريخنا بحديث لا تخرج منه بأي جديد وكأن الأجيال الثلاثة كلها ضحية عروش وملوك ولم تكن ضحايا لآخرين لعبوا أدوارا مماثلة أم مغايرة ولكن من نوع آخر.. وكأن كل مصائب القرن العشرين يتحملها ثلاثة ملوك لهم عروشهم التي حمتها بريطانيا من دون أي فهم لكل القضايا التي عاشت وماتت ومن ثم ولدت قضايا اخري ومن ثم ذهبت ووّلت.. وكأن المشهد العام من الصورة في المنطقة واحد! وكأن اللاعب الأساسي الفاشل لم يكن مذنبا، وكأن الأجيال لم تتبدل أفكارها من زمن لآخر.. وكأن الأوطان لم يضيعها إلا ثلاثة ملوك.. وكأن البطولة والشرف الرفيع لا يحمله إلا زعيم واحد.. وكأن الأمة العربية لم تضيعها الحروب الباردة والخطابات العنترية وكأن الأمم الأخري لم تعش مشاهد غريبة أيضا ولم تنشأ في ظل صراعات.. وكأن لا خريطة في العالم كله إلا خريطتنا العربية.. وكأن العرب لم تكن لهم أي نخب ومختصين وخبراء عرفوا أسرارا لم يدركها غيرك يا هيكل.. وكأن الوثائق لا تعرفها إلا أنت.. وكأن ملايين الناس لابد أن تقرأ الوثائق بطريقة هيكلية حتي تعرف تتحكم في مصائرها.. وكأننا نحاكم يا هيكل أمة تفوقت علي غيرها من الأمم بمنتجاتها وإبداعاتها وكل عبقرياتها.. وكأن الأمة لم يضيعها المشعوذون والكذابون والمفترون والمتوحشون والجلادون والاحاديون والطامعون والسارقون والمرتشون والمشوهون والفاشلون والفنانون والعتاة والمجرمون وخونة العهود والدجالون والممترون والكسالي والتنابلة والمهووسون..
كنت اتمني أن تطالب بدولة الخلافة الدينية يا هيكل قبل خمسين سنة من اليوم؟ فما الذي سيجري لك؟ كنت اتمني أن تتعلم أشياء كثيرة من منطق تغيير العالم الذي حصل بعد انهيار الكتلة الاشتراكية وسقوط الاتحاد السوفيتي وحلفائه.. لكنك لم تتعلم أبداً شيئا ذا بال.. إنك لم تزل باقياً في عتمتك التي تتكلم منها للعالم المضيء ولا أحد يراك! وكأنك لم تغّير من نهجك وقد تجاوزت الثمانين من العمر (اطال الله في عمرك) ! وكأنك لم تراجع نفسك ولو لمرة واحدة بعد كل هذا الذي اشعلته وتريد استمرار اشتعاله ! والاعتراف بالخطأ فضيلة يا ريت تجربها ولو لمرة واحدة، فما اطيبها من تجربة، وما اروعه من سلوك.. وتعلن للملأ اعترافك بما جنيت من اخطاء بحق غيرك وبحق التاريخ.. إنني لا أحاكمك سياسيا، فقد حاكمتك في "تفكيك هيكل" بما يكفي ويكفي حجمك السياسي في حياتنا العربية إبان القرن العشرين، ولكنني أحاسبك اليوم علي ما اقترفته وأنت لم تزل تكتب تاريخا مشوّها من دون ادراك للحقائق، بل تلوك كل ما سمعناه في القرن العشرين.. ومن دون أي شعور بالذنب كم من الصواب الاعتراف بأنك لم تعرف قراءة الوثائق إن كنت فعلا قد اطلعّت علي وثائق.. فضلا عن كونك لا تلم أبدا بتاريخ العرب الحديث ولا بتاريخ مصر الحديث.. ولم تعترف أبدا بأن ثمة مؤرخين عرباً ومصريين هم الذين يحملون مسئوليتهم العلمية وأمانتهم التاريخية تجاه الأجيال خصوصا، أن مصر بالذات قد انجبت افضل المؤرخين في النصف الأول من القرن العشرين، ولم يزل فيها البعض من أذكي المؤرخين المنصفين الذين لا يرون رؤيتك وهم يخالفونك حتما في كل هذا الوباء الذي تظهره علي شاشة قناة الجزيرة الفضائية.
وأخيراً، عذرا عما بدر علي لساني من خلل في بياني متمنيا للأستاذ محمد حسنين هيكل دوام الصحة والعافية وأن يمتعه بما تبقي له من عمر طويل بحسن الختام، فهل سننتظر منه في يوم من الأيام ورقة اعتذار ليس بحق الزعماء، بل بحق هذه الأمة التي تجّني عليها كثيرا وساهم في زرع الاحباط بنفوس أبنائها وغرس الاحقاد في عقول الناس.. كي يعترف ويقول للأجيال الجديدة كم ارتكبت من حماقات بحق تاريخهم ومستقبلهم.. فهل سيفعلها هيكل أم سيلوذ كعادته بالصمت الرهيب؟
وأخيراً: ماذا تقول وماذا نقول؟
تقول يا هيكل: "لا أزال واقفا أمام المشهد الذي أطل عليه جيلي وأطليت عليه مع جيلي وإن اختلفت مواقع الرؤي بينا، بيننا كما شرحت من رأي الغابة، من رأي الشجرة، من رأي الجيل، من رأي النار، بالنسبة لي في هذا الجيل أو ضمن هذا الجيل كان المشهد الذي لفت نظري هو كما شرحت أول حاجة القوي الأمريكية عن حافة الأفق، الحاجة الثانية كانت الأسر المالكة الثلاث الحاكمة في العالم العربي واللي واحدة علي الخليج وواحدة علي البحر الأبيض المتوسط، اللي هي مصر يعني وواحدة علي الخليج اللي هي السعودية وأخري دولة الهاشميين موجودة في الوسط ما بين بغداد وبين عمّان ".
إنني لم ازل أراك واقفا، ولكن ليس أمام المشهد بل تقف من ورائه، ولم تعرف كيف تطّل عليه أبداً! ليس لأنك قليل الخبرة أو الحذاقة أو المهارة في الصحافة والإعلام، بل لأنك قصير الرؤية وقريب النظر ,, وليست لديك اي ثقافة تاريخية عميقة أبداً! انك لا تعرف إلا أن تجد اوراقا أو صفحات تقرأ فيها من دون أن يكون بمقدورك أن تنجح في ربط نسيج الأحداث مع بعضها البعض.. كما أنك لا تميز بين البيئات التاريخية التي تختلف فيها جذور كل بيئة عن الأخري!
إنك قد تشبعّت بخطاب سياسي معين تركه الزمن منذ وقت طويل.. ولم تزل تحمل رواسب من يحب ومن يكره.. إن المؤرخ الحقيقي لا يعرف ذلك أبدا، فما دمت تكتب تاريخا معينا، ولنقل تاريخا عربيا حديثا، فمن بديهيات المنهج أن تعامل كل الاحداث والشخوص والأبطال والمواقع والافكار معاملة واحدة.. وأن تفرق في الاحكام، فأنت هنا ذلك المؤرخ الذي ينبغي أن يلتزم وألا يدخل نفسه طرفا في الموضوع الذي يبحثه.. في حين نجد السياسي أو حتي الإعلامي له المزيد من الحركة والمرونة.. فهل وعي الأستاذ هيكل الدرس؟
الحلقة المقبلة يوم الأربعاء
"الكاتب.. مفكر عربى عراقى مقيم فى كندا
وأستاذ فى جامعات عربية وأمريكية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.