مطلوب من طهران مبادرة جادة نحو العرب لبناء الثقة.. والتخلي عن الخطاب المزدوج : حسنا.. دعونا نصفق مع أصحاب النوايا الطيبة الذين يراهنون علي القوة الإيرانية لمساندة القضايا العربية, وهؤلاء قد تابعوا بسعادة بالغة ذلك الاستعراض المبهر للترسانة العسكرية التي باتت تمتلكها طهران وقد تزامن الاعلان عن احدث ما فيها من صواريخ وطائرات قاذفة بدون طيار وزوارق سريعة تستطيع اغلاق مضيق هرمز, تزامن ذلك كله مع الاعلان عن تشغيل مفاعل بوشهرلنووي وهو ما يرسم ملامح الدولة الكبري النووية في منطقة الشرق الأوسط.. ولكن.. الا يري أصحاب النوايا الطيبة أن الوقت قد حان لطرح مجموعة من الأسئلة الجادة المتعلقة بمستقبل العلاقات العربية الايرانية وهي التي تشهد تجاذبات عنيفة منذ اندلاع الثورة الخومينية خشية تطاير شظاياها إلي خارج حدودها علي خلفية مذهبية لا يمكن انكارها والتغاضي عنها.. لقد آن الأوان ودون انتظار مواقف الدول الكبري التي تنطلق مواقفها من مصالحها الذاتية بعيدا عن واقع الشعوب في المنطقة التي نعيش فيها وقد رأينا التردد والتضارب في الرؤية الأمريكية التي جعلت من بوشهر العلامة الفارقة في التعامل مع الملف الايراني فإذا بواشطن تسارع الي التهدئة قبل أيام بالقول ان لديها تأكيدات بأن هذا المفاعل لن يستخدم في انتاج الأسلحة النووية, ولا نعرف من أين جاءت هذه الثقة في الوقت الذي تتزايد فيه الشكوك حول النوايا الايرانية في ضوء تعاظم قدراتها العسكرية الي درجة غير مسبوقة حتي بالنسبة لبعض الدول الكبري. وبوضوح أكثر نقول اننا لا نحتاج إلي شهادة تزكية للسلوك الايراني من واشنطن أو غيرها, وإنما نحتاج إلي مواقف ايرانية معلنة وواضحة ولا تقبل التأويل بخصوص استراتيجيتها المستقبلية حتي يمكن للجانب العربي التيقن من حقيقة ما يجري علي حدوده... لقد طرحنا الأسبوع الماضي رؤية مفادها ان ايران تطالب بحقها في إدارة شئون العالم, وان أحمدي نجاد يتحدث بلغة الامبراطورية القديمة بعد أن امتلك علي ما يبدو مقومات احيائها من جديد.. ولا شك أن لإيران قدرات هائلة سواء في العنصر البشري أو الأقتصادي المتمثل في تدفقات النفط الهائلة, وقد استكملت ذلك بالتكنولوجيا العسكرية المتطورة التي تجعلها في مأمن من أية مغامرات تقوم بها إسرائيل وأمريكا وتفرض عليهما إعادة حساباتهما الف مرة قبل الاقدام علي عمل طائش ستكون له آثاره الكارثيه سواء في العمق الاسرائيلي أو في القوات والقواعد الأمريكية المنتشرة في الخليج. ولكن دخول ايران النادي النووي بعد افتتاح مفاعل بوشهر يعطي بعدا آخر له أهميته العظمي بالنسبة لدول المنطقة وخاصة دول الخليج.. وحتي نعود بالقضية إلي أصلها علينا القول ان إسرائيل تمتلك كما هو معروف اسلحة نووية والموقف العربي محدد وقاطع سواء فيما يتعلق بالانسحاب من الأراضي المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية وعودة اللاجئين أو غيرها من شروط إقامة السلام العادل الذي يمكن بعده النظر في العلاقات بين الدول العربية والدولة العبرية.. كما ان مسألة الحصول علي القوة النووية واقتلاع ترسانة عسكرية علي هذا النحو المتقدم ليس بالأمر الذي تنفرد به ايران وهناك الكثير من الدول التي سبقتها في الدخول إلي النادي النووي ومنها باكستان والهند وبقية الدول الكبري, والعرب يوظفون علاقاتهم مع تلك الدول وفقا للمصالح المشتركة وبدون أعراض جانبية مثيرة للقلق.. وهنا تحديدا نأتي إلي مجموعة الأسئلة التي يجب علي ايران الأجابة عنها بلغة واضحة ودون اللجوء الي الخطاب المزدوج الذي يحاول من ناحية بث الطمأنينة والتأكيد علي الالتزام بروح تفرضها علاقات الجيرة والاسلام والمصالح القائمة, وبين لهجة التهديد بقطع امدادات النفط وضرب القواعد الموجودة في الدول المجاورة من ناحية أخري.. ولعل السؤال الأول الذي يطرح نفسه الآن.. هل يمكن اعتبار هذه الترسانة العسكرية هي فقط لأسباب دفاعية ضد التهديدات الاسرائيلية والأمريكية, وإذا كان الأمر كذلك, لماذا الاصرار علي إعلان القدرة لإغلاق مضيق هرمز برغم ما يسببه ذلك من إضرار فادحة لاقتصاديات الدول الخليجية ووضعها علي خط المواجهة في حال اندلاع الحرب نتيجة سوء تقدير طرف من الأطراف.. وقد يصعب القبول بوجهة النظر الإيرانية في وجود أسباب دفاعية فقط بالنظر إلي هذا الكم الكبير والمتنوع من الصواريخ متعددة المراحل وبقية الأسلحة التي تضيف إلي مخزون المنطقة اعدادا هائلة من براميل البارود القابلة للانفجار في أية لحظة ولا تأخذ في الاعتبار موازين القوي بين الدول الخليجية والتي ترفض بدورها ان تضع مصالحها الاستراتيجية وامنها القومي رهينة لوجهة نظر حكام طهران ومدي قبولهم او عدم قبولهم لعلاقات دول الخليج مع بقية القوي الدولية. وعلي هذا نستطيع تأكيد ان القلق الخليجي يتزايد ازاء تنامي القوة الايرانية خاصة مع وجود حساسيات من نوع خاص كما هو حاصل بالنسبة للبحرين والامارات العربية المتحدة, حيث خرجت تصريحات ايرانية مسئولة تنادي بعودة البحرين لتكون احدي المحافظات الايرانية, وكذلك استمرار الاحتلال الايراني للجزر الاماراتية الثلاث وهي ارض عربية لا تقل عن مثيلاتها في فلسطينالمحتلة.. واذا اردنا ان نكون اكثر صراحة, تجب الاشارة إلي القلق الآخر والاخطر في تقديرنا والمتصل بعلاقة ايران بالاقليات الشيعية في الدول الخليجية في ضوء التجربة الحالية في العراق, وتنامي القوة الايرانية قد يعني تحريك تلك الاقليات كما حدث علي سبيل التجربة في اليمن, وبالتالي نكون امام مطلب واضح بان تكف ايران يدها ولاتحاول العبث في امن واستقرار الدول المجاورة لها علي نمط ما نسمعه من احباط محاولات من هذا القبيل في البحرين واكتشاف نقاط تنصت علي الحدود مع الكويت وغيرها من امور وقضايا قد تري الدول المعنية عدم الجدوي من اعلانها الآن.. وفي حالة المراجعة والمكاشفة بين طهران والعواصم الخليجية تبقي الحالة العراقية مربط الفرس والرهان في النوايا الايرانية في المستقبل, ولا يستطيع احد ان ينفي التدخل الايراني في الساحة العراقية والي المدي الذي يحرك الكثير من القوي السياسية علي ارض بلاد الرافدين وبحيث يصعب الوصول الي اتفاق سياسي يسمح بتشكيل الحكومة الجديدة فضلا عن بقية الاوضاع السياسية والاقتصادية المتردية في هذا البلد الشقيق. ومع تأكيد ان المسئولية الاولي لما يجري في العراق تتحملها الولاياتالمتحدة التي قامت بالغزو بعيدا عن الشرعية الدولية, الا ان الوقائع علي الارض تلقي بالمسئولية وبنفس القدر علي الجانب الايراني الذي استفاد من الاخطاء الامريكية ويحاول الابقاء علي الفتنة الطائفية والمذهبية التي استفحلت ووصلت الي حد تقسيم الشوارع علي اسس مذهبية في سابقة لم يعرفها العرب من قبل. ونقولها بكل الصراحة ان ايران تتحمل المسئولية الفعلية في تشويه وجه العراق العربي وان عليها ان ترفع يدها عن البوابة الشرقية للعرب حتي يعود للعراق رونقة وملامحه الاصيلة.. ولايمكن الانتهاء من الاجندة المشتركة بين العرب وايران دون الاشارة الي ملفين علي جانب كبير من الاهمية.. **الاول يتعلق بالقضايا العربية المصيرية التي يجب ان تظل اوراقها والقرارات الخاصة بها بين ايدي العرب انفسهم بلا وصاية وتدخل سافر من ايران أو غيرها, وهو ما يحدث مثلا في مسألة اتمام المصالحة الفلسطينية حيث يدرك الجميع التأثير الايراني علي سوريا وحماس لتعطيل جهود المصالحة بين الضفة وغزة ولاعادة الصف الفلسطيني الي سابق عهده وهو ضرورة بكل المقاييس خاصة ونحن علي ابواب جولة جديدة من المفاوضات المباشرة مع اسرائيل, وايا كانت النوايا الاسرائيلية, فإن علي العرب والفلسطينيين ان يذهبوا الي تلك المفاوضات وهم اكثر اتحادا وتماسكا تعزيزا للمفاوض الفلسطيني مع ضرورة الاشارة الي ان الاطراف الرافضة لتلك المفاوضات لم تطرح رؤية بديلة لها.. **الأمر الثاني يرتبط بالوضع في لبنان حيث يمثل حزب الله دولة داخل الدولة, وعلي الرغم من الجهود المبذولة للتهدئة وللحوار, الا ان ذلك لا يغير من المعادلة القائمة والتي تتجه الي الانفجار لحظة ان تقررايران ذلك وبتوجيه مباشر الي الشيخ حسن نصر الله الذي يرفض الاندماج في مؤسسات الدولة وبحيث تكون هناك مرجعيات شرعية لاتخاذ القرارات المصيرية وفي مقدمتها قرار الحرب وقرار السلام. ولن نتحدث عن ملفات اخري لها اهميتها وترتبط بايواء الجماعات الارهابية والتوجيه في الحملات الاعلامية التي تستهدف الدور المصري علي وجه التحديد, وذلك لان القاهرة في تقديري لاتري وجود مشاكل حقيقية عالقة مع طهران فلاتوجد حدود مشتركة او صراع وتنافس من اي نوع. ولكن مصر لا يمكن لها ان تغمض عينها عن التهديد المستمر لامن واستقرار دول الخليج, كما انها تضع العراق في مقدمة اولوياتها بالنظر الي انه دولة عربية تمثل رقما صحيحا في المعادلة الاقليمية, وكذلك الامر بالنسبة للبنان واليمن وغيرهما.. قد تتسامح مصر عن هفوات الآخرين في حقها اذا ما عادوا الي المنهج الصحيح في العلاقة المفروضة بين الشعوب المجاورة والتي تشترك في الكثير من المقومات والعوامل التاريخية التي تجمعها. ولكن الامر المؤكد ان مصر لا يمكن لها ان تتساهل ازاء عوامل خطر تلوح في الافق بسبب توجهات من شأنها صب الزيت علي النار في منطقة مضطربة معرضة للانفجار. وهكذا يكون علي ايران طرح مبادرة جادة تعالج كل الملفات المطروحة وتؤكد من خلالها بخطوات فعلية وليس بالكلام فقط ان القوة الايرانية والترسانة العسكرية لاتشكل تهديدا للعرب وللدول المجاورة, وانما هي للدفاع فقط, وهي المبادرة التي يجب ان تأتي اليوم.. وليس غدا..