باتت لدي المرشد العام للجمهورية الإيرانية علي خامنئي قناعة تامة بأن لغة الاستبداد السياسي وأدوات القمع وحملات التزوير والتنكيل الوحشي لا تصنع أو تبقي علي دول ونظام مستقر. ووفقا للعديد من التسريبات التي نقلت عنه وقيادات انصاره من فريق المحافظين في الدولة الإيرانية تصب في خانة انه لو كان يعلم حجم المأساة والأزمة الخطيرة التي ستظل تضرب جنبات النظام الإيراني, جراء موجة الاحتجاجات المتواصلة وفصول التجاذبات السياسية والأمنية الضيقة بفضل حركية وديناميكية قيادة المعارضة برئاسة مير حسين موسوي ومهدوي كروبي أصحاب الحركة الخضراء في طهران لما قبل خامنئي أو غضي الطرف عن تزوير الانتخابات البرلمانية في يونيو الماضي او التمسك بالتحدي والابقاء علي الرئيس أحمدي نجاد. أما علي صعيد الخارج فنذر المواجهة مع الغرب تقترب وساعة الحسم بشأن بقاء المشروع النووي الإيراني من عدمه تدق بوضع نهاية قريبة في ضوء انتهاء مقاربة الرئيس أوباما بشأن الهدنة التي قدمها للإيرانيين حتي آخر ديسمبر الماضي وفشل الدعوة الي حوار جاد وبناء للتلاقي بين البلدين لم تتلقفه طهران بجدية بل تعاملت معه طيلة الوقت بخفة وسارعت بوضع العراقيل والمغالات في الشروط والمطالب, ناهيك عن بدء نفاد صبر الأوروبيين, وفي الطليعة فرنسا وبريطانيا ومن ورائهما اسرائيل والتي تتحين فرص ساعة الصفر وتعد العدة لضربات استباقية ضد برامج ومنشآت المفاعلات النووية الإيرانية منذ عام في انتظار الضوء الاخضر الأمريكي والغطاء الاوروبي, الأمر الذي سينذر بتأزم وفلتان وتفجير أمني وعسكري جديد في الشرق الاوسط مازال العديد من دوله تتحسس مخاطره. ولذا باتت طهران تخوض بحق الحرب علي جبهتين في الداخل والخارج من الآن فصاعدا, حيث ستظل النتائج غير محسومة في الأفق القريب والنهايات مفتوحة. وبالتالي حسب رؤية خبراء السياسة والاستراتيجية بأن عام2010 سيكون عام إيران بامتياز. .. فالأزمة الداخلية الإيرانية ستتصاعد جذوة لهيبها خاصة بعد اعلان زعيم المعارضة حسين موسوي تمسكه بالشهادة والتضحية في سبيل التغيير في إيران والتمسك بالضغط علي قيادة النظام الإيراني لإنجاح مبادرته الجديدة ذات النقاط الخمس والتي تطالب في مجملها السلطة والحكومة في ايران بالاعتراف امام الشعب والبرلمان والسلطة القضائية بالاخطاء التي ارتكبتها منذ مسألة تزوير الانتخابات. فضلا عن مطالبته النظام الإيراني بالغاء كل القوانين الاستثنائية ووقف مجمل الممارسات الحالية والعودة للعمل في اطار القانون بجانب العمل الجاد لإعداد قانون جديد للانتخابات يضمن منع حالات التزوير والتلاعب بالاضافة الي تصميم موسوي وكروبي وكل انصار فريق المعارضة بسرعة وضع نهاية عاجلة لإطلاق سراح جميع المعتقلين والسجناء ووقف المحاكمات غير القانونية واحكام الاعدام الصادرة بحق شباب الثورة الخضراء مع التمسك بضمان حرية الصحافة والتعبير والسماح للصحف الموقوفة بالعودة مجددا للعمل. وآخر بنود مبادرة فريق الاصلاحيين الجدد هو التمسك بضرورة اعتراف النظام بحق الشعب في التجمعات القانونية والسماح للإضراب بالعمل الحر وفق القانون. .. ولكن هل يقبل نظام خامنئي وحكومة آحمدي نجاد بالتعاطي الايجابي مع هذه المبادرة؟ واقع الأمر والخبرات المتراكمة لسلطة الملالي في طهران يصب في خانة الرفض والايعاز في المرحلة المقبلة بمزيد من العنف والاعتقال لعناصر الشباب في فريق المعارضة الذين يشكلون وقود هذه الحركة مع البعد تماما عن الحبس أو الاعتقال لقيادات فريق المعارضة في ضوء الدخول الأمريكي والاوروبي عبر رسائل مزدوجة للنظام الإيراني وتحميله المسئولية تأمين حياة موسوي وكروبي والرئيس السابق محمد خاتمي وغيرهم. . حيث تخشي سلطة النظام الإيراني من الدخول في مواجهات مبكرة مع دول الغرب وتريد اعطاء مزيد من الوقت للوصول الي حلول توافقية بشأن برنامجها النووي وتجنب اعطاء الفرص والمبررات للغرب لإشعال فتيل الازمة الداخلية عبر توفير غطاء سياسي دولي لحركة المعارضة الخضراء ومن ثم فرض مزيد من العقوبات التي تدفع بالنظام الإيراني الي حافة المواجهة والتعجيل بها مع الغرب بشأن ساعة البرنامج النووي. إن تجربة بلون الاختبار الاخيرة التي سعت حكومة نجاد بإبراز قوة شكيمتها ونفوذها عبر نشر وتسريب العديد من الادعاءات والفبركات السياسية تجاه شخص موسوي والنيل من سمعة مهدوي كروبي واعتبارهما رأس الفتنة وعملاء لأمريكا والغرب واسرائيل لم يكتب لها النجاح, فضلا عن ممارسات السيطرة والاستحواذ وتضييق الخناق علي حريات وخيارات الشعب الإيراني التي جرت علي البلاد ويلات عديدة ابرزها حالة الانهيار والتراجع الاقتصادي وانخفاض مستويات المعيشة لغالبية افراد الشعب باستثناء فئة تجار البازار المقربين من سلطة القرار. في المقابل ايضا تبديد اموال الشعب الإيراني في دعم حركات ومنظمات مناوئة للعديد من العواصم والمصالح العربية بهدف تحسين شروط التفاوض الإيراني مع العرب بشأن البرنامج النووي واظهار ان طهران تسيطر علي كثير من المفاتيح وسلطة القرار والتوجيه بشأن قضايا الشرق الاوسط بهدف الحصول علي مقايضة أو مساومة مقبولة مع الغرب ومصالحة في الشرق الاوسط عندما يحين وقت التفاوض حول ملف البرنامج النووي. .. وباستمرار التحدي والصمود من قبل حركة الاصلاحيين وكسب ارضية وجماهيرية كل يوم في الشارع الإيراني تجد السلطة الإيرانية نفسها في مأزق ولم يعد أمامها سوي خيارين إما القبول بتقديم تنازلات عديدة لزعماء الاصلاح والقبول بالمبادرة الحالية لزعيم المعارضة حسين موسوي من خلال قواسم مشتركة والحد الادني من التفاهم حتي لا يظهر النظام الإيراني في صورة الضعيف وقد رضخ لأصوات وحركية قيادات الاصلاح أو اللجوء إلي الخيار الأسوأ المتمثل في سحق زعماء وقيادات هذا التيار وهو الأمر الذي سيجلب علي النظام كثيرا من الكوارث والخطايا ويؤدي الي مزيد من خسارة شعبه وسياسة لآيات الله وهو ما يحتاجون اليه في المعركة المقبلة مع الغرب بشأن الملف النووي في ضوء تزايد نذر الانذارات ورسائل الوعيد الغربية تجاه طهران, فضلا عن سياسة العزلة التي ستواجهها علي مستوي الاقليم والعديد من بلدان العالم. فهل يبادر المرشد العام خامنئي باعتباره صاحب الولاية والقرار الاول في طهران بطرح مبادرة ربع الساعة الاخير لإنقاذ ايران والحفاظ علي قدسية ولاية الفقيه قبل ان ينفرظ العقد في إيران سواء عبر التضحية بحكومة نجاد أو عقد مصالحة وطنية شاملة تستلزم تقديم تنازلات مؤلمة؟ هذا ما تجيب عنه دهاليز المشهد السياسي خلال الايام المقبلة في طهران مع أستمرار تصاعد التوتر وتشنجات الخطاب السياسي كما هو الآن.