عادت منافسات مونديال كأس العالم رقم 91 التي تجري رحاها في جنوب افريقيا تشهد حالة من التراجع والتردي في يومها الثالث وتسبب هذا التدني في احباط الملايين من الجماهير الرياضية التي كانت تمني انفسها بتناول وجبات فنية دسمة في المباريات التي جرت يوم الأحد الماضي في إطار المجموعتين الثالثة والرابعة.. انخفض المستوي الفني من جديد ليحاكي نفس المستوي الذي جري في اليوم الأول مع اختلاف الاسماء والمنتخبات ولولا الحالة الجيدة والمستوي الطيب الذي بدا عليه المنتخب الألماني وتعملق وتفوق الماكينات وتسيدها وسيطرتها علي أغلب فترات ومجريات اللعب في المباراة الأخيرة التي جمعتهم بالمنتخب حديث العهد وقصير المشوار وهو المنتخب الاسترالي لخرجت هذه الملايين من متابعاتها لليوم الثالث من المونديال صفر اليدين. اصطدمت الجماهير العربية بالهزيمة غير المتوقعة التي واجهها ممثلها الوحيد في المونديال والتي قد تؤثر في مسيرة مقاتلي الصحراء وتتسبب في خروج المنتخب الجزائري مبكرا وربما عقب انتهاء الدور التمهيدي مباشرة.. وتضاعفت اثار الصدمة وزادت الآلام المحبطة بين العرب ان الهزيمة نجمت من خطأ قاتل وساذج ارتكبه الحارس المجتهد فوزي الشاوشي عندما اخفق في التصدي لتسديدة بعيدة المدي متوسطة القوة أطلقها روبرت كورين لاعب سلوفينيا ارتطمت بالارض قبل ان تصل لشاوشي الذي ارتمي عليها بطريقة خاطئة لا يمكن ان يؤدي بها حارس مبتديء.. ورغم ان المباراة في مجموعها لم ترق من حيث الفنيات إلي المستوي اللائق لممثلي العرب الوحيد وما يضمه من لاعبين محترفين بأوروبا ولا حتي بأحد المنتخبات الأوروبية التي اقصت في التصفيات بعض المنتخبات العريقة والكبيرة أمثال منتخب روسيا.. الاداء كان هزيلا والعرض كان ضعيفا والتحركات كانت عشوائية وارتكب اللاعبون بعض الحماقات الخشنة التي أدت إلي تعرضهم لانذارات وتسبب الاندفاع الحماسي الذي بدا عليه عبدالقادر غزال في حصوله علي بطاقتين صفراويتين في فترة قصيرة عندما شارك في الشوط الثاني وخسر الفريق لجهوده.. الغريب ان منتخب سلفوفينيا الذي شارك في المونديال بضربة حظ أو محض الصدفة اعتلي قمة المجموعة الثالثة برصيد ثلاث نقاط متقدما ومتفوقا علي منتخبي إنجلترا وأمريكا اللذين بديا في مباراتهما الأولي من هذه المجموعة بصورة أفضل وقدما عرضا أسرع وأقوي ويستحق كلاهما ان يتأهلا عن المجموعة.. وتعالوا نستعرض بعض الظواهر ونستنبط بعض الدروس والعظات من منافسات اليوم الثالث. يبدو ان رهبة المونديال والاعداد الكبيرة من الجماهير المتحمسة من مختلف الجنسيات والألوان والانتماءات التي ملأت جانبا كبيرا من المدرجات اثرت في أداء اللاعبين خاصة في المنتخبات الأربع اطراف المباراتين الأوليين.. وباستثناء اسامواه لاعب غانا المحترف برين الفرنسي لا نستطيع ان نتوقف عند مهارة واضحة أو موهبة فذة أو أداء خططي طيب.. بل لعل اسامواه كان يستطيع ان يستقطب المزيد من الأضواء والكثير من الاهتمام لو ان الحظ سانده في التسديدة القوية التي اطلقها وارتطمت بالقائم وابتعدت عن الشباك.. وإذا كان هذا جائزا مع بعض الوجوه الحديثة التي قد تصاب »بالخضة« من رهبة المونديال وكثرة الجماهير في المدرجات.. فما عذر النجوم الكبيرة التي تعودت علي المشاركات الدولية مع أندية أوروبا أمثال نذير بالحاج ورفيق صيفي وكريم مطمور وحتي عبدالقادر غزال.. وما اعذار نجوم سلوفانيا وصربيا وغانا المنتشرين في كل انحاء أوروبا ولديهم مشوار طويل وعريق مع الاحتراف. لم تتوقف الاخطاء القاتلة التي اثرت في نتائج المباريات وتسببت في هزيمة بعض المنتخبات علي حراس المرمي فقط بل لعل العدوي انتقلت من روبرت جرين الانجليزي وفوزي الشاوشي الجزائري إلي المدافع الصربي كوزمانيفيتش الذي لولا لمسه اليد »العبيطة« التي اداها بصورة هزلية تمثيلية غريبة لما خرج فريقه مهزوما بالهدف الوحيد في المباراة بعد ان احتسب الحكم ضربة جزاء عليه ومنحه بطاقة صفراء مستحقة.. وشارك عبدالقادر غزال في قائمة مرتكبي الاخطاء القاتلة لانه ايضا أوقف الكثير بيده وكان بمقدوره تركها دون اللحاق بها ولم يكن هذا مؤثرا في سير المباراة.. وحتي اللاعب الاسترالي تيم شيل الذي تعرض للطرد مباشرة بعد ان زادت خشونة لحد العنف المزموم فلم يتردد الحكم في ابراز الكارت الأحمر له وخسرت استراليا جهوده قبل مضي ثلث ساعة من الشوط الثاني وضاعفت هذه الخسارة من ثقل الهزيمة التي تعرض لها الاستراليون ولولا الجهد الكبير الذي بذله زملائه لجاءت قياسية وبعدد كبير من الأهداف. ظهر بعض حراس المرمي بصورة طيبة وأثمرت جهودهم عن حماية الشباك من الاهتزاز من فرص خطيرة متعددة.. من بين الحراس المجيدين ريتشارد لينجستون حارس غانا الذي كان يقظا وبدا بصورة مركزة حتي النهاية.. ورغم الرباعية التي دخلت مرمي استراليا غير ان حارسها شوارزر كان خفيف الحركة وتحلي بالمرونة والكفاءة وتصدي للعديد من الكرات التي أطلقها النجوم الألمان أمثال كلوزه وكاكا وسامي خضيرة. أما الحارس الألماني العملاق مانويل نوير وهو حارس مرمي نادي مشاكله ورغم ان مرماه لم يتعرض لخطورة محققة غير انه تحلي بسرعة تلبية ويقظة كاملة.. ولا يجب ان نغفل مهارة الحارس هاندانوفيتش حارس سلوفينيا الذي تصدي بكفاءة للهجمات الجزائرية حتي مع الاحتراف بضعف نهاياتها ونورد حدوثها. أصدر المنتخب الألماني »فيتو« وأعلنت الماكينات عن دوران »ماتورتها« بقوة حتي وان لم تبلغ الحد الأقصي من الدوران.. غير ان »الفيتو« الذي أطلقته اخاف كل المنتخبات الطامحة في الفوز بالبطولة وبلوغ الأدوار النهائية.. حقق الألمان فوزا قياسيا لم تسجله منافسات المونديال في الأيام الثلاثة الأولي.. وشكلوا خطورة مستمرة علي المرمي لاسترالي واطلقوا بعض الصواريخ القوية الدقيقة هزت الشباك برباعية ولولا سوء التوفيق الذي واجه كلوزه وخضيرة وكاكا لتضاعفت النتيجة.. غير ان الأهداف علي كثرتها لم تكن هي مثار الاعجاب بالألمان.. وانما الوعي الخططي والانتشار الجيد في كل ارجاء الملعب والضغط الدفاعي بالمجموعات والانطلاق السريع عند الاستحواذ والاستخلاص الفوري للكرات بمجرد افتقادها.. كل هذه الأمور تجلت بوضوح في الأداء الألماني بالرغم من ان المدير الفني بواخيم لوف حرص علي اشراك بعض اللاعبين البدلاء في الشوط الثاني عندما اطمأن للنتيجة ووثق في عدم قدرة المنافس علي اللحاق به.. ويمكن التأكيد علي ان الألمان يستحقون التأهل للادوار النهائية ومن حقهم ان يطمحوا في الفوز بالكأس العزيزة.