مرت امس الذكري الثالثة والأربعين لعدوان 5 يونيو 7691. انتصرت اسرائيل في تلك الحرب، هزمت مصر والاردن وسوريا، واستولت علي سيناء وغزة والضفة الغربية والقدس الشرقية وهضبة الجولان. وبدأ حينئذ ان اسطورة اسرائيل الكبري من النيل الي الفرات في طريقها الي التحقق! في ذلك اليوم، انكسرت قلوب، وتصدعت نفوس، وتحطمت احلام، وانهارت جبال من أمنيات طالما داعبت وجدان الانسان العربي من المحيط الي الخليج! ما أسهل في ذكري هذا اليوم الكئيب، ان نقف نبكي علي الاطلال، أن نشق الجيوب، ونلطم الخدود، ونسب أبا خاش العرب المتواطئة والعرب الخائنة ونستمطر اللعنات علي رءوس اولئك الذين قادونا الي الهزيمة، باهمال مريع منهم وبغفلة وسوء تقدير. لكن ما أصعب أن نستحضر أسباب الهزيمة، ونستخلص منها الدروس ونأخذ العبر، حتي لايتكرر ماجري في التاسعة من صباح يوم الخامس من يونيو عام 7691. يصعب فعلا في هذه المساحة حصر دروس عدوان 5 يونيو، علي أن أهمها في رأيي يتلخص في النقاط السبع التالية: ألا ننساق الي حرب لم نستعد لها ولم نحدد نحن اهدافها، وألا ننجر الي معارك لم نختر توقيتها ولامسرح عملياتها. ألا نأنس إلي نوايا اسرائيل أو نركن الي وجود معاهدة سلام معها. فلولا نصر اكتوبر ماوقعت اسرائيل علي المعاهدة وما انسحبت مما تبقي من سيناء. ولولا قوة جيش مصر ماصمدت معاهدة السلام وماقمعت اسرائيل اطماعها في الارض المصرية.. الي حين! أن تدرك ان العدوان هو دائما قرار من طرف واحد، وان الضعف يغري بشن العدوان. ان نحتفظ لقواتنا المسلحة بقدرتها علي الدفاع والردع، وان نوفر لها كل مايلزم لتستطيع هزيمة النوايا العدوانية قبل ان تتحول الي فعل وتتمكن من احباط اي عدوان قبل أن تدور آلاته. الا تتغافل عن حقيقة ان اسرائيل تعتبر مصر الخطر الاكبر علي اطماعها بل علي وجودها، لذلك فإنها لا تنفك تخوض الحرب ضد مصر بوسائل أخري غير القتال، ومن ثم فإن تضافر عناصر القوة المصرية وتعزيزها امر لاغني عنه من أجل إلحاق الهزيمة بمخططات اسرائيل في غير مسارح العمليات. أن نعلم ان المفاوضات هي فصل النهاية لاي معارك قتال، وان السلام لايتحقق اذا كان الخيار الوحيد لطرف دون الآخر، ولايصمد اذا اختل التوازن بين الطرفين وأن تحطيم اسطورة اسرائيل الكبري، قد يتم علي مائدة التفاوض بأكثر مما قد يحدث في ساحات المعارك، وهو ماثبت مما جري بعد حرب اكتوبر. ان نتأهب للحرب كأنها تقع غدا، اذا أردنا للسلام أن يدوم ابدا. .... برغم كل مايدور من حولنا وبالقرب منا، لاتساورني اي شكوي في أننا قد استوعبنا دروس نكسة يونيو.. نحن الآن اشد حذرا وحيطة ووعيا مما كنا يوم الخامس من يونيو، وأكثر قوةبمراحل مما كنا يوم السادس من اكتوبر.. فلم نعد اسري لهزيمة تجرعناها، ولانعيش سكاري بنصر حققناه.