جاء الهجوم الإسرائيلي علي قافلة الحرية في البحر المتوسط قبل أيام من الذكري الثالثة والأربعين لحرب يونيو 1967 ليقدم هذا التوافق الزمني تفسيرا للهجوم الوحشي الإسرائيلي علي نشطاء الإغاثة الدولية من المدنيين العزل الذين انحصرت جريمتهم في محاولة مد يد العون الإنساني لمليون و 700 ألف فلسطيني يعيشون تحت الحصار الإسرائيلي في غزة منذ أكثر من ألف يوم. والحقيقة ان اخطر نتائج حرب يونيو 67 لم تكن هي الانتصار الإسرائيلي الخرافي علي ثلاث دول هي مصر وسوريا والأردن و لم تكن أيضا هي احتلال اسرائيل لسيناء ومرتفعات الجولان والضفة الغربية والقدس الشرقية . الكارثة الكبري الحقيقية كانت هي الوهم الذي سيطر علي الإسرائيليين منذ ذلك الحين وجعلهم يعتقدون ان القوة العسكرية الغاشمة هي الحل لأي مشكلة تواجههم مهما كان حجمها وأن بوسعهم ارتكاب كل الجرائم دون خوف من ان تطالهم يد العدالة. ونتيجة لهذا المفهوم الأحمق تحولت الدولة العبرية الي مجرد ماكينة لقتل الأطفال والنساء والمدنيين العزل وتجاهلت إسرائيل الآليات الأخري لحل المشكلات والنزاعات بما في ذلك القوانين والمعاهدات والمؤسسات الدولية. وأصبح الجيش الإسرائيلي هو المؤسسة الوحيدة المكلفة بمعالجة أي ازمة أو مشكلة تواجهها اسرائيل مهما كانت تافهة ومهما كان حلها ممكنا من خلال أي مؤسسة اخري دبلوماسية أو مدنية! وقد كانت هناك فرصة كبري لعلاج الإسرائيليين من مرض غطرسة القوة الذي أصابهم بعد انتصارهم الأسطوري في حرب يونيو وكانت هذه الفرصة بالتحديد هي حرب أكتوبر 1973التي اثبتت للجميع ان القوة العسكرية الإسرائيلية لن تستطيع ان تحقق لها الأمن المنشود ما دامت تغتصب حقوق الاخرين. ووصلت الامور الي حد استغاثة جولدا مائير رئيسة وزراء اسرائيل بواشنطن لكي تنقذ بلادها .. وجاء التدخل الأمريكي في المرحلة الأخيرة من حرب اكتوبر لكي ينقذ اسرائيل من هزيمة ساحقة كانت تستحقها ويحرمها في نفس الوقت من فرصة إدراك حجم الوهم الذي عاشته بعد حرب 67 و العلاج من الامراض النفسية التي اصابتها بعد هذه الحرب. هكذا، تمسكت اسرائيل بمنطق القوة العسكرية وساعدها علي ذلك حالة الضعف العربي وإنحياز الغرب الأعمي لها والذي كان بمثابة درع يحميها من سيف العدالة . وكانت النتيجة هي تحولها الي دولة فوق القانون تعتقد ان لديها تصريحا مفتوحا بالقتل علي طريقة الجاسوس البريطاني الشهير جيمس بوند!. والسؤال الآن ... هل يمكن أن تشفي إسرائيل من أمراض جنون العظمة و غطرسة القوة بكل ما تشكله من أخطار علي الآخرين وعليها أيضا؟ الإجابة التي يقتنع بها الكثيرون هي ان إسرائيل ربما تكون بحاجة لدرس آخر علي طريقة اكتوبر 1973و لكن بشرط ان تحصل علي جرعة الدواء كاملة دون ان تتدخل أمريكا أو غيرها لإفساد العلاج.