بعض القضايا البعيدة عن اهتمامات الناس الآنية، لا تحظي بالاهتمام الجماهيري والاعلامي، إلا اذا -لا قدر الله- حدث إخفاق ما في معالجتها -حتي لو كان جزئيا- سن الاعلام من صحافة وتليفزيون أسنانه خاصة من أعلام لطم الخدود ودعاة اليأس والاحباط، سواء كان إعلاما مصريا أو عربيا. ويجعل مما حدث كارثة وإضافة للفشل المصري، وانتهاء الدور المصري وغيره من الجمل والتعبيرات التي ما أنزل الله بها من سلطان.. ويقود الاعلام حملة تجعل من أي موضوع حديث الساعة بين عامة الناس.. أما اذا حققنا نجاحا، فلا حس ولا خبر ولا كأن شيئا حدث. وهذا بالضبط ما حدث علي نجاح الدبلوماسية المصرية في حربها الشرسة التي خاضتها علي مدي ثلاثة أسابيع في المؤتمر الدولي لمراجعة معاهدة منع الانتشار النووي. نجاحا غير مسبوق لمصر في مواجهة امريكا وأوربا للوقوف في وجه المطالب المصرية والعربية في المؤتمر. قادت مصر والجهود الدبلوماسية بتنسيق عربي كامل، باعتبارها رئيس حركة عدم الانحياز ورئيس تحالف الأجندة الجديدة وهو تكتل دولي يعمل لإحراز التقدم في مجال نزع السلاح النووي. كانت أهداف مصر ثلاثة مطالب محددة.. أولا.. التأكيد علي أهمية تحقيق عالمية المعاهدة ومطالبة الدول غير المنضمة اليها ومن بينها إسرائيل، بالانضمام اليها وإخضاع جميع منشآتها النووية للرقابة الدولية.. ثانيا.. التمسك بالحق المطلق والأصيل للدول غير النووية في تطوير برامجها النووية السلمية. ورفض أي محاولة لتقييد هذا الحق أو فرض مشروطية عليه.. ثالثا تبني خطوات عملية لبدء المفاوضات حول أخلاق الشرق الأوسط من الاسلحة النووية ورفض أي محاولة للالتفاف علي القرار الدولي في هذا الشأن أو تأصيله. هذه الأهداف الثلاثة وقفت امريكا والدول النووية وأوربا لها بالمرصاد.. واستمرت المفاوضات في سجال حاد يصل الليل بالنهار. خط ساخن بين السفير ماجد عبدالفتاح مندوب مصر في الأممالمتحدة ووزير الخارجية أحمد أبوالغيط وغرفة مشورة من أكفأ رجال الدبلوماسية المصرية، ومتابعة دقيقة من القيادة السياسية، حتي كسبت مصر المعركة الدبلوماسية الشرسة، وحققت كل الأهداف الثلاثة في خبطة واحدة. ولو كنا حققنا نصف هذا لكان ذلك إنجازا غير مسبوق. وتوج ذلك كلمة الموافقة علي اقتراح مصر بعقد مؤتمر دولي عام 2102 لوضع الآليات وبدء تنفيذ قرار المؤتمر منذ 51 عاما بإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وإصرار مصر علي ذكر اسرائيل بالاسم وضرورة انضمامها للمعاهدة وإخضاع منشآتها للتفتيش الدولي. اسرائيل رفضت كل القرارات ووصفت امريكا والمؤتمر بأنه رضخ لمطالب مصر والرئيس الامريكي باراك أوباما أعرب عن خيبة أمله والأسف لذكر اسرائيل، ولكن الأسف الحقيقي هو تلون المواقف الامريكية المتقلبة حسب مصلحة اسرائيل، وفقدان الذاكرة للادارة الامريكية في تناقض مواقفها بسعيها لرفض بنود تبنتها ادارة الرئيس بيل كلينتون عام 5991 وفي دورته الرئاسية الأولي، وهي البنود الخاصة بذكر اسرائيل واخلاء منطقة الشرق الأوسط.. والغريب تناقض الموقف الامريكي مع الدعوة التي يتبنها أوباما نفسه بالمبادرة التي أطلقها العام الماضي لاخلاء العالم من أسلحة الدمار الشامل ويبدو أنه كان يريد اخلاء العالم ليبقي علي اسرائيل كقوة نووية وحيدة حينذاك. ولكن اذا جاءت هذه المواقف الاسرائيلية والامريكية لخدمة مصالحها.. فما هي مصلحة الاعلام المصري في تجاهل هذا النجاح الدبلوماسي الكبير.. أم اننا نريد ان ننجر فقط لأي ضربة تفتعلها قناة الجزيرة ضد مصر.. هل هو جهل.. أما تعمد والسببان كارثة إعلامية!