تحتاج جماعة الاخوان المسلمين الي وقفة للمراجعة تركز علي البحث في فقه مآلات الافعال (نتائجها) الذي يعد ضابطًا هاما في استشراف المستقبل، وتَوَقُّعِ النتائج المترتبة علي العمل، ومن ثَمَّ الحكم عليه إمّا بالقبول أو الرفض. فالوضع جد خطير، وهو يتعلق بمصيرالوطن، ليس فقط فيما يتعلق بالجمعية التأسيسية للدستور او انتخابات الرئاسة، ولكن الحاجة الي اجتماع الامة بأسرها علي الرضا العام - وهو مقصد أعلي من التوافق- علي هوية الدولة، دستورها ورئيسها.وفقهاء الامة الاسلامية لهم اسهامات رائعة في دراسة فقه نتائج الاعمال أو المآلات. يري الشاطبي أن : "النظر في مآلات الأفعال مُعْتَبَرٌ مَقْصُودٌ شَرْعًا، سواءٌ كانت الأفعال موافقةً أو مخالِفَةً، وذلك أنّ المجتهد لا يحكم علي فعلٍ من الأفعال الصادرةِ عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلاّ بعد نَظَرِهِ إلي ما يؤول إليه ذلك الفعل، فقد يكون مشروعًا لمصلحةٍ فيه تُسْتَجْلَبُ، أو لمفسدةٍ تُدْرَأُ.. ولكنّ له مآلا (نتيجة) علي خلاف ما قُصِدَ فيه. وقد يكون غيرَ مشروعٍ لمفسدةٍ تنشأ عنه، أو مصلحة تندفع به، ولكنَّ له مآلا علي خلاف ذلك، فإذا أُطْلِقَ القول في الأول بالمشروعية، فربما أدي استجلاب المصلحة فيه إلي مفسدة تساوي المصلحة أو تزيد عليها، فيكون هذا مانعًا من إطلاق القول بالمشروعية. وكذلك إذا أُطْلِق القول في الثاني بعدم المشروعية ربما أدي استدفاع المفسدة إلي مفسدةٍ تساوي أو تزيد، فلا يصحُّ إطلاق القول بعدم المشروعية، وهو مجالٌ للمجتهد صَعْبُ الْمَوْرِد، إلا أنه عَذْبُ المذاق".. فإذا كان تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور بالشكل الحالي محصن بمشروعية يعتقد أعضاؤها انها تؤدي الي تحقيق المصلحة، الا انه تبين انها آلت الي مفسدة أكبر، فيكون هذا مانعا لمشروعية الجمعية، ثم اذا رفضنا اراء الليبراليين واليساريين علي اساس عدم مشروعية رفضهم للجنة الدستور، بقاعدة دفع المفسدة، فقد يؤدي ذلك الي مفسدة أكبر ومن ثم لاصحة هنا للقول بعدم مشروعية رأي هؤلاء. . راجعوا ربما أكون علي خطأ وتكونون علي صواب أو العكس ، لكنه في كل الاحوال لا خير فينا ان لم نقلها، ولا خير فيكم ان لم تسمعوها . (2) الحمد لله الذي من عليّ بنعمة الزهد في الدنيا، وبكل ما في يد الناس من مناصب أو مال، أو نفوذ. سرت في الحياة بحديث نبينا " ازهد في الدنيا ،يحبك الله ،وازهد فيما عند الناس، يحبك الناس" وبالتالي أرحت واسترحت، وتصالحت مع نفسي والآخرين. وحين غادرت منصبي عام 2005 كرئيس لتحرير "أخبار السيارات" وأراد بعض زملائي الأفاضل مواساتي، قلت: يحزن علي ضياع المنصب أحد اثنين: من قدم تنازلات ليحصل عليه، والمتربح منه. وأحمد الله انني لم أكن احد هذين . كما أحمده لانه ملأ عيني بالمناصب، فلم أعد في حاجة الي المزيد . لم أرد أن أزكي نفسي بهذه المقدمة وأعتذر للقاريء عنها، لكنني رأيتها مهمة لما سيأتي في السطور القادمة، حتي لا يظن أحد بي ظن السوء. وكي أخرج من الخاص الي العام أقول انني انزعجت كثيرا من انتقاد وكيل نقابة الصحفيين السابق للشروط التي وضعها مجلس النقابة لاختيار رؤساء مجالس الادارات ورؤساء تحرير الصحف، حقيقة انني اري هذه الشروط قاصرة ، الا أن هذا لم يكن سبب انزعاجي بقدر انتقاد وكيل النقابة السابق لبعض الشروط ، فقد كتب منتقدا شرط عدم اشتغال اي مرشح لمنصب بجلب الاعلانات ،وكانت حجته ضعف مرتبات الصحفيين، وتساءل: وهل تريدون للصحفي أن يعمل علي تاكسي؟" ولعل هذه الحجة كانت التكأة لشيوع الرشوة والفساد طوال عصر مبارك .ونسي زميلنا القاعدة الفقهية أن"من لا يستطيع الزواج، لا يحل له الزنا"، ولعل اشتغال الصحفيين بجلب الاعلانات كان من ابرز ملامح الفساد الصحفي، فكيف ستنتقد وزيرا او رئيس بنك او هيئة ، اذا أخطأ، وهو يعطيك صفحة اعلانية، يعلم انك ستحصل مقابلها علي عمولة قدرها الاف الجنيهات،عملا بالمثل"احصل علي العمولة، يستحي القلم". العذر الوحيد الذي قد ألتمسه للبعض من الزملاء، اننا شهدنا عصرا ماضيا ربط فيه بعض رؤساء مجالس الادارات ، الحصول علي العلاوات بجلب الاعلانات.ترحمت وقتها علي روح استاذ الاجيال :جلال الدين الحمامصي، وكان من دروسه الأولي في كلية الاعلام ان" زواج التحرير من الاعلانات، باطل، لأنه يفسد الاثنين". وهو فعل مجرم بقانون نقابة الصحفيين. وكان حقا علي زميلنا أن ينتصر لقانون انتخب بمواده وكيلا، لا أن ندوسه، فقد ولي هذا الزمن. وأبلغ دليل علي ذلك ما كتبه قبل الثورة بسنوات الكاتب الكبير فهمي هويدي عن الصحفيين الذين صنعوا ثرواتهم المليونية من جلب الاعلانات، وطالب بإحالتهم الي التحقيق، فإذا بالنقابة تحقق مع فهمي هويدي!! أفهم أن يطالب زميلنا بزيادة رواتب الصحفيين الي الحد الذي يكفيهم ويعصمهم من اللجوء الي جلب الاعلانات بدلا من تبرير غير الشرعي. من الشروط الاخري للتعيين في المناصب الصحفية، التي هاجمها زميلنا ،عدم اشتغال الصحفي كمستشار للوزراء او المسئولين او رجال الاعمال ، وهي احدي آفات المهنة التي يجب أن تتطهر منها ، كان الاستاذان مصطفي وعلي أمين يتندران علي الصحفيين المتشيعين لوزارتهم أكثر من تشيعهم لجريدتهم بالقول إن فلانا أصبح مندوبا للوزارة في الجريدة، والاصل أن يكون الصحفي مندوبا للجريدة في الوزارة، ولم يعش الاستاذان حتي يريا بعض الصحفيين قد تجاوزوا هذا الخطأ الي خطيئة العمل كمستشارين للوزراء ورجال الاعمال، ولا يستحون أن يقدموا كروت تعريفهم بهذه الالقاب، ومنهم يتخذ من الوزارة مكتبا دائما له. في النهاية نقول ان من كان يهاجر الي استشارة يؤديها او اعلان يجلبه ،فهجرته الي ما هاجر اليه، ومن كان يهاجر لخدمة القارئ، فهجرته الي الله الذي سخر هذا القارئ ليدفع له راتبه.