ان حالة الجدلية السياسية التي تشهدها البلاد وفوضي الاصوات الزاعقة انما هي انعكاس لتضارب المصالح الخاصة والصراع علي انتزاع السلطة وانعدام الرؤي التوافقية بين جميع القوي السياسية ومحاولات سافرة للتدخل في رسم معالم خريطة التحول الديمقراطي لخلق ممر آمن للوصول الي سدة الحكم بعيدا عن اي منافسة جادة بين جميع القوي اللاعبة علي مسرح الاحداث. اذ يسعي كل طرف لبسط نفوذه من خلال نظرياته الايدلوجية وعقائده المذهبية ومنابره الاعلامية وصولا لتحقق مكاسبه السياسية دون ادني اعتبار للمصلحة العامة للبلاد او تهيئة المناخ المناسب لخوض التجربة الديمقراطية الوليدة وهو ما انعكس اثره علي حالة الارتباك السياسي التي صاحبت اختيار النظام الانتخابي الذي وضعه المجلس العسكري فكانت بدايته خمسين في المائة للقوائم الحزبية وخمسين في المائة للمقاعد الفردية للمستقلين وازاء ضغط القوي الكرتونية تم تعديله الي الثلثين للقوائم والثلث للفردي ولم تسلم نسبة المستقلين من الطمع السياسي فتم السماح للاحزاب بالترشيح فيها.. واصبحنا امام تقسيم تركة شاغرة لا وارث لها كل يدعي احقيته بها الامر الذي يهدد برلمان الثورة بالرحيل ويجعله محلا للطعن لشبهة عدم دستورية ذلك النظام الانتخابي الذي بني عليه وقد بدت نذر ذلك البطلان تلوح في الافق حيث احالت المحكمة الادارية العليا بعض مواد قانون الانتخابات الي المحكمة الدستورية العليا استنادا الي مبدأ الاخلال بالمساواة بين المرشحين حيث سمحت مواد ذلك القانون لمرشحي الاحزاب بالترشح ايضا علي المقاعد الفردية فضلا عن اختصاصهم بثلثي مقاعد البرلمان وهو ما يعد اهدار لمبدأ تكافؤ الفرص. لا سيما وان هناك سابقة قضائية في ذلك الصدد اذ قضت المحكمة الدستورية العليا عام 1990 ببطلان مواد قانون الانتخابات لاخلاله بمبدأ المساواة بين المرشحين الفردي والقوائم وعلي اثرها تم حل البرلمان 1987 وهو ما يقود البلاد الي حالة من الصراع الفقهي في حالة قبول ذلك الطعن هل يقف اثره علي المقاعد الفردية التي شاركت فيها الاحزاب فقط ام يمتد الي جميع المقاعد الفردية كافة باعتبارها وليدة قانون باطل ام سوف ينال من البرلمان برمته باعتبار ان الاغلبية الغالبة للمصريين غير منتمين لاحزاب وان المقيدين بها نسبة لا تتعدي خمسة ملايين مواطن تقريبا لا سيما وان الاصوات والحركات التي دعت الي تلك التعديلات قد عجزت عن تكوين احزاب سياسية حتي تكتسب الشرعية ومن تمكن منها فشل في الحصول علي المقاعد الكافية حتي نعلم ماهية الوزن النسبي لها في الشارع المصري تتحدث باسمه دون تفويض لها بذلك. ولا يتسع ذلك المقام لأية موائمات حيث ان القضاء يتعامل مع هذه القضايا من منظور قانوني وموضوعي مجردا عن جميع الاعتبارات السياسية البحتة. وهو ما يهدد بوأد اول تجربة ديمقراطية حرة شهدتها البلاد وضياع اولي ثمار ثورة 25 يناير ويلقي بظلال البطلان علي ما سوف يصدره البرلمان من تشريعات تعلقت بها أبصار المصريين لاعادة ترتيب اوضاع البيت من الداخل واصلاح مرافق البلاد وتشكيل اللجنة التأسيسية المختصة بوضع الدستور وما سوف يصدر عنها الامر الذي يعود بنا الي نقطة البداية ويهدر ما تم من نفقات ووقت وجهد ويمهد الطريق لاطالة الفترة الانتقالية وخلق حالة من الفراغ السياسي ولمزيد من الانقسامات والصراع علي السلطة وتردي الاوضاع الاقتصادية. ان تلك القوي السياسية الهلامية مسئولة عن حالة الارتباك السياسي التي تشهدها البلاد وتشتيت الرأي العام لتحقيق مصالحها الخاصة وهو ما يفرض عليها تجنب المسارات التصادمية لاعلاء مصلحة الوطن وتبني اتجاهات توافقية مع باقي القوي الفاعلة والشارع المصري وصولا لبناء ديمقراطي تكاملي يمثل جميع التيارات السياسية والوطنية بما يسهم في بناء ديمقراطية مصر الحديثة ويلبي طموحات ما بعد الثورة ويصب في مصلحة الوطن.