د. الشوادفى منصور شريف بتاريخ21سبتمبر عام 2000 نشرت صحيفة الاخبار مقالا لي بصفحة الرأي للشعب " المنحة الامريكية.... هل لها مقابل " عقب مقال تمتع كاتبه الصحفي الامريكي ريدمان بجليطة وعجرفة من خلال حملة غوغائية علي مصر مهددا بالغاء المنحة الامريكية والتي تتمثل في مبلغ 1300 مليون دولار معونة عسكرية و700 مليون دولار معونة اقتصادية تقلصت الآن الي 230 مليون دولار في صور متعددة منها بعض المبالغ للجمعيات الاهلية او كمانصت عليه الاتفاقية دعم الفتات الاكثر فقرا واحتياجا في مصر. واختتمت مقالي برد عنيف بعبارة "تجوع الحرة ولاتأكل بثدييها" ولكن لماذا كانت المساعدات الامريكية لمصر؟ ومتي بدأت ؟ وماذا قدمت لمصر؟وماذا قدمت مصر لامريكا في المقابل ؟ ولماذا التهديد لمصر بقطعها من آن لآخر؟ وهل يمكننا رفضها ومتي يكون ذلك؟ قبل الاجابة علي هذه الاسئلة لابد ان نضع امام القارئ البسيط قبل الفقيه والجاهل قبل العالم والليبرالي قبل الاسلامي بعض الحقائق والثوابت في العلاقات الدولية والامريكية ، فالعلاقات الدولية لاتخضع للصداقة او العداء بقدر ما تخضع للمصالح. اما السياسة الامريكية في العالم فتخضع منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية لسياسة الهيمنة اما بالقوة العسكرية اوالدولار والتي اثمرت عن خضوع منطقة جنوب شرق اسيا من اليابان وكوريا الجنوبية الي باكستن وافغانستان شمال غرب كما نجحت في انهيار المعسكر الشيوعي في اوروبا واحتواء دوله بالدولار الامريكي ناهيك عن دول امريكا الجنوبية وما يفعله بها الدولار والمخدرات والسلاح فحدث ولاحرج. اما المنطقة الملتهبة الشرق الاوسط فالرواية مختلفة كثيرا فالدين والبترول اهم ادوات تفعيل استراتيجية الهيمنة الامريكية والصهيونية العالمية علي دول المنطقة فسقطت دول المجمع الخليجي وكل من ايران وتركيا بارادتها اقتصاديا وعسكريا منذ الخمسينات الا الدولة المصرية في عهد عبد الناصر حتي مابعد حرب اكتوبر المجيدة 1973 فانتهت القطيعة مع امريكا في عهد الرئيس السادات نوفمبر1973 بتقديم اولي المساعدات الامريكية (265 مليون دولار) لتطهير قناة السويس للملاحة الدولية بعد فض الاشتباكات بين القوات المصرية والاسرائيلية وعودة الاسرائيليين لخطوط الممرات بسيناء 1974، وبتوقيع كل من مصر واسرائيل لاتفاقية السلام (1979) قدمت الولاياتالمتحدة لكل منها منحة (2300مليون دولار) لمصر و(3200 مليون دولار) لاسرائيل والانسحاب الكامل لاسرائيل من سيناء. ماذا استفادت مصر من المنحة الامريكية؟ علي الجانب الاقتصادي والخدمي لاشك ان مصر استفادت استفادة بالغة ومباشرة منها في قطاعات البنية الاساسية من مياه شرب وصرف صحي وكهرباء وطرق وكباري واتصالات وصناعة وزراعة وتعليم وصحة وتوسعات وتعميق لقناة السويس.اما الفوائد غير المباشرة فجاءت من خلال المساعدات غير المباشرة من حلفاء امريكا واوربا واليابان في مجالات متعددة اهمها مترو الانفاق ودار الاوبرا ومكتبة الاسكندرية وغيرها من المشروعات الثقافية والسياحية والاستثمارات الضخمة في مجالات البترول وغيرها ، انعكست علي الاصلاح الاقتصادي 1980- 2002 تحديدا. اما الجانب العسكري للمعونة فكان العائد فاعلا وكبيرا فلم يكن الدعم قاصرا علي مشتريات السلاح والتدريبات والمناورات المشتركة للجيوش، ولكن الاهم هوالتصنيع العسكري للصواريخ المتعددة الاغراض وانتاج احدث الدبابات والمدرعات الامريكية والمعدات العسكرية وشبكات الرادار ذات التقنية فائقة الجودة وبعض انواع الطائرات المقاتلة من هليوكبتر والطائرة المقاتلة القاذفة اف 16 وغيرها من مستلزمات الجيوش بهيئة التصنيع العربية ، غطت احتياجات جيش مصر العظيم القوي واصبحت مصر لاول مرة في التاريخ مصدرة للسلاح للدول العربية والافريقية . ما المقابل الذي طلبته الولاياتالمتحدة من مصر؟ الحقيقة الغائبة عن الكثيريين ان الولاياتالمتحدة تدرك تماما الثقل السياسي والدور المحوري لمصر في المنطقة العربية والاسلامية فتاريخها وحاضرها ومستقبلها يؤكد ذلك ولعل موقف الرئيس الامريكي الرائع ايزنهاور من العدوان الثلاثي علي مصر 1956 بالانسحاب الفوري للقوات الاجنبية من الاراضي المصرية بدون شروط فحققت مصر اول انتصار سياسي بعد الثورة فاصبحت مصر قبلة للثوار في العالم الثالث وصعد نجم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في العالم كله0 لذا فمصالح الولاياتالمتحدة الاستراتيجية مع مصرتظل هدفا رئيسيا واساسيا للحفاظ علي استمرار تدفق البترول العربي وضمان امن اسرائيل. والسؤال الحائر هل اكتفت الولاياتالمتحدة بذلك ام هل من مزيد؟ الحقيقة المرة انه خلال الاعوام ال30 الماضية حصلت علي امتيازات من النظام المصري بالسماح للاساطيل الامريكية والغواصات النووية من عبور قناة السويس وهي قناة لعبور السفن التجارية فقط كما قدم النظام خدمات جليلة خلال حربي الخليج الاولي والثانية وان كانت الاولي مشروعة لتحرير الكويت واسقطت علي اثرها الديون العسكرية المصرية اما الثانية علي العراق فيبدو ان الثمن كان الموافقة علي التوريث؛ ناهيك عن المشاركة في الحرب علي الارهاب بالتنسيق مع اجهزة الامن المصرية خاصة بعد سبتمبر 2001 بالاضافة للادب الزائد للنظام المصري في معاملة اسرائيل في حربها علي لبنان وغزة.
والحقيقة ان تجاوزات الولاياتالمتحدة مع مصر تخطت حدود الصداقة والمصالح الاستراتيجية في مواقف متعددة وان كان يرجع اليها ضعف وتخاذل النظام السابق واهمها الموقف من اختطاف الطائرة المصرية من الاجواء الدولية والمتوجهة الي تونس بعد احداث السفينة اكيلارو عام 1990 وانزالها بالقوة باحد القواعد الامريكية بايطاليا لاختطاف الفلسطينيين، والموقف المهين لمصر بتهديد د بطرس غالي واستخدام الفيتو ضد 14 دولة بمجلس الامن وافقت علي المد له لفترة ثانية كامين عام للامم المتحدة ، والموقف الثالث اسقاط طائرة مصر الطيران بصاروخ امريكي بالمحيط الاطلسي وعلي متنها خيرة المصريين من مدنيين وعسكريين 1999والايحاء ان سقوط الطائرة نتيجة لعمل ارهابي لانتحار مساعد الطيار استخفافا بالعقول.
واخيرا التد خل في الشئون الداخلية المصرية بدعم الجمعيات والمنظمات الامريكية العاملة في مصر بدون ترخيص باموال ضخمة ساهمت ومازالت في عدم استقرار البلاد وتهديد امنها و اقتصادها وتجنيد عملاء باكثر من 6مليارات جنيه منذ عام 2005، وزادت الطين بلة بالتهديد بقطع المساعدات والمنحة العسكرية عن مصر اذا لم تفرج مصر عن اعضاء المعهدين الديمقراطي والجمهوري ومؤسسة فريدمان المحتجزين والممنوعيين من السفر من مصر علي ذمة قضية التمويل الاجنبي والدعوة لتفكيك اوصال الجيش المصري.
والحقيقة التي مازالت غائبة عن بعض الساسة الامريكان ان القيادة المصرية الحالية وبرلما نها الحر وحكومتها الوطنية لن تخضع للابتزاز او الاستفزاز والقضاء المصري استعاد مكانته بعد الثورة والعدالة مع المتآمريين علي استقرار مصر سوف تاخذ مجراها الطبيعي مهما كان الثمن فكرامة وامن مصر خط احمر لكل من تساوره ظنونه.