محمد الصاوى أثناء الحوار مع » الأخبار« نظام مبارك مثل » الذبابة «لن يرحل بسهولة .. وأطالب المصريين بالصبر ندرس تمليك الصحف القومية للعاملين بها حتي لا يتدخل رئيس الجمهورية في تعيين رؤساء التحرير لا أعفي أجهزة المخابرات من مسئولية أحداث بورسعيد التقيت المهندس محمد الصاوي رئيس لجنة الثقافة والسياحة والإعلام بمجلس الشعب كثيرا بصفته صاحب علامة بارزة في الحقل الثقافي من خلال مركز عبد المنعم الصاوي الذي أنشأه وتولي إدارته، لكن في لقاء هذه المرة كنت متوجسا بعض الشيء وأنا ألتقيه بصفته نائبا تحت قبة البرلمان.. فالرجل يمثل بالنسبة لي مصدرا للأمل والتفاؤل خشيت أن ينفد نبعه بسبب المشاكل التي مرت بها مصر وامتدت آثارها إلي مناقشات مجلس الشعب. دقائق انتظرت خلالها المهندس الصاوي حتي يفرغ من حوار مع صحفي بريطاني حول السياحة المصرية ومدي تأثرها بالوضع الأمني.. مرت هذه الدقائق وكأنها ساعات، فقد كنت متشوقا لقراءة وجهه والحصول منه علي انطباع يؤيد أو ينفي مخاوفي. كان الانطباع الأول مبشرا، فالرجل كما عهدته لم تختف الابتسامة عن وجهه، كما لم تغب عنه روحه المرحة، التي جعلته لا يجد حرجا أن يستأذنني قبل أن يبدأ حواره معي في مطاردة ذبابة أرهقته كثيرا منذ بداية اليوم. كانت معركة الصاوي مع هذه الذبابة التي غادرت المكان بصعوبة، مدخلا للحوار الذي امتد معه قرابة الساعة والنصف، حيث وصف نظام مبارك بأنه مثل هذه الذبابة لن يرحل عنا بسهولة رغم قيام ثورة 25 يناير.
واعتبر أحداث ستاد بورسعيد وما سبقها من أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء وماسبيرو ترجمة حقيقية لتمسك هذا النظام بالبقاء رغم كل ما حدث. وقال متهكما : " اتباع هذا النظام لا يزال عندهم قناعة ان بالإمكان إعادة مبارك للحكم، وأن الثورة المصرية مجرد هوجة شباب وهتعدي ". وأبدي رضاه عن أداء مجلس الشعب في تعامله مع أحداث بورسعيد، والذي تمثل في إرسال لجنة لتقصي الحقائق، استطاعت ان تكتشف أن هذه الأحداث مدبرة ولا تقع بأي حال من الأحوال في نطاق شغب الملاعب. وقال: " هذا ما نقدر عليه، لكن الوصول إلي من هم الجناة بالضبط ومسئولية كل منهم، ليست من مهمتنا ". وكما حمل الصاوي في جلسات مجلس الشعب رئيس الوزراء د.كمال الجنزوري المسئولية السياسية عن هذه الأحداث، تمسك برأيه خلال الحوار، وأضاف للجنزوري مسئولية أجهزة المخابرات في مصر. وقال ساخرا: " لا أصدق ان أجهزة المخابرات في هذا البلد لا تعرف من خطط لهذه الأحداث، وصمتهم عندي يعني أنهم مشتركون بالجريمة". ووضع أيضا علامات استفهام حول أداء الأمن والنيابة العامة في تقديم المسئولين عن أحداث بورسعيد وما قبلها من أحداث. وقال: " البعض يصف ذلك بالتباطؤ، وانا استشعر انه ليس تباطؤاً ولكنه تعمد في عدم تقديم الجناة المسئولين عن هذه الأحداث " القصاص العادل ورغم ذلك فإنه يطالب المصريين بالصبر والحكمة حتي نستكمل أهداف الثورة بالوصول لسلطة مدنية منتخبة، وأكد ان هذا لا يعني الصمت علي حقوق من سقطوا شهداء. وقال وقد ارتفعت نبرة صوته علي غير العادة: " والله لن نسكت عن حقوق الشهداء، ولن يهدأ لنا بال حتي نحقق القصاص العادل " ويمنحني الصاوي نفحة من شحنة الأمل التي يتحرك بها، واستطرد بعد ان اكتسي وجهه بإبتسامة عريضة: " رغم بشاعة ما حدث في بورسعيد، فإن الشعب المصري أثبت انه علي قدر المسئولية " . وعاد إلي الحديث عن بقايا نظام مبارك ليقول بحدة: " لا يخفي علي أي شخص بسيط انهم من خططوا لهذه الأحداث، وكانوا يتوقعون أن كل أهلاوي سيخرج شاهرا سلاحه في وجه الأمن، وهذا ما لم يحدث والحمد لله". وحرص علي أن يضع الدروس المستفادة من هذا التعامل الشعبي الواعي مع الحدث، وقال بلهجة واثقة: " إرادة الشعب أقوي من أي إرادة، وهي التي تمتص كل طاقات التآمر وتبعث علي الطمأنينة". وعول النائب آمالا كبيرة علي هذه الإرادة أمام ما يستشعره البعض من ما يسمي ب " مخطط تقسيم مصر". وارتسمت علي وجهه ابتسامة عريضة أعقبها بقوله : " أنا لا استشعر هذا الخطر، لأن الشعب المصري متماسك وتغلب عليه نفس الثقافة والروح " . واستطرد:" أقول لمن يستشعر الخوف، خذ نكته جديدة وقلها في كل المحافظات المصرية ستجد لها نفس الاستجابة، فمصر ليست السودان، لأن الشعب المصري متماسك بطبعه، اما شمال السودان فمختلف تماما عن جنوبه". ضد التعامل البوليسي لم يكن في تخطيطي وأنا أعد للحوار مع النائب الصاوي ان اسأله عن موقف الحكومة من منظمات المجتمع المدني، ولكن بما انه طرح مخطط تقسيم مصر كنموذج لقدرة الإرادة الشعبية علي امتصاص طاقات التآمر، كان لابد من مناقشته في هذه القضية بالغة الحساسية. يبدو ان الرجل كان يتوقع سؤالي، فلم يعط نفسه مهلة للتفكير، وقال بلهجة ساخرة: " تعامل الحكومة مع هذه القضية، مثل الأب الذي ترك لابنه حرية في الدخول والخروج للبيت، ثم فجأة قال له لن اسمح لك ان تتأخر عن التاسعة مساء ". وخوفا من أن يفهم من هذا الكلام انه دعوة لترك الحبل علي الغارب لهذه المنظمات، عاد الصاوي ليضيف بلهجة حاسمة: "أنا مع تطبيق القانون علي هذه المنظمات، لكني ضد اقتحامها بشكل بوليسي ". وحاول ان يخرج بالدروس المستفادة من هذه القضية، ليطرح نقطة في غاية الأهمية وهي تلك المتعلقة ب " القمح الأمريكي " . وقال ساخرا: " بما اننا قررنا ان نأخذ موقفا من المنظمات الأمريكية، فيجب ان نأخذ موقفا عاما من كل ما هو أمريكي، وفي مقدمة ذلك الإعتماد علي القمح الأمريكي". وأضاف وقد اكتسي وجهة بملامح الغضب: " بما اننا توافرت لدينا أدلة علي ان هذه المنظمات تضر مصر، فهل من المنطق ان ندعم الفلاح الأمريكي ونستود انتاجه من القمح". شرعية الميدان وبما ان الصاوي بطبيعته شخص لا يميل إلي الغضب، كان من السهولة إخراجه من هذه الحالة، التي انتابته عند الحديث عن الأداء غير المنطقي للحكومة في تعاملها مع أمريكا، فبمجرد سؤاله عن تشكيك البعض في شرعية مجلس الشعب بالقول ان شرعية الميدان أهم وأقوي ، عادت الإبتسامة العريضة مرة أخري إلي وجهه وتساءل: " ولماذا تطرح شرعية الميدان بديلا عن شرعية مجلس الشعب أو العكس، المقارنة بينهما، كمن يقول للطفل هل أنت تحب بابا أو ماما". وأضاف موضحا المعني المقصود من هذا التشبيه: " كما ان الطفل من الواجب ان يحب الأثنين، فإنه من الواجب أيضا الإعتراف بالشرعيتين، شرعية الميدان وشرعية البرلمان". وأوضح النائب الفرق بين الميدان والبرلمان، حيث قال: " حلاوة الميادين في عشوائيتها، فهي زخم ثوري وطاقة ثورية لا تهدأ، أما البرلمان فهو يستبدل الطاقة الثورية بطاقة إنتاج لإصدار قوانين ودراسة مشاكل وإصدار توصيات بشأنها وفق ما يتوفر لك من معلومات لا تتوفر للمتواجدين بالميدان".
وخاطب النائب الشباب مضيفا: " وجودكم بالميادين سند حقيقي لنا تحت قبة البرلمان حتي لا تسقط علي دماغنا". ورفض النائب في هذا الإطار الحديث عن شرعية منقوصة لأعضاء مجلس الشعب لأنهم انتخبوا في غياب الدستور، وقال: "صحيح أننا نزلنا الملعب بدون وجود قواعد للعبة وهي (الدستور)، ولكن هناك ما يسمي ب (الأعراف الدستورية) التي لها نفس قوة الدستور". وأضاف: " من هذه الأعراف تقدير قيمة الإرادة الشعبية، وأتصور انه لا يوجد شخص يستطيع ان يقول ان انتخابنا جاء ضد إرادة الشعب". لست ملاكا اعتزاز الصاوي بكونه أصبح نائبا جاء إلي القبة بإرادة شعبية، لا ينفي انه يتمني العودة لمنصب وزير الثقافة الذي لم يستمر فيه إلا لبضعه أيام. وفي لحظة من لحظات الصدق مع النفس، قال: " أنا لست ملاكا حتي أقول لك اني لا أتمني العودة، فقد كانت لدي رؤية لتطوير العمل الثقافي لم يمهلني القدر تنفيذها، ولكني في نفس الوقت لا أتمني أن أحلف اليمين مره أخري أمام حاكم عسكري إستثنائي " ولم ينتظر حتي أسأله عن التفاصيل، وأضاف: " أنا علي استعداد لخدمة العمل الثقافي في ظل حكومة تحلف اليمين أمام رئيس مدني منتخب". ورغم حالة الحماس التي بدا عليها النائب وهو يتحدث عن رغبته في خدمة العمل الثقافي، إلا انه حرص علي القول: "هناك في مصر من هم أفضل مني، ويمكنهم خدمة الثقافة مثلي أو أكثر". وخرج من حالته الشخصية إلي الحالة العامة، ليضيف: " ولذلك انا أري ان الجنزوري ليس شخصا ذا مواصفات ملائكية، فهناك في مصر مثله أو من هم أفضل منه، فهذا المنصب لا يحتاج إلا لشخص لديه ملكة الإدارة وهي متوفرة لدي كثيرين". بين الوزارة ولجنة البرلمان لحظات الصدق مع النفس التي بدا عليها الصاوي في إجابته حول إمكانية العودة للمنصب الوزاري، شجعتني لسؤاله حول إمكانية تحقيق ما يرنو إليه في خدمة الثقافة من خلال رئاسته للجنة الثقافة والسياحة والإعلام بمجلس الشعب دون أن يصبح وزيرا. لم يتعثر الرجل كعادته وجاءت إجابته سريعة وجاهزة، حيث قال: " في البرلمان أنا أراقب الأداء لأضع يدي علي الأخطاء، ولكني في الوزارة سأسعي ان يكون الأداء في الأساس جيدا". وعاد لمنصبه كرئيس للجنة الثقافة والإعلام والسياحة بمجلس الشعب، وقال: " نحن الآن مثلا في اللجنة نسعي لعلاج أخطاء الإعلام التي تسببت في كثير من الأزمات، وهذا أمر ضروري ومهم، لكن لو كان لدينا من الثقافة ما يجعلنا قادرين علي الإنتقاء مما يعرض بالإعلام ما شعرنا بحجم هذه المشكلة، وهذا دور مهم يجب ان تلعبه وزارة الثقافة " .
وبمزيد من التوضيح استطرد: " الثقافة تصنع شعبا واعيا ينتقي مما يعرض بوسائل الإعلام، وهذا أمر يحتاج إلي وقت ولكن إرادة الشعوب يمكنها تقصير المدة ". واستخرج الصاوي من خزانة أفكارة نموذجا يوضح به فكرته، وقال: " الإعلام الرياضي له أخطاؤه في تأجيج الفتن، لكن لو كان هناك وعي كاف يمكننا وقتها ان نقيم مباراة يتوقف عليها مصير بطولة بين الأهلي والزمالك بدون جمهور ". وإلي ان يتحقق هذا الوعي، الذي يشكل حائط صد أمام ما يعرض بوسائل الإعلام، سألت الصاوي: وماذا ستفعلون في اللجنة ؟ قال متحمسا: " سنسعي إلي انتهاء عصر المالك الأوحد للوسيلة الإعلامية، لأن في هذا النمط من الملكية مفسدة ". وقبل ان أسأله عن الإعتراضات التي قد تواجه المجلس حال تفكيره في هذا الإتجاه، أضاف: " وعلي فكرة الكلام ده مش إختراع.. كل دول العالم حتي الأكثر رأسمالية منها تفعل ذلك، حيث تكون الوسيلة الإعلامية مملوكة لأكثر من شخص، يكون لكل منهم نسبة من الأسهم، بحيث لا تزيد نسبة شخص واحد عن ال50 ٪ حتي لا يتحكم في توجيه الناس ". سألته: وهل سينطبق ذلك التوجه علي الصحف القومية؟.. تملأ الإبتسامة وجهه قبل ان يقول: "متقلقش، من بين الأفكار المطروحة أيضا لتطوير الصحف القومية هو فصلها عن الحكومة لتتحول إلي مؤسسات يملكها العاملون بنسب سيتم دراستها، حتي لا يتدخل رئيس الجمهورية في تعيين القيادات بها، ويتم اختيارهم وفق معايير واضحة ". من الإعلام إلي السياحة ولأن السياحة هي الضلع الثالث في اللجنة التي يرأسها، لم يكن من المقبول أن نغفلها في حوارنا. وأعلن الصاوي أنهم بصدد التنظيم لمؤتمر دولي عن السياحة تشارك به 12 وزارة، لكنه قال بلهجه حاسمة: " ستذهب كل هذه الجهود سدي ما لم يتحقق الأمن، فهو العمود الفقري لجسم السياحة". وتعجب من حالة التراخي التي يبدو عليها الأمن، والتي تدفع وزير الداخلية سعيدا، حسب ما قال الصاوي، بعودة الأمن بنسبة 60 ٪. وقال ساخرا: " نحن في وقت نحتاج فيه من رجل الأمن الذي كان يعمل 8 ساعات ان يعمل 10 ساعات، لا ان يبدو وزير الداخلية سعيدا بعودة الأمن بنسبة 60 ٪ ". ويبقي السؤال المهم : إلي أين نحن ذاهبون ؟ رغم كل السلبيات التي أشار إليها الصاوي إلي انه بدا متفائلا كعادته، وأجاب بلهجة واثقة: "نحن ذاهبون إلي كل خير بإذن الله " واستدرك: " لكن توقعوا كل الأفكار الجهنمية من أعداء الثورة في الفترة المقبلة، وأتوقع ان تكون معركتهم المقبلة هي القضايا التموينية الحساسة مثل رغيف الخبز، ولكن تظل الإرادة الشعبية هي الحماية من كل هذه الأفكار". وعاد مرة أخري إلي أحداث بورسعيد ليقول: " صحيح ان بعض التوترات أعقبتها، ولكن المصريين تحلوا في تعاملهم معها بأكبر قدر من الحكمة وحسن التصرف ". وطالب المصريين بنفس النهج في أي أزمة قادمة، مضيفا: " أطالبكم باحتواء أي مشكلة، مع اليقين ان حقوقكم محفوظة ولن نسمح بإهدارها". احتمال مستبعد وفي إطار الحديث عن: " إلي أين نحن ذاهبون ؟"، يثق الصاوي ان المجلس العسكري سيسلم السلطة في شهر يونيو، كما وعد، واستبعد ان يضطر المجلس العسكري للصدام حتي لا يسلم السلطة. وقال بلهجة واثقة: " إذا أراد المجلس العسكري ان يصطدم، فلن يستطيع ان يصدر أوامره للجيش بذلك، لأنه يعلم بأن مصير هذه الأوامر ستكون عدم التنفيذ". وقبل ان اتركه سألته عن مدي رضاه عن أدائه كنائب تحت القبة ؟ كعادته في استخدام التشبيهات، كان تشبيه العامل الذي ارتدي لتوه "عفريتة" العمل، هو رده السريع علي سؤالي، حيث قال: "احنا يا دوبك لبسنا العفريته، ولسا مشتغلناش حتي أجيب علي سؤالك". تركته وأنا أتمني ان يكون رده إيجابيا علي هذا السؤال، إذا كان لي نصيب في حوار قادم معه.