القطاع الزراعي يعمل به 23مليون نسمة.. أي انه يرعي ويعول 04٪ من السكان ونصيبه من الاستثمارات العامة البالغ قيمتها 63 مليار جنيه هو008 مليون جنيه فقط!. أما نصيب البحوث الزراعية فهو 52 مليون جنيه يضيع معظمها في اجور وحوافز ومكافآت الباحثين!.. وعلي الجانب الميداني فإن مستلزمات الانتاج قد زادت بنسبة 051٪ خلال العشر سنوات الاخيرة بينما تعرضت اسعار الحاصلات لانتكاسة ادت لانكماش مساحة المحاصيل الاستراتيجية.. انتكاسة سببها مطاردة الانتاج المستورد للانتاج المحلي!. دلالات هذه الارقام تشير الي ان القطاع الزراعي سقط عمدا من اجندة اهتماماتنا.. وأننا قمنا بتدليل المستوردين علي حساب المزارعين المنتجين!. الارقام تؤكد ايضا ضرورة حماية هذه القطاع الحيوي من التدهور.. ولن تكون الحماية الا بالتنمية الزراعية التي تحقق الامن الغذائي والذي بدوره يصب في دائرة الامن القومي. اذا فعلنا ذلك ونحن في خطانا واثقين فسوف نخرج من ازمة الغذاء العالمي سالمين. اصبحنا تحت خط الفقر المائي.. ورغم ذلك لم نصبح تحت خط الفقرالغذائي.. لماذا لان »الحسبة« هنا تخضع لمقياس مختلف تماما.. والمقياس في هذه الحالة هو التجارة.. فالسلع الغذائية التي يعجز الانتاج المحلي علي الوفاء بها يتم استيرادها من الخارج. لكن اذا استمر الوضع علي ما هو عليه الان.. اذا ظل القطاع الزراعي مغيبا عن اجندة التنمية الحقيقية فسوف ترجح كفة الاستيراد اكثر، وأكثر.. لان تغييب التنمية يؤدي الي انصراف المزارعين الي اعمال وانشطة اخري.. وحتي اذا تم اعادتهم الي مهنتهم الاصلية تحت تأثير نار الاسعار بالسوق العالمية فإن ذلك ليس بالامر الهين.. لن نضغط علي زر حتي يأتينا محصول ما خلال أيام محددة!. وهنا يكمن الخطر.. فالانتاج المحلي عندما يكون »خارج الخدمة« في نفس الوقت الذي تلتهب فيه اسعار المنتجات المستوردة فإننا نكون امام ما يسمي »الوجه الجديد للجوع« وهو ان تكون السلعة موجودة بوفرة في مخازن التجار وفوق ارفف المحال التجارية لكن السواد الاعظم من المستهلكين لا يقدمون علي شرائها بسبب جنون سعرها!. تنمية زراعية يواصل معنا د. نادر نور الدين استاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة والمستشار الاسبق لوزير التموين والتجارة الداخلية.. يواصل حديثه عن الزراعة وغذاء المصريين.. ويطرح رؤاه في هذا الصدد- حيث يشير الي انه لن تكون هناك تنمية زراعية تحقق الامن الغذائي الا بتنمية الريف والاهتمام بالمزارعين حيث ان من 07-09٪ من انتاج الغذاء يأتي من الملكيات الصغيرة والمفتتة في ريفنا المصري والتي تقل عن خمسة افدنة. وان كان 07٪ منها - الحيازات - اقل من فدان.. ومن ثم فإن دراسة زيادة الربحية لاصحاب الملكيات الصغيرة والمفتتة يعني بالضرورة زيادة انتاج الغذاء. تغيرات المناخ هل استعدت مصر الي مواجهة تأثير تغيرات المناخ علي القطاع الزراعي وتداعياتها علي مستقبل الغذاء؟ هل يشعر المسئولون بالمقدمات الحارة لهذه التغيرات ام ان المكاتب المكيفة تلغي احساسهم بها؟!. عموما د. نادر نور الدين يؤكد ضرورة الاحتياط لها من الان، وبحث سبل التكيف معها ومواجهتها فقد اثارت بعض الدراسات والبحوث الي احتمال نقص الانتاج الزرعي عن الحاصلات الغذائية نتيجة تغيرات المناخ بنسب تصل الي 74٪ في محصول الذرة و03٪ في الارز و02٪ من القمح و03٪ في الطماطم. ثم الخضراوات والفاكهة بنفس النسب.. وهذا يتطلب تشجيع البحوث الزراعية ودعمها ماليا بهدف استنباط الاصناف التي تتحمل الحرارة وتقاوم الجفاف والعطش وندرة المياه. ولذلك فإن المصلحة العامة تقتضي الحفاظ علي الاراضي الحكومية والاهلية المخصصة للابحاث الزراعية وعدم التفريط فيها سواء بالبيع او الايجار او حق الانتفاع للقطاع الخاص، فضلا عن زيادة ميزانية البحوث الزراعية. ويشدد د. نادر نور الدين علي ضرورة الاهتمام بانتاج الغذاء خاصة وان العالم يشهد حاليا اكثر من مليار جائع.. ولعل لهذا السبب قامت منظمة الاغذية والزراعة لاول مرة في تاريخها باضفاء صبغة دينية علي مؤتمرها الاخير حيث وجهت الدعوة الي بابا الفاتيكان ليلقي كلمة في المؤتمر لمخاطبة ضمير المجتمع الدولي من وازع ديني للتعاون من اجل مواجهة ازمة الغذاء. وحث التجار والمستثمرين بتخفيض ارباحهم من التجارة في السلع الغذائية لتوفيرها بأسعار مناسبة للفقراء. استثمارات هزيلة في السطور السابقة اعطي د. نور الدين اهمية للبحوث الزراعية حتي تؤدي معطياتها الي ابحاث ودراسات تساهم في مواجهة تغيرات المناخ.. لكن د. جمال صيام استاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة يرد عليه بلغة الارقام.. فنصيب الزراعة من الاستثمارات العامة 008 مليون جنيه وكان ينبغي ألا تقل عن 3 مليارات جنيه.. ونصيب البحوث الزراعية 52 مليون جنيه فقط وهو مبلغ يتم انفاق معظمه علي اجور وحوافز ومكافآت الباحثين!. ولو علمنا أن إجمالي الناتج الزراعي هو 021 مليار جنيه وأن استقطاع نصف في المائة فقط منه لوصل نصيب البحوث الزراعية 006 مليون جنيه.. فمن اين يتم تدبير هذا العجز الكبير؟!. ويضيف د. جمال ان 23 مليون مصري يعيشون علي النشاط الزراعي.. اي 04٪ من السكان والملاحظ خلال السنوات الاخيرة ان مصر اصبحت دولة »مستوردة صافية« للغذاء.. بمعني ان استيرادها منه أكبر من تصديرها بكثير.. واذا استمر الوضع علي ما هو عليه الان فسوف يزيد الطلب علي الغذاء بمعدل يزيد كثيرا علي نسبة الاضافة من الانتاج المحلي. وهنا ترتفع نسبة الاستيراد وتزيد الاسعار.. لذلك فلابد من زيادة الاستثمارات الموجهة للزراعة.. ودعم ميزانية البحوث الزراعية.. فالهند استعانت بنتائج هذه البحوث وأحدثت ما يسمي بالثورة الخضراء.. وبعد ان كانت »مستوردة صافية« للغذاء اصبح تصديرها منه حاليا يزيد عن استيرادها بكثير بفضل التنمية وضخ المزيد من الاستثمارات في القطاع الزراعي. مؤسسات راعية هل من المنطقي ان تدعم الدولة الفلاحين في ظل تحرر القطاع الزراعي؟ د. جمال صيام يجيب علي السؤال موضحا ان منظمة التجارة العالمية حررت كل السلع الصناعية ولم تحرر السلع الزراعية، لماذا؟ لان دول امريكا ودول الاتحاد الاوروبي تدعم المزارعين بنسبة 03٪ من تكلفة الانتاج. سألنا: وهل هذا هو الاقتصاد الحر؟ هو »الاقتصاد الحر الانتقائي« فالدعم الذي توجهه هذه الدول لمزارعيها تهدف منه الي امرين.. الاول ضمان استمرار قوة القطاعات الزراعية بها.. والثاني هو حرصها علي الامساك بزمام الامور فيما يتعلق بتحقيق وفرة في الغذاء ببلادها والهيمنة علي تصديره للدول النامية!. و»الوضع عندنا«؟ دعني اذكرك بواقعة حدثت مؤخرا.. وزارة التجارة والصناعة ظلت متمسكة بقرار رسم الصادر علي تصدير الارز حتي حصاد المحصول وبقائه مشونا لفترة طويلة عند المزارعين.. وبعد قيام التجار بشرائه اعلنت الوزارة عن فتح باب التصدير دون رسم الصادر.. وهذا يعني ان الدعم للتجار دون المزارعين. كل هذه المفارقات تشير الي الخوف اكثر واكثر علي غذائنا خلال الفترة القادمة.. ولذا فإنه بجانب ضرورة زيادة الاستثمارات الخاصة بالزراعة والاهتمام باحتياجات التمويل اللازمة للبحوث الزراعية فإن الضرورة تقتضي دعم الدولة للفلاح وايجاد نظام تعاونيات قوي يقدر علي المنافسة والتواجد في ساحة الانتاج. مستلزمات الانتاج لماذا يزرع الفلاح.. هل من باب الهواية ام الانتماء لمهنة؟ سؤال منطقي يطرحه د. محمد شتلة الاستاذ بزراعة عين شمس.. وتأتي اجابته عليه في اطار المنطق ايضا.. فالفلاح يزرع حتي يكسب ويعيش من عائد حصاد ارضه.. أما اذا زرع وخسر فإن انتماءه لمهنته سوف يضيع علي اول طريق للبحث عن نشاط او مهنة اخري؟.. وقد بدأت اولي خطوات الهروب من الزراعة الي انشطة بديلة منذ سنوات؟ حتي اصبحنا نستورد 05٪ من السكر و49٪ من الزيوت و06٪ من القمح والحبوب و79٪ من العدس و57٪ من الثوم والفول والبصل.. ثم 07٪ من اللحوم.. وهذا معناه اننا نسير ضد الامن الغذائي علي طول الخط.. فمن يصدق ان مستلزمات الانتاج من بذور وأسمدة ومبيدات وسولار ونقل قد زادت بنسبة 051٪خلال السنوات الخمس الاخيرة؟ ومن يصدق ان الدولة تدعم السولار للمصانع التي تحتكر السوق وتبيع انتاجها باسعار مضاعفة ولا تدعمه للفلاح؟!. ويري د. شتلة انه لا يمكن تحقيق التنمية الزراعية الا بالرجوع الي دعم كل مستلزمات الانتاج لان اسوأ قرار انعكس بالسلب علي الزراعة منذ 05 سنة هو قرار تحرير القطاع الزراعي الذي ادي الي انخفاض انتاج الغذاء وفتح الابواب علي مصراعيها للاستيراد من الخارج. وبلهجة ساخرة يتساءل د. محمد شتلة: أليس دعم المزارعين اولي وافضل من البحث عن اراض بدول اخري لزراعتها؟! ثم حتي اذا نجحت الزراعة في ارض الغير فمن المستفيد من انتاجها؟!. قطعا سوف يتحكم المستثمر في انتاجها ويبيعه بأعلي الاسعار. وكلما رأي تدهور انتاج الاراضي الزراعية محليا تحكم في السوق وسيطر عليها. توريث المهنة معروف ان مهنة الزراعة في مصر توارثها الاباء عن الاجداد ومن المنطقي ان يورثها الاباء للابناء.. لكن المهندس الزراعي حسن جابر يخشي انقراض الفلاح المصري. مشيرا الي ان ما حدث من اهمال للزراعة والمزارعين والاهتمام بالانتاج المستورد علي حساب المحلي خلال الفترة الاخيرة يؤكد تخلي الدولة عن قطاع الزراعة كأحد القطاعات الحيوية في قائمة الدخل القومي. ورغم الغلاء الصارخ لاسعار المنتجات الغذائية المستوردة فإن الدولة مازالت علي موقفها.. لكن يجب ان يدرك المسئولون ان مفاجآت السوق العالمية والانفجار السكاني الذي نعاني منه من شأنها التعجيل بالتنمية الزراعية ورد الاعتبار للقطاع الزراعي. ولعل ما يشير اليه المهندس جابر يثير الدهشة ويدق ناقوس الخطر.. فالفلاح الذي كان يعمل باليومية حتي وقت قريب لم يكتف بأن يصل اجر يومه 05جنيها. تمادي في المساومة حتي اصبح يعمل بالساعة.. والساعة ب01 جنيهات و»العداد بيعد« وهذا راجع الي زيادة الطلب علي العمالة الزراعية بعدما اضطر عدد لا بأس به منها الي هجرة المهنة لانشطة اخري نتيجة مشاكل القطاع الزراعي.