لعل تذكر المقولة التي انتشرت بين الكثيرين في مايو2008 يلخص القضية. حينما قال كثيرون ياريت ياخدوا العلاوة ويرجعوا الأسعار زي ما كانت عندما قارن هؤلاء بين علاوة الثلاثين بالمائة وما أعقبها من زيادات بالأسعار حتي قبل قبضها. ولب القضية أن موازنة العام المالي الحالي تصل مصروفاتها الي364 مليار جنيه. بينما تصل إيراداتها المتوقعة228 مليارا ليصل العجز المتوقع137 مليار جنيه. بغض النظر عن المسميات الأخري. مثل مسمي العجز الأولي والعجز النقدي والعجز الكلي, والتي تستبعد كلا منها جانبا من المصروفات. ولأن مخصصات الأجور بالموازنة الحالية تبلغ أكثر من87,5 مليار جنيه. أي نحو ربع الموازنة. بينما مخصص فوائد الديون وأقساطها98 مليار جنيه. فإن زيادة الحد الأدني للأجور سيقضي تدبير موارد قد تكون مزيدا من الضرائب أو رفع أسعار المشتقات أو خفض الدعم الي غير ذلك. وبرغم أن هناك حلولا عديدة مطروحة مثل إعادة توزيع المخصصات الحالية للأجور. والتي تبلغ نسبة الأجر الأساسي بها20% والأغلب للأجور المتغيرة من مكافآت وبدلات ومزايا, وذلك بزيادة النصيب النسبي للأجور الأساسية من الاجمالي المخصص للأجور. فإن من يحصلون علي تلك المكافآت هم أقرب لصنع القرار المالي ولن يتنازلوا عن مكاسبهم. ولأن الأهم من زيادة الأجور هو استقرار الأسعار فان القضية ببساطة أن استقرار الأسعار يحدث عند توازن كمية النقود بالمجتمع مع كمية السلع والخدمات. فاذا زادت كمية النقود مع ثبات كمية السلع والخدمات. فمن الطبيعي وفي ظل قانون العرض والطلب أن ترتفع الأسعار. وهكذا فان حريق الأسعار الذي نظن أننا نطفئه برفع الأجور سيعاود الاشتعال. في كل مرة سنزيد فيها الأجور إذا لم نزد الانتاج. ومن هنا لابد من زيادة المعروض من السلع والخدمات بنفس نسبة زيادة الأجور حتي يستمر استقرار الأسعار. واذا كانت بيانات جهاز الاحصاء المصري تشير لبلوغ نسبة التضخم12,5% في فبراير الماضي. فإنه للحفاظ علي القوة الشرائية للنقود يجب زيادة الأجور بنفس النسبة. مع الأخذ في الاعتبار أن تلك النسبة تمثل متوسطا عاما لكل السلع والخدمات. بينما نسبة ارتفاع أسعار السلع الغذائية والتي تمثل غالب استهلاك المصريين تقترب من العشرين بالمائة. ولأن الأسعار العالمية في ازدياد فان أثرها سينتقل إلينا في ضوء استيراد الجانب الأكبر من السلع. وهاهو مؤشر أسعار السلع الأساسية لصندوق النقد الدولي بمارس من العام الحالي. يرتفع بنسبة46% بالمقارنة لما كان عليه بنفس الشهر بالعام الماضي. وكانت نسبة الارتفاع56% للوقود و31% لغير الوقود. حيث بلغت نسبة الارتفاع62% بالمعادن و54% للمواد الخام الزراعية من أخشاب وصوف وجلود و11% للغذاء. ويؤكد ذلك مؤشر الأسعار للسلع الأساسية للبنك الدولي عن الشهر والفترة. حين زاد بنسبة56% للطاقة و28,5% لغير الطاقة. حيث بلغت نسبة الارتفاع66% للمعادن و43% للمواد الخام الخام و18% للمشروبات و17% للسلع الزراعية و15,5% للزيوت و8% للغذاء مع انخفاض اسعار الأسمدة بنسبة31% والحبوب بتراجع11%.. ومن هنا فإن تقليل أثر انتقال ذلك الارتفاع السعري العالمي إلينا يتطلب مزيدا من الانتاج المحلي. حتي تصبح المنتجات المحلية لها النصيب الأكبر بالاستهلاك. لكن ماورد بالتقرير السنوي لوزارة الاستثمار عن العام المالي2009/2008 يشير إلي أنه بالاستثمار الداخلي قد انخفض عدد الشركات الجديدة التي تم تأسيسها وكذلك رؤوس أموالها بالمقارنة للعام الأسبق. وكذلك بالاستثمار الأجنبي المباشر فقد انخفضت قيمته الي8,1 مليار دولار مقابل13,2 مليار. مع الأخذ في الاعتبار أن قطاع البترول قد استحوذ علي نسبة66% من تلك الاستثمارات الأجنبية. وبما يشير لضآلة نصيب قطاع الصناعة والزراعة وهي التي تسهم في زيادة إنتاج السلع. ولعل ما ذكرته وزارة الاستثمار في تقريرها عن الدول الأجنبية الكبار المساهمة بروؤس أموال الشركات التي تأسست بالعام المالي الأخير. يشير لضآلة مساهمات هؤلاء فإيطاليا قد أسهمت في77 شركة بقيمة72 مليون جنيه أي بمتوسط935 الف جنيه بالشركة الواحدة وهو مايعادل170 ألف دولار. وهكذا نجد متوسط مساهمة تركيا بالشركة الواحدة97 ألف دولار بإجمالي40 مليون جنيه في75 شركة. ومتوسط مساهمة أمريكا بالشركة الواحدة104 آلاف دولار. والسعودية210 آلاف دولار وانجلترا206 آلاف دولار والهند224 ألف دولار وألمانيا234 ألف دولار, وكندا241 الف دولار بالشركة الواحدة. وهو مايعني انه لايكفي الاعتماد علي المساهمات الأجنبية. مما يتطلب مزيدا من التسهيلات للمنتجين المصريين. وهكذا فإن الاقتصار علي زيادة الأجور سواء من خلال رفع الحد الأدني أو من خلال العلاوات الدورية. دون زيادة الانتاج المحلي فانه سينجم عنه ارتفاع جديد بالأسعار خاصة في ظل تجارة داخلية عشوائية. ولهذا لابد مع إصلاح الأجور من إصلاح منظومة الأسعار سواء للغذاء أو للعلاج أو للتعليم والاسكان وغيرها من الخدمات. حتي نحافظ علي القيمة الشرائية للنقود. فليس المهم رقم الأجر وحده ولكن الأهم كم يستطيع هذا الأجر ان يلبي الاحتياجات الأسرية من السلع والخدمات.