«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد النجار يكشف في دراسة جديدة «الإنجازات الاقتصادية» لولاية مبارك الخامسة
نشر في الدستور الأصلي يوم 12 - 03 - 2010

العاطلون 9 ملايين.. مرتب الموظف الحكومي بعد 32 سنة خدمة 850جنيهاً ..دخل صغار الفلاحين في الشهر 140 جنيهاً والدين المحلي 745 مليار جنيه
وصلت نسبة العاطلون 9 ملايين في الولاية الخامسة لمبارك
أظهرت دراسة حديثة أعدها الخبير الاقتصادي أحمد النجار - رئيس تحرير تقرير الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية بالأهرام - أن الاقتصاد المصري خلال الأربع سنوات التي مضت من الولاية الخامسة للرئيس مبارك، شهد استمرار وتصاعد الفساد والغلاء والديون والبطالة والفقر وسوء توزيع الدخل وعجز الميزان التجاري وتزوير البيانات الرسمية المعبرة عن أداء الاقتصاد، بينما تحسن النمو عموما بسبب ارتفاع قيمة وليس حجم الناتج في قطاع النفط والغاز والعقارات وتزايد تحويلات العاملين وإيرادات قناة السويس، وإن كان التحسن الحقيقي أقل من الصورة التي رسمتها البيانات الرسمية الوردية، كما أن هذا النمو يبقي بلا تأثير في مستويات معيشة المواطنين في ظل نظام الأجور الفاسد والعبثي كلية والذي يكرس حالة من سوء توزيع الدخل بدرجة غير مسبوقة منذ خمسة عقود ونصف العقد من الزمن. كما أن تأثيرات الأزمة المالية والاقتصادية الأمريكية والعالمية في الاقتصاد المصري قد أطاحت بهذا التحسن الهش في النمو الذي تراجع وفقا للبيانات الرسمية التي تنطوي علي مبالغات كبيرة.
تعهد الرئيس خلال حملته الانتخابية بمكافحة الفقر والبطالة وهو تعهد لا يمكن الحكم علي الوفاء به إلا من خلال متابعة التغييرات في حالة الفقر والبطالة في مصر في السنوات الأربع التي انقضت من الولاية الخامسة للرئيس، وتشير البيانات الرسمية إلي أن معدل البطالة في مصر قد ارتفع إلي 9.4% مؤخرا، مقارنة بنحو 8.4% في العام قبل الماضي (2008)، وتشير التقديرات الحكومية إلي أنه سيرتفع إلي نحو 10% في العام الحالي. والطريف أن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء قد أجري استطلاعا للرأي حول هذه القضية، وبالرغم من الملاحظات التي ترد علي استطلاعات الرأي العام بصفة عامة ومدي كفاءة القائمين عليها ودقة وحرفية صياغتها، وحيادها أو توجيهها للمبحوثين، وحدود تعبير العينات التي تعتمد عليها عن التوجهات الحقيقية للمواطنين في الواقع..بالرغم من هذه الملاحظات، فإن ذلك لا يمنع من التعامل معها مع أخذ هذه الملاحظات في الاعتبار، ووضع هذه الاستطلاعات في حدودها كمؤشرات استرشادية وليس كبيانات فعلية.
وقد خلص الاستطلاع إلي أن معدل البطالة بين المبحوثين، بلغ 10.9%، وهو معدل قريب من المستوي الذي أعلنت الحكومة أن البطالة سترتفع إليه في العام الحالي. وتشير النتائج أيضا إلي أن السبب الرئيسي لخروج بعض العاملين إلي صفوف العاطلين، هو استغناء أرباب العمل عنهم، أو قيام أرباب العمل بتخفيض الأجر.
وبالتالي فإن البيان الذي خرج من الاستطلاع يؤدي للحكومة هدف التأكيد علي أن البيانات الرسمية بشأن البطالة قريبة من نتائج الاستطلاع. ويذكر أن البيانات الرسمية تعتبر من يعملون بصورة موسمية من عمال اليومية أو المواسم، عاملين فعليا، رغم أنهم قد لا يكونون كذلك. كما أن التقديرات بشأن حجم قوة العمل المصرية التي يحتسب معدل البطالة علي أساسها فيها الكثير من التغيير غير المنطقي، ففي عام 2004 نشر البنك الدولي بناءً علي بيانات رسمية مصرية قدمت إليه أن قوة العمل المصرية بلغت في عام 2002 نحو 25.9 مليون شخص. وبعد ستة أعوام من ذلك التاريخ تشير البيانات الرسمية إلي أن تعداد قوة العمل المصرية بلغ 24.6 مليون شخص في عام 2008، وهو رقم عجيب لا علاقة له بالواقع، لأن صافي عدد الداخلين الجدد لسوق العمل في مصر خلال السنوات الأربع الأخيرة يدور حول مستوي 900 ألف شخص كل عام (عدد الداخلين الجدد لسوق العمل مطروحا منه من خرجوا منه بالمعاش أو بالوفاة)، وهذا يعني أن الحجم الحقيقي لقوة العمل المصرية في الوقت الراهن يزيد علي 32 مليون شخص. وإذا كان عدد العاملين وفقا للبيانات الحكومية التي تنطوي علي مبالغات كما ذكرنا، قد بلغ 22.5 مليون عامل في عام 2008، فإنه وبفرض أن عدد العاملين قد ارتفع إلي 23 مليون عامل عام 2009، فإن عدد العاطلين لا يقل عن 9 ملايين عاطل علي الأقل أو 28% من قوة العمل المصرية وفقا لتعدادها الحقيقي.
لكن الاستطلاع أشار إلي أن 58% من الذين يعملون إما متعاقدون أو معينون، أما الباقي أي 42% من العاملين، فهم لا معينون ولا متعاقدون، أي عمالة مؤقتة أو موسمية أو عمال يومية. وهناك نتيجة مهمة للاستطلاع تشير إلي أن 56% من العاملين يعملون بشكل دائم بينما يعمل نحو 44% بصورة مؤقتة بما في ذلك بعض المتعاقدين. كما تشير النتائج أيضا إلي أن 53% ممن يعملون، ليس لديهم تأمين اجتماعي.
وهذه النتائج تعني أن مصر تعاني من مستوي مرتفع من البطالة حتي وفقا للبيانات التي خرج بها الاستطلاع والتي تقل كثيرا عن البطالة الفعلية.
ومن طرائف التزوير الحكومي للبيانات أن بيانات البنك المركزي المأخوذة من بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء كانت تشير إلي أن إجمالي عدد المشتغلين عام 2005/2006 قد بلغ 19.7 مليون عامل، مقارنة بنحو 19.3 مليون عامل عام 2004/2005، أي أن الزيادة التي حدثت في عدد المشتغلين في جميع قطاعات الاقتصاد هي 400 ألف فقط، وفي عام 2006/2007 أي العام الثاني من الولاية الخامسة للرئيس، بلغ عدد العاملين نحو 20.1 مليون عامل أي أنه تم خلق 400 ألف فرصة عمل جديدة فقط بالمقارنة مع العام المالي السابق عليه الذي بلغ عدد العاملين في نهايته نحو 19.7 مليون عامل كما ذكرنا آنفا. لكن نشرة البنك المركزي المصري بالاعتماد علي «بيانات» وزارة التنمية الاقتصادية قامت بتغيير عدد المشتغلين في العام المالي 2005/2006 بأثر رجعي ليصبح 19.5 مليون عامل بدلا من 19.7 مليون عامل كما كان منشورا في هذه النشرة لمدة عام قبل ذلك حتي يقال إنه تم خلق 600 ألف فرصة عمل في العام المالي 2006/2007، بدلا من الرقم الحقيقي البالغ 400 ألف فرصة عمل جديدة تمثل الفارق بين عدد المشتغلين عام 2006/2007 البالغ 20.1 مليون عامل وعدد المشتغلين في العام المالي السابق عليه والذي بلغ 19.7 مليون عامل. كما تم بعد ذلك تغيير عدد المشتغلين في عام 2006/2007 إلي 21.7 مليون عامل (النشرة الإحصائية الشهرية، يونيو 2009، ص 119)، بدلا من 20.1 مليون عامل كما كان مذكورا في نشرات سابقة!!
وبما أن عدد خريجي النظام التعليمي المتوسط وفوق المتوسط والجامعي في مصر قد بلغ أكثر من مليون خريج في العام المالي 2004/2005 وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يضاف إليهم نحو 200 ألف من غير المتعلمين، فإن عدد الداخلين الجدد إلي سوق العمل من خريجي النظام التعليمي ومن غير المتعلمين لن يقل بأي حال عن 900 ألف سنويا.
ومن الطريف حقا أن بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المنشورة في النشرة الإحصائية الشهرية للبنك المركزي قد أشارت إلي أن تعداد قوة العمل المصرية من العاملين والمتعطلين معا بلغ 21.8 مليون عام 2005/2006، وهو نفس مستواه عام 2004/2005، وكأنه لم يدخل لسوق العمل أي شخص، وهو تلاعب صريح وهزل في البيانات يستهدف تقليل معدل البطالة من خلال إلغاء دخول ما يقرب من مليون عامل جديد إلي سوق العمل بحثا عن فرصة للعمل، وبالتالي ينخفض معدل البطالة طالما أن فرص العمل الجديدة المحدودة تسحب من رصيد العاطلين القدامي. والأكثر طرافة أنه بعد أن قمت بنشر هذا التلاعب في تقرير الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية 2007 ثم في مقال بجريدة الأهرام، تم «تغيير» البيانات بأثر رجعي فتم تخفيض تعداد قوة العمل عام 2004/2005 إلي 21.2 مليون شخص بدلاً من 21.8 شخص، وبالتالي أصبح التعداد عام 2005/2006 البالغ 21.8 مليون شخص ينطوي علي درجة من المعقولية بزيادته عن العام السابق عليه بدلا من الكذب المكشوف قبل ذلك بتثبيت حجم قوة العمل.
ومن ناحية أخري أشار بيان الحكومة إلي أن أجور العاملين قد زادت وأن الحد الأدني للأجر ارتفع بنسبة 24%، لكنه لم يذكر هذا الحد الأدني للأجر الذي يمثل في كل الدنيا الآلية الأولي لتحقيق توازن ولا أقول عدل في توزيع الدخل بين أرباب العمل من جهة وبين العاملين لديهم من جهة أخري. وهو لم يذكر هذا الحد الأدني لأنه حد أدني عارٍ من المنطق ويكرس حالة من سحق العاملين في الجهاز الحكومي والقطاع العام والهيئات الاقتصادية وفي القطاع الخاص.
ويحصل خريج الجامعة الذي يعمل في الجهاز الحكومي علي أجر أساسي وبدلات تصل إلي 200 جنيه شهريا حسب وزير الدولة للتنمية الإدارية، وهو أجر هزلي لا يمكن لطفل أن يعيش به، وهو دعوة صريحة للفساد لموظفي الجهاز الحكومي الذين لا يجدون مخرجا من أجل الحصول علي ضروريات الحياة سوي بطرق ملتوية أو فاسدة أو تؤدي لسحق آدميتهم، وفي كل هذه الأحوال فإنه لا يمكن تسيير دولاب العمل في أي جهاز حكومي أو أي اقتصاد بصورة فعَّالة ومنشطة للاقتصاد وجاذبة للاستثمار في ظل هذا النمط من سلوك العاملين تحت وطأة الأجور البالغة التدني. ولابد من إصلاح شامل لنظام الأجور علي قاعدة الدفع حسب العمل، ولضمان حد أدني من حياة كريمة للعاملين، وتوزيع عادل للدخل في مصر بين العاملين وأرباب العمل.
وتجدر الإشارة إلي أن متوسط أجر العامل في قطاع الصناعة التحويلية في مصر كان يبلغ 2210 دولارات في العام خلال الفترة من عام 1980 إلي عام 1984 في وقت كانت القيمة المضافة لكل عامل في هذه الصناعة نحو 3691 دولاراً. وفي الفترة من عام 1995 حتي عام 1999 انخفض متوسط أجر العامل في هذه الصناعة إلي 1863 دولاراً في العام، رغم أن القيمة المضافة لكل عامل ارتفعت إلي 5976 دولاراً في العام، أما الآن فإن متوسط إنتاجية العامل في الاقتصاد المصري عموماً بلغت 39668 جنيهاً سنوياً، أي نحو 7100 دولار في العام المالي 2007/2008 حسب بيانات البنك المركزي (النشرة الإحصائية الشهرية، يونيو 2009 ص 19). في حين لم يتجاوز متوسط الأجر الشامل لكل من يعمل في الجهاز الحكومي نحو 3400 جنيه أي نحو 610 دولارات في العام المالي المذكور. كما بلغ متوسط أجر العامل (عامل أو فني أو إداري) في الاقتصاد المصري عموما نحو 10 آلاف جنيه في العام نفسه أي نحو 1800 دولار. أي أن متوسط أجر العامل يبلغ نحو ربع متوسط إنتاجيته.
وهذا التغيير يعكس التدهور الشديد في عدالة توزيع الدخل بين العاملين وبين أرباب العمل. كما يعكس أيضا تدهور مستويات معيشة العاملين في الصناعة التحويلية وفي الاقتصاد المصري عموماً لصالح استحواذ أرباب العمل علي الغالبية الساحقة من القيمة المضافة التي يخلقها العاملون في الصناعة التحويلية والاقتصاد المصري عموما. وهذا الخلل في التوزيع الأولي للدخل من خلال نظام الأجور يؤدي في النهاية إلي المزيد من انتشار الفقر في مصر.
وفي عام 2008 وخلال المناقشات العامة التي جرت في بدايته بشأن الفقر والحاجة للدعم في مصر أفتي وزير التنمية الاقتصادية عثمان محمد عثمان بأن الفقير هو من يقل دخله اليومي عن 1.5 جنيه وليس 2 دولار وفقا لمعايير البنك الدولي، وهو هزل في موضع الجد يشير إلي مستوي التدني في المسئولين عن الاقتصاد وعدم اكتراثهم للحقائق وللعلم.
وهناك تصنيف أكثر موضوعية للفقراء يقوم علي تحديد نصيب كل منهم من الدخل علي أسس واقعية ترتبط بالأجور السائدة ومعدل الإعالة في مصر. وإذا كان عدد السكان قد بلغ 77.5 مليون نسمة في عام 2007، وبلغ عدد العاملين فعليا نحو 21.7 مليون عامل فإن ذلك يعني أن معدل الإعالة في مصر قد بلغ 3.57 شخص، أي أن كل من يعمل يعول 2.57 شخص إلي جانب إعالته لنفسه. ويبلغ عدد العاملين في الزراعة والصيد نحو 30.9% من قوة العمل المصرية عام 2005 أي ما يوازي نحو 6.2 مليون عامل في الوقت الراهن لكن قسما مهما منهم يتكون من ملاك قزميين يعملون في القطع ذات المساحة الصغيرة والمتناهية الصغر التي يمتلكونها، ويعملون أيضاً لدي الغير، فضلاً عن العمال الزراعيين الأجراء الذين لا يملكون أي أراضي. ومن خلال المعرفة الواقعية لأجر العامل الزراعي الذي يبلغ 40 جنيها يومياً، بواقع 1000 جنيه شهرياً في الوقت الحالي، فإنه وفقا لمعدل الإعالة (3.57 شخص لكل عامل)، يبلغ نصيب الفرد من العمال الزراعيين ومن يعولونهم نحو 280 جنيها في الشهر أي نحو 50 دولاراً للفرد شهريا، بما يعادل 1.6 دولار للفرد يوميا. ووفقا لمعدل الإعالة يبلغ عدد العمال الزراعيين ومن يعولونهم نحو 22.4 مليون نسمة. ويمكن اعتبار العمال الزراعيين الأجراء جميعا حول خط الفقر المدقع الذي يحدده البنك الدولي بقيمة 1.25 دولار للفرد في اليوم، بينما يقبع العمال الزراعيون الذين لديهم ملكيات قزمية بين خط الفقر المدقع المشار إليه، وبين خط الفقر العام (دولاران للفرد يومياً)، حيث يمكن اعتبار صغار الملاك الزراعيين ممن يملكون فداناً واحداً فأقل ضمن الفقراء فقرا مدقعا، حيث إنه بافتراض عائد قدره ستة آلاف جنيه للفدان سنويا في الزراعات التقليدية التي تغطي الجانب الأعظم من الأراضي الزراعية في مصر، فإن ذلك يعني وفقا لمعدل الإعالة أن نصيب الفرد في مثل هذه العائلة الزراعية يبلغ نحو 1680 جنيهاً سنوياً، أي نحو 140 جنيهاً شهرياً، أي نحو 25 دولاراً شهرياً، أي نحو 0.83 دولار يوميا. وهناك 2.374 مليون مالك زراعي تقل حيازة كل منهم عن فدان واحد ويمكن اعتبارهم إجمالا هم ومن يعولونهم فقراء فقرا مدقعا إذا لم يكن لهم مصدر آخر مشروع أو غير مشروع للدخل، أو مدخرات من العمل في الخارج. وهناك 580.1 ألف حيازة تتراوح مساحتها من 1 إلي 2 فدان، ومن يحوزونها وعائلاتهم يعتبرون من الفقراء أيضا.
ومن بين 5.58 مليون شخص يعملون في الجهاز الحكومي، تعتبر الغالبية الساحقة في حالة فقر أو فقر مدقع بسبب جمود الأجور وانهيار قدرتها الشرائية بسبب ارتفاع أسعار السلع والخدمات بمعدلات أعلي كثيرا من معدلات زيادة هذه الأجور. وعلي سبيل المثال فإن حالة الموظف الذي عمل منذ عام 1977 حتي الآن أي لمدة 32 عاما وحصل علي امتياز دائما وأصبح مديرا عاما ثم مديرا للإدارة، وأصبح راتبه الشامل 850 جنيها شهريا بعد 32 عاما من العمل، فإنه وفقا لمعدل الإعالة يصبح دخله الشخصي ومتوسط دخل كل فرد ممن يعولهم نحو 230.1 جنيه شهريا، أي نحو 45.5 دولار شهريا، أي نحو 1.42 دولار للفرد يوميا، أي أنه وهو في قمة الجهاز الإداري للدولة يعيش هو ومن يعولهم بين خط الفقر وخط الفقر المدقع. ووفقا لمعدل الإعالة فإن تعداد العاملين في الجهاز الحكومي ومن يعولونهم يزيد علي 20.8 مليون نسمة، يمكن اعتبار 20 مليوناً منهم في حالة فقر مدقع إذا لم يكن لهم أي مصدر آخر مشروع أو غير مشروع للدخل أو مدخرات من العمل في الخارج.
وتشير البيانات الرسمية إلي أن عدد العاملين في القطاع الخاص بلغ 14.04 مليون عامل. ونظرا لفساد نظام الأجور وعدم عقلانية الحد الأدني وآليات التدرج فيه وهو أمر تقع المسئولية عنه علي الدولة فإن القطاع الخاص يبدو مطلق اليد في تحديد أجور شديدة التدني للعاملين لديه، خاصة أنه يستخدم مخزون العاطلين الضخم في الضغط علي الأجور التي تضع معظم العاملين في هذا القطاع تحت خط الفقر أو الفقر المدقع وتجعلهم مستحقين للدعم، ما عدا قلة من العمالة العالية المهارة فنياً وإدارياً.
عجز الموازنة العامة للدولة والدين الداخلي الضخم واستمرار الفساد وتوحشه
تشير البيانات الحكومية إلي أن العجز الكلي للموازنة العامة للدولة في مصر، قد تراجع من 9.6% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2004/2005، إلي 8.6% عام 2005/2006 إلي 7.7% عام 2006/2007. لكن من الضروري الإشارة إلي أنه في كل مرة تتم مراجعة الموازنة العامة للدولة من قبل الجهاز المركزي للمحاسبات يكون العجز أكبر كثيرا من الذي تعلنه الحكومة.
وحتي بفرض دقة هذه البيانات فإن هذا المستوي لعجز الموازنة العامة للدولة يتجاوز أضعاف المستويات التي يمكن أن تكون آمنة. وعلي سبيل المثال فإن الاتحاد الأوروبي يعتبر أن نسبة 3% من الناتج المحلي الإجمالي هي السقف المسموح به لعجز الموازنة العامة للدولة في البلدان التي يضمها الاتحاد.
ونتيجة لهذا العجز الكبير في الموازنة العامة للدولة كان طبيعياً أن تتزايد الديون الداخلية بسبب الاقتراض الداخلي للحكومة لتمويل عجز الموازنة واقتراض الهيئات الاقتصادية وبنك الاستثمار القومي. وتشير البيانات الرسمية إلي أن إجمالي الدين العام المحلي قد بلغ 745 مليار جنيه مصري في نهاية مارس 2009، مقارنة بنحو 510.8 مليار جنيه في نهاية يونيو 2005، وهذا يعني أن الدين الداخلي قد ارتفع بمقدار 234.2 مليار جنيه، أي بنسبة 45.9% خلال الأربعة أعوام الأولي من الولاية الخامسة للرئيس مبارك، وهي أكبر زيادة تحدث في هذا الدين في مثل هذه المدة القصيرة. وإذا لم تتم السيطرة علي هذا الدين المحلي من خلال تقليل عجز الموازنة العامة للدولة، فإنه سيؤدي إلي أزمة مالية حقيقية وإلي عودة التضخم للجموح وهو ما بدأت بوادره من خلال ارتفاع معدلات التضخم في الأعوام الثلاثة الأخيرة بشكل يهدد بانفلات عشوائي وكبير للأسعار.
وبالنسبة للديون الخارجية لمصر فإنها بلغت وفقا للبيانات الرسمية المصرية نحو 30.9 مليار دولار في نهاية مارس 2009، مقارنة بنحو 28.9 مليار دولار في يونيو عام 2005، أي أن هناك زيادة محدودة في الديون الخارجية لمصر والحقيقة أن الدين الخارجي لمصر ما زال في الحدود الآمنة لكن زيادته تنذر بأنه يمكن أن يتحول لخطر إذا لم تتم السيطرة عليه.
أما بالنسبة للفساد فقد شهدت مصر خلال الأعوام الأربعة الأولي من الولاية الخامسة للرئيس مبارك حالة من توحش الفساد خاصة بعد ازدواج السيطرة علي الثروة والسلطة بدخول المزيد من رجال الأعمال إلي الحكم بما يدمر قاعدة رأسمالية ذهبية أساسية هي «تزامن العلم بظروف السوق»، حيث يعلم رجال الأعمال المشاركون في الحكم بظروف السوق قبل نظرائهم ويستفيدون منها علي حساب الآخرين، بل إنهم في الكثير من الأحيان يكونون هم المسئولين عن تغيير ظروف السوق.
كما تعتبر عملية إعدام الديون التي كانت علي رجال الأعمال بمثابة إهدار إضافي للمال العام وهو إجراء مرفوض تماما طالما أن المقترض حي يرزق ولديه أموال وأعمال حتي ولو كان هاربا في الخارج، لأن مصر وهي دولة وقعت علي الاتفاقية العالمية لمكافحة الفساد وصدقت عليها يمكنها أن تعمل علي تفعيل هذه الاتفاقية وتستطيع استعادة الهاربين وأموالهم المنهوبة من مصر وبنوكها، إذا كانوا يعيشون في بلدان موقعة علي هذه الاتفاقية أو توجد بينها وبين مصر اتفاقيات لتسليم المطلوبين للعدالة. أما نسيان كل هذا والتركيز علي بيع البنك نفسه فإنه بمثابة عقاب للشعب المالك لهذا البنك علي جريمة ارتكبها بيروقراطيون وسياسيون فاسدون وعديمو الكفاءة.
ومن الضروري الإشارة إلي أن هناك تضاربا بشأن المديونيات المتعثرة المستحقة لبنك القاهرة، حيث أشارت بعض التصريحات الرسمية إلي أنها 15 مليار جنيه، وأشارت تصريحات أخري إلي أنها 12 مليار جنيه، وأشارت تصريحات ثالثة إلي أنها 10 مليارات جنيه، بينما تشير التقديرات داخل البنك إلي أنها لا تتجاوز 7 مليارات جنيه يمكن معالجة معظمها في إطار معالجة مشكلة تعثر المدينيين للجهاز المصرفي المصري عموما.
والغريب أنه أثناء دمج بنك القاهرة مع بنك مصر ثم استحواذ الأخير علي بنك القاهرة في مارس 2007، قام بنك مصر بتحويل حسابات كبار العملاء الذين يحقق التعامل معهم أرباحا لبنك القاهرة مثل «فودافون»، وهيئة النقل العام وشركة المطاحن وسيدي كرير إلي بنك مصر. كما تم تحويل نحو 300 مليون جنيه حصل عليها بنك القاهرة من صفقة السويس للصلب إلي حسابات بنك مصر. كما قام بنك مصر بشراء محفظة الأوراق المالية العائدة لبنك القاهرة بقيمتها الاسمية التي تقل كثيرا عن قيمتها السوقية. كما تم إلحاق فروع بنك القاهرة في الخليج ببنك مصر، فضلا عن إلحاق نحو 20 فرعا داخليا من أفضل فروع بنك القاهرة، ببنك مصر. وكأن المقصود من كل هذه الإجراءات هو إكمال الإجهاز علي بنك القاهرة.
كما استمر الفساد في قروض البنوك لدرجة أن مخصصات الديون المشكوك في تحصيلها ارتفعت إلي 71.7 مليار جنيه، بما يوازي 18% من إجمالي أرصدة الإقراض والخصم في مايو 2009، علما بأن تلك المخصصات كانت قد بلغت 49.5 مليار جنيه في يونيو 2005، وكانت تشكل نحو 16.1% من إجمالي أرصدة الإقراض والخصم أي أن الوضع يسير من سيئ إلي أسوأ!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.