في مقدمة كتابه الجديد: »الإسلام، المسيحية، اليهودية.. كيف يتعايشون في سلام؟« يحدثنا الدالاي لاما عن سنوات طفولته في التبت، وكيف أنه عند بلوغه سن 15عاماً عكف علي دراسة ديانته البوذية وتعاليمها وقيمها الروحانية. بالنسبة له كان مقتنعاً آنذاك بأن البوذية هي أحسن وأفضل الأديان فليست هناك ديانة تستطيع أن تنافسها فيما تدعو إليه لراحة وسلام وصالح أنصارها (..). ويعترف الدالاي لاما بأنه مايزال يشعر بالخجل حتي اليوم عندما يتذكر انحيازه الأوحد لديانته في مقارنتها بالأديان الأخري التي تسرّع في تقييمها دون التعرف عليها بالقراءة عنها، مكتفياً بالسماع عن وجودها. وأرجع الدالاي لاما سذاجة رأيه القديم إلي تركيزه فقط وقتذاك علي ديانته التي التزم بها منذ ولادته، ولم يعرف غيرها في تلك السن المبكرة. في عامه الخامس والعشرين قرر الدالاي لاما مغادرة التبت نتيجة القمع الصيني لشعبها واللجوء عام 1959 إلي الهند، وفيها تعرف الدالاي لاما علي دنيا غير الدنيا التي عرفها من قبل. قرأ كثيراً واستمع أكثر مما تكلم. قام بزيارة بلاد لم يكن يخطر علي باله زيارتها والتعرف علي شعوبها بألوانها المتعددة، ودياناتها وثقافاتها وحضاراتها المختلفة عن مثيلاتها في آسيا التي لم يكن قد غادر حدودها منذ مولده في التبت ثم في الهند التي لجأ إليها ويقيم فيها حتي اليوم. ومع ثورة الاتصالات وتدفق المعلومات أصبحت الكرة الأرضية كأنها بلد واحد بعد سقوط حواجزها وحدودها. ويري الدالاي لاما أنه لم تعد هناك دولة منغلقة علي نفسها، أو قادرة علي وقاية نفسها من تطفل الآخرين عليها واضطرارها إلي التعاون معهم: اقتصادياً، وعلمياً، وتحديثاً، وتبادلاً للأفكار، وتأثراً بالثقافات. فأي حدث في بلد ما سرعان ما يتأثر به العالم كله. فلا حماية لأسرار شعب، ولا حصانة ضد تطفل فرد. رغم هذه المزايا الكثيرة فإن العالم يواجه حالياً كما كتب الدالاي لاما تحدياً أكثر إلحاحاً اليوم عن الأمس.. وأمس الأول. فمع انتشار الأسلحة النووية، واختلال المواقف، وأهوال الإرهاب لتحقيق أهداف أكثر ترهيباً، وأزمات اقتصادية، وأخطار بيئية، أصبح من الصعوبة بمكان المحافظة علي أمن واستقرار الكرة الأرضية، من جهة، وتوفير التعايش السلمي بين كل الآراء والأفكار والأهداف المتنافرة فيما بينها. ويؤكد الدالاي لاما أن هذا التحدي بالتحديد سيكون الأهم والأخطر بالنسبة للبشرية خلال القرن الحادي والعشرين الحالي. وبتوضيح أكثر يقول الدالاي لاما: مع الأزمات التي نواجهها نتيجة تصارع الأفكار والثقافات، بالإضافة إلي الأزمات الاقتصادية المتسارعة والمتعددة الأسباب، فليس من الغريب ولا العجيب أن يتوقع البعض انفجار ما يسمي ب: »صدام الحضارات«. ويعقب الدالاي لاما علي ما أشار إليه فيقول إنه لا يتفق مع المتخوفين من هذا الصدام. فرغم كل ما نراه، ونسمعه، عن أخطار تهدد التعايش السلمي بين المتناقضين والمختلفين رأياً، وفكراً، وديناً فليس هذا مبرراً كافياً للتوقف انتظاراً لاندلاع صراع الثقافات والحضارات الذي تنبأ كثيرون به خلال العقود العديدة الماضية وأعاد بعضهم التلويح به، والتخويف من ويلاته، في هذه الأيام. ولم يكتف الدالاي لاما بذلك وإنما أضاف إليه قائلاً: [هناك حل آخر لوقاية البشرية من صراع الحضارات]. .. وللحديث بقية.