هل هو طبع فينا أنه كلما حققنا أملا كان بعيد المنال استدعينا وساوس الشيطان التي تحثنا وتدفعنا إلي الخوف وأن الفرح الذي حلمنا به طويلا سيأتي ومعه حزن وقلق؟! ما إن أعلنت نتائج المرحلة الأولي من انتخابات مجلس الشعب »العرس التاريخي« وظهر جليا تقدم أحزاب التيارات الدينية »الاخوان والسلفيون والمسيحيون من خلال الكتلة المصرية«، إلا وبدأ الخوف يشيع بين الناس وساهمت الفضائيات بقسط كبير في زيادة مساحة هذا الخوف وإن شئنا الرعب من حكم هذه التيارات الإسلامية. وكطبيعة في الشعب المصري الذي اشتهر في تلخيص أشد المواقف قسوة في شكل نكتة انطلقت الافيهات والتعليقات الساخرة التي تسير في نهج إشاعة الخوف من حكم هذه التيارات الإسلامية. أشاهد عن قرب من خلال ما تردد في الآونة الأخيرة لضرب الاستقرار قنبلة موقوتة ستنفجر فينا جميعا ألا وهي هل سيشكل الحزب الذي يحصل علي الأغلبية سواء بذاته أو بالائتلاف مع آخرين في البرلمان الحكومة أم سيترك هذا الأمر للسلطة الحاكمة؟ لقد وجدت بعض الفضائيات ضالتها في هذه الإشكالية لتثير الشارع المصري التهابا بل انها في بعض ثنايا فقراتها مع الضيوف تنذر بأن هناك معركة وشيكة بين الإخوان والسلفيين والمجلس العسكري لن يكسب فيها الشعب وأنه ما كان يجب عليه أن يختار هذه التيارات لتمثله في البرلمان وأنه سوف يندم علي هذا الاختيار الحر الذي مارسه لأول مرة في حياته وأخذوا يسوقون الأسباب التي سوف تؤدي بنا إلي هذه الصورة المؤسفة مستندين إلي رأي التيارات الإسلامية في بعض الأمور الحياتية مثل السياحة والبنوك والبورصة والفن والمرأة وغيرها بل وصل الأمر أيضا بهذه الساحة الإعلامية إلي التهديد بميدان التحرير وأنه جاهز لردع التشريعات التي يرفضها البعض تحت مسمي المليونيات وأن إسقاط البرلمان سينطلق من التحرير. إننا أمام معضلة كبيرة جدا تنذر بحدوث فتنة كبري كالتي حدثت في عهد سيدنا علي رضي الله عنه عندما رفع معاوية وأتباعه المصاحف علي السيوف للاحتكام وعندها قال سيدنا علي بن أبي طالب قولته الشهيرة »قولة حق يراد بها باطل«. هل نحن مقدمون إلي هذه الحادثة وهل التيارات الإسلامية ذات الأغلبية في البرلمان ستتمسك بتشكيل الحكومة باعتباره حقا لها وسترفع كتاب الله في وجه المجلس العسكري أو الرئيس المنتخب لتؤكد هذا الحق، وهل أيضا سيتمسك المجلس العسكري بأن الأغلبية لن تشكل الحكومة تحت مسمي نص دستوري سابق الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية وبالتالي فمهمة مجلس الشعب سن التشريعات وليس تشكيل الحكومة. لسنا في حاجة إلي مزيد من التفكك والانقسام وإشاعة الخوف والرعب في نفوس الناس بأننا أصبحنا بين مطرقة التيارات الدينية وسندان السلطة الحاكمة فوطننا يمر بمرحلة حالكة السواد ولدينا أمل بأن يتعاون مجلس الشعب مع هذه السلطة لبث الطمأنينة وتوفير الأمن والاستقرار ولكن كيف؟! »خير الأمور الوسط« يترك للسلطة الحاكمة تشكيل الحكومة تحت مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث ويترك لمجلس الشعب بكل أطيافه حرية سحب الثقة من الحكومة في حالة الخروج عن النص الذي تكلف بالعمل به من أجل تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية التي تعم فوائدها علي فقراء هذا الوطن وتحقيق العدالة الاجتماعية بين جميع فئات المجتمع وإيقاف حد الغلو في الثراء الذي ينعم به البعض مستغلا بعض القوانين أو المزايا التي يعطيها النظام له ولنا مآس واضحة المعالم في النظام السابق من خلال زواج السلطة بالمال! أما عن إشاعة جو الرعب بين المواطنين من هذه التيارات فلهذا حديث آخر.