في مصر يسود الجدل حاليا بين طائفتين من الناس: الطائفة الأولي تري سرعة اتمام الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية ثم انتخاب الجمعية التأسيسية لصياغة دستور جديد، اذ لا منقذ من الفوضي الحالية الا سرعة تأسيس المؤسسات الدستورية التشريعية و الرئاسية، و قد اتفقت رؤية هؤلاء مع موقف المجلس العسكري القائم علي ادارة شئون البلاد في المرحلة الانتقالية. المجلس العسكري يدير البلاد بحكمة وروية و ينفذ طلبات الشعب رغم راديكاليتها و كثرتها وصعوبتها، الرائع أن المشير طنطاوي لا يعيش في دور الرئيس و لا في دور المنقذ و لا يستسلم للشو الاعلامي فيملأ الدنيا تصريحات حول انقاذه البلاد من العصابة الحاكمة و دوره في انجاح الثورة، بل يؤدي المشير طنطاوي ورفاقه دورهم بجدية و بانكار فريد للذات. أما الطائفة الثانية فهي تري تمديد المرحلة الانتقالية و استمرار المجلس العسكري لمدة عامين أو تشكيل مجلس رئاسي مدني يدير شئون البلاد لفترة يعد فيها دستور جديد للبلاد ثم تأتي الانتخابات التشريعية و الرئاسية بعد ذلك، ووجهة نظر هذه الطائفة أن هناك أحزابا جديدة تتشكل تريد الفرصة لاعداد المقار و الكوادر و الاستعداد للانتخابات و كذا لوجود مواد دستورية ينبغي تعديلها مثل نسبة العمال و الفلاحين في المجالس النيابية و وضع مجلس الشوري بين الالغاء و التعديل و شكل الحكم القادم بين الجمهورية البرلمانية و الرئاسية. هؤلاء جميعا يشعرون أن التيارات الاسلامية و بخاصة الأخوان هم الأكثر استعدادا للانتخابات و بالتالي هي الأقرب الي حصد المقاعد وهو ما يؤسس لدولة اسلامية، ثم يأتي بعض من يترشح للرئاسة يطالب بانتخابات رئاسية مع تأجيل البرلمانية لكي لا يتأثر الرئيس المختار بهوية البرلمان. دعنا نتفق أولا علي خطورة الفترة الانتقالية التي نعيشها، فالفراغ الأمني لم يسد بعد و الشرطة لا تعمل بكل طاقتها، و الرئيس لم يترك القصر الي شرم الشيخ الا وهو يظن أنه – أو ابنه – عائد الي القصر بعد أن تسود الفوضي و يعم الخوف وهو ما فعله البلطجية و بقايا مباحث أمن الدولة و فلول النظام السابق بامتياز، فقاموا بحرق الكنائس لأول مرة في مصر و تهييج الفتنة الطائفية و هاجموا المدارس للاعتداء علي التلاميذ لبث الرعب في قلوب الأهالي و قام البلطجية بقطع الطرق و نهب الممتلكات. الوضع يستلزم الحكومة المنتخبة و الرئيس المنتخب الذي يستطيع أن يتعامل بحزم مع أهم المشكلات التي تواجه مصر الثورة وهي الأمن. الموقف علي الحدود المصرية ليس أقل خطرا، فعلي حدودنا الغربية عدم استقرار في ليبيا، أما حدودنا الشرقية فقد قامت اسرائيل بخرق اتفاقيات كامب ديفيد و استبدال حرس الحدود في المنطقة الحدودية ( د ) بقوات من الجيش الاسرائيلي و الحديث عن اعادة احتلال سيناء لعدم رضاها عن انتهاء حكم مبارك أو لفتح معبر رفح و لتأمين ضخ الغاز المصري الذي يسد 40 % من احتياجات اسرائيل. بالنسبة للمجلس الرئاسي المدني، قل لي بربك من هؤلاء المدنيون الذين سيجمع عليهم شعب مصر لكي يقودوا البلاد؟؟؟. الناس الأن مختلفة في كل شئ فمن سيحصل علي اجماع الشعب لقيادة المرحلة الانتقالية؟؟ الهيئة المدنية الوحيدة التي تحظي بثقة الشعب هي القضاء ، هل هؤلاء يريدون استبدال المجلس الأعلي للقوات المسلحة بالمجلس الأعلي للقضاء أم أن كل فصيل يريد الدفع بمرشح لعمل رئاسة جماعية؟؟؟ المطالبة بالدستور قبل الانتخابات البرلمانية يعني أننا سنختلف أساسا علي أسس انتخاب اللجنة التي سيوكل لها اعداد الدستور، ثم اعداد الدستور نفسه ثم طرحه للمناقشة العامة ثم طرحه للاستفتاء وهذا يستغرق الوقت الطويل و استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي الراهن. المطالبة بالدستور هو انقلاب علي ارادة الأمة التي وافقت بالأغلبية علي الانتخابات ثم الدستور وانقلاب علي الاعلان الدستوري الذي أصدره الجيش باضافة المواد المستفتي عليها لغيرها. كتبت سابقا في (المصريون) تعليقا علي التعديلات الدستورية عام 2007 أن العبرة بالراس لا بالكراس، في اسرائيل لا يوجد دستور حتي الأن وهي الدولة الديموقراطية الوحيدة - حتي الأن - في الشرق الأوسط، و يعيش فيها اليهود من شتي بقاع الأرض مع عرب 48 و بها (كوكتيل) من الأحزاب الدينية و العلمانية يحدث بينها تحالفات و تألفات و تداول حقيقي في السلطة، فلماذا يصر البعض عندنا علي اضاعة الوقت دون تأسيس مؤسسات الدولة و سلطاتها التشريعية و الرئاسية ؟؟. اننا نجد اصرارا علي تمرير بعض القوانين في غيبة البرلمان مثل قانون دور العبادة الموحد، و لا ندري هل المطلوب أن تستمر الفترة الانتقالية لتمرير قوانين مشبوهة في غيبة البرلمان؟؟؟. الشئ المعلن أن الأحزاب التي تكونت بعد الثورة تريد وقتا للاستعداد لمنافسة الأخوان، و أنا أعتقد أن فترة زمنية تقدر بالشهور لن يكون لها كبير الأثر في تغيير وجهة الناخب المصري، حزب الوفد مثلا بدأ العمل منذ ثورة 19 و قبل الأخوان و له امتداد وجذور في كثير من العائلات المصرية، فلماذا لا تلتف القوي الليبرالية حوله و تستفيد بجذوره في الوصول الي الناخب المصري. و بمناسبة الوفد، فعلي الرغم من الشكوك في توجهات الوفد في الألفية الثالثة بعد وفاة فؤاد سراج الدين الذي لا يمكن المزايدة علي وطنيته، الا اني أعجبت بالوفد في عهد السيد البدوي الذي سعي الي ضم العديد من الشخصيات المرموقة للوفد كما ان انسحاب الوفد بعد الجولة الأولي من انتخابات 2010 كان له تأثير كبير في الثورة المصرية، انسحاب الاخوان من تلك الانتخابات لم يكن ليؤتي ثمرته بغير انسحاب الوفد. أعجبني أيضا أنه عند انتخاب الهيئة العليا للوفد أعلن البدوي أنه قد أن الأوان لكي يشكل الوفد الحكومة مما يعني حرصه علي الاستعداد لانتخابات تنافسية كما أعجبني تصريح الوفد بأنه ضد العلمانية و اعلانه تقاربه مع الأخوان. أنا أعتقد أن القوي السياسية الناشئة بعد الثورة قد يساعدها الوقت في استكمال الكوادر و المقار و لكنه لن يساعد في احداث تنافس مع القوي التقليدية أو يحصد لهم مقاعد نيابية. لا أري أنه يمكن دخول كل القوي السياسية في قائمة واحدة فما قامت الثورة الا لتفعيل التنافس الديموقراطي، يمكن للأخوان التحالف مع القوي الاسلامية المتمثلة في جزب العمل و الوسط و الأحزاب السلفية و يمكن للقوي الليبرالية الجديدة التحالف مع الوفد و الغد و يمكن للقوي اليسارية و الناصرية الائتلاف مع التجمع و الناصري و الكرامة. الشاهد أنه يمكن تجميع القوي السياسية في 3 تحالفات تدخل في انتخابات بالقائمة النسبية علي ثلثي مقاعد مجلس الشعب و يترك الثلث الثالث للمستقلين، أما محاولة تأجيل الانتخابات لاعداد دستور جديد فهو التفات علي نتائج استفتاء 19 مارس وهو يعني – بالضرورة - استمرار الفوضي و عدم الاستقرار. دكتور محمود أحمد محجوب أستاذ جراحة القلب و الصدر بطب الزقازيق