وعندما تحيرنا أعمالهم الخارقة، ونعجز عن معرفة كيف يقومون بها نريح أنفسنا بالقول إنه خداع البصر، أو خداع السمع!! السبت: يقول أبو الفلاسفة »أفلاطون«، ان كل ما يخدع يمكن وصفه بأنه سحر، ولذلك فإن السحر كذبة رديئة.. لكن تلميذه »أرسطو« له رأي آخر قاله بعد ان تعلم فنون السحر علي أيدي الكهنة المصريين، واتقنها ثم نقلها بعد ذلك الي اليونان.. اما الفيلسوف العربي »ابن خلدون« في كتابه »المقدمة« ان السحر علم بكيفية استعدادات تمتلكها النفوس البشرية، تقتدر بها علي التأثير في العناصر بمعين.. وان هذا العلم عرفه أهل بابل من السريانيين والكلدانيين.. وعرفه أهل مصر من القبط وغيرهم، وكان لهم فيه كتب لم يترجم لنا منها سوي القليل. واذا كانت العلوم المادية قد طغت في العصر الحديث، فإن هذه العلوم قد عجزت حتي الآن عن انتزاع الايمان الفطري، عند كثيرين، بوجود قوي خارقة قادرة علي التعبير عن نفسها في بعض الاحيان.. والأديان السماوية لم تنكر وجود السحر وان كانت قد نهت عنه، وكفرت من يمارسونه. ونحن نصادف من آن الي آخر أفرادا يمتلكون القدرة علي التأثير في الاشياء المحيطة بهم.. وعندما تحيرنا اعمالهم الخارقة، ونعجز عن معرفة كيف يستطيعون القيام بها، نريح انفسنا بالقول إنه خداع البصر، أو خداع السمع.. ولذلك بقيت كلمة »كيف« بغير اجابة حتي جاء العصر الحديث بعلومه المتقدمة فانشغل الناس بالمادة.. وآمنوا بالسبب والنتيجة.. وقال الماديون ان عصر الخوارق قد انتهي، وان الحديث عن السحر اصبح نوعا من التخريف بعد ان أصبح كل شيء خاضعا للفحص والقياس.. كل شيء حتي مشاعر الانسان وأحاسيسه.. الا ان بعض العلماء قرروا اخضاع ما وصفه الماديون بأنه خرافات للدراسة الدقيقة.. وبعد مجهود شاق بذلوه توصلوا الي عدد من الحقائق. فماذا قالوا؟ قالوا ان بني آدم يتميزون عن سائر المخلوقات التي تدب علي الارض بأنهم اصحاب ارادة.. وانهم يمتلكون القدرة علي التصور والاستنتاج، والابداع والتعبير عما يدور في عقولهم بغير الصوت والحركة. وقالوا ان بني آدم يملكون غير حواس الذوق، والشم، والبصر، والسمع، واللمس.. حواسا اخري تمكنهم من قراءة افكار غيرهم، ومعرفة ما يخفونه في سرائرهم. وقالوا ان بعض الاشخاص استطاعوا التنبؤ بأحداث قبل وقوعها، وأن بعض الاشخاص الآخرين استطاعوا معرفة ما يجري خلف الجدران وان يصفوه بمنتهي الدقة، وكذلك كان في استطاعتهم رؤية أجسام من فونه في باطن الأرض!! وقالوا ان أشخاصا في وسعهم ترديد بعض الكلمات بترتيب خاص، وينطقون بعض الارقام فتتحرك كتل حجرية ضخمة من مواضعها، ويرتفع بعضها ليصبح معلقا في الهواء.. وعندما طلب منهم انزالها رددوا كلمات وارقاما اخري فنزلت برفق حتي استقرت في مواضعها السابقة. وقالوا ان بعض الاشخاص كانوا يمدون ايديهم في الهواء ويأتون بعملات نقدية قديمة أو بأوراق نقدية متداولة، أو بفاكهة في غير موسمها، أو بقطع من الحلوي والشيكولاتة، رغم انهم قد تم تفتيشهم قبل اجراء الاختبارات ولم يسمح لهم بارتداء إلا ما يستر عوراتهم من ملابس داخلية.. ولم يكن في وسع من قاموا باختبارهم إلا ان يقبلوا علي مضض ما قاله أولئك الاشخاص من ان ما يقومون به هو السحر.. وان هناك مخلوقات غير منظورة تساعدهم علي ذلك. من هم السحرة؟ وعهد الانسان بالسحر قديم قدم الانسانية ذاتها.. التاريخ المكتوب يقول ذلك، واكدته ايضا الرسوم التي تركها انسان العصور الغابرة علي جدران الكهوف والمغارات. واذا كانت الاديان السماوية قد تحدثت عن وجود السحر فان بعض العلماء المحدثين اعترفوا بوجوده، وقالوا ان الأمانة العلمية تفرض عليهم ألا يديروا ظهورهم لنماذج من البشر تستطيع التأثير في الاشياء وفي الآخرين باستخدام ارادتهم المتفوقة.. وذلك هو السحر. وقسموا السحرة الي ثلاث نوعيات.. الاولي منها تضم الذين يمارسون ما يسمي »السحر الابيض« وهؤلاء يعتزلون الناس للتأمل في اماكن قصية أو مهجورة.. ويعذبون اجسادهم ليخلصوا انفسهم من دنس الشهوات.. بالجلوس عرايا لساعات طويلة في عز البرد، أو فوق الثلوج، أو بالنوم فوق حصي مدبب الاطراف، أو فوق اسنان مسامير مثبتة في لوح من الخشب.. وهم يترفعون فوق كل متع الحياة، ويعزفون عن ملذاتها، كي تشتد عزائمهم، وتقوي ارادتهم ويتحقق لهم السمو الي حالة من الشفافية تمكن نفوسهم من التحرر من اغلال اجسادهم المادية كي تحلق في الآفاق الرحبة، حيث تكون ملكاتهم اكثر توهجا، واكثر قدرة علي الانطلاق دون ان يعوقها عائق أو يحدها حد.. وهم بعد ذلك كله يمارسون السحر لتحقيق الخير للناس. والنوعية الثانية من السحرة يمارس افرادها الاعمال الشريرة، او ما يسمي بالسحر الاسود.. وهم يمارسون طقوسا غريبة، ويحتفظون في مساكنهم بحيوانات مكروهة او مرعبة مثل الافاعي والسحالي، والحرباء.. أو حشرات سامة مثل العقارب والعناكب.. ويقيمون علاقات شاذة من الحيوانات ويتجنبون الاقتراب من الماء بالشهور.. فقط يشربونه.. ويستعيضون عنه بالحليب عند الاغتسال.. ويقترفون الكثير من المحرمات.. ويمزقون الكتب المقدسة ويدوسون عليها بأقدامهم ويحفظون من الطلاسم والتعاويذ ما يمكنهم من الاتصال بالجن، والاستعانة به. أما النوعية الثالثة من السحرة، فإن أفرادها يعيشون حياة عادية معظم الوقت.. وعندما تتوهج في داخلهم قدراتهم غير العادية فجأة، ودون ارادة منهم، فانهم يصبحون قادرين علي السمع والرؤية ابعد واعمق.. ويصبح في وسعهم التأثير فيما وفيمن حولهم، وقد يسببون لهم من المتاعب ما يقلب حياتهم رأسا علي عقب. والحديث عن السحر والسحرة طويل وشيق، ولم يعد في هذه الصفحة متسع للمزيد عنه.. وارجو ان اتمكن من العودة اليه مرة اخري بإذن الله.