.. قالوا ان السحر قدرة تتوفر عند بعض الأشخاص، فتمكنهم من التأثير في غيرهم، أو فيما حولهم، تأثيرا حقيقيا في بعض الأحيان، ووهميا في أحيان أخري!! السبت : سيظل الإنسان، ربما إلي آلاف مقبلة من السنين، اللغز الغامض، أو المعجزة الحية، التي تفكر وتسير علي قدمين.. وستظل قدرته الجبارة التي اصطلح العلماء علي تسميتها ب»الإرادة« لغزا محيرا هي الأخري.. وعلماء النفس يؤكدون أنه ليس صحيحا علي الإطلاق وجود إرادة قوية، وارادة ضعيفة.. والصحيح هو ان هناك إنسانا يحرص علي تنشيط ارادته واستخدامها، وإنسانا آخر يهمل استخدام ارادته فتنطفئ، جذوتها، ويصبح خاضعا، أو تابعا، لارادة غيره.. ويقولون ان كثيرين من البشر استطاعوا تنشيط ما لديهم من ارادة، فتمكنوا من القيام بأعمال يمكن وصفها بانها خارقة.. ومن أولئك »راسبوتين« ذلك القس الذي تمكن من فرض ارادته علي نساء قصر قيصر روسيا، ومعظم نساء النبلاء أيضا، بعد ان بهر الجميع بقدراته الخارقة.. ولعل أوضح صور قدرة »راسبوتين« علي استخدام ارادته، هي تلك التي تجلت في رفضه الاستسلام للموت عندما اكتشف ان المتربصين به قد تمكنوا من دس السم في الخمر التي شربها، فقال لمن حوله، وهو يشعر بالآلام المبرحة تمزق أحشاءه: انه سيقاوم تأثير السم بارادته وحدها، ولن يموت.. واستطاع!! »وراسبوتين« ليس وحده الذي استطاع مقاومة السم بارادته.. مئات غيره قاوموا سموم الأفاعي والعقارب، وبقوا علي قيد الحياة، لانهم أرادوا ذلك.. ولكن يتفوق علي أولئك جميعا من يمتد تأثير اراداتهم إلي غيرهم، وهم من اصطلح العلماء علي تسميتهم ب»السحرة«.. ويقول عدد من العلماء والباحثين الذين قاموا بمحاولات عديدة للغوص في أعماق النفس الإنسانية لاكتشاف مجاهلها، ان السحر قدرة تتوفر عند بعض الأشخاص، فتمكنهم من التأثير في غيرهم، أو فيما حولهم.. وهذا التأثير يكون حقيقيا في بعض الأحيان، ووهميا في أحيان أخري!! ويقول آخرون ان السحر عمل يؤدي إلي نتائج تتعارض مع قوانين الطبيعة، والمنطق المألوف، ولا يمكن انكارها.. إلا أن السحر نفسه شيء غامض، لأنه يستند إلي قوانين غيبية غير قابلة للقياس، أو التحليل، أو التفسير. ماذا يستطيع الساحر؟ نحن نصادف، من آن إلي آخر، أفرادا يقومون بأعمال نعجز عن معرفة كيف استطاعوا القيام بها، فنريح انفسنا بالقول انه الخداع.. خداع البصر، أو خداع السمع.. لكن مجموعة من العلماء، الذين يؤمنون بالسبب والنتيجة، قررت استخدام وسائل الاختبار والفحص والقياس العلمية، في اعادة دراسة، كل ما وصفه الماديون بأنه شذوذ وتخريف.. وبعد مجهود شاق بذلوه في دراسات جادة، توصلوا إلي عدد من الحقائق، فماذا قالوا؟.. قالوا: ان الإنسان يتميز عن سائر المخلوقات التي تدب علي الأرض بأنه ذو إرادة، وأنه يمتلك القدرة علي التصور، والاستنتاج، والابداع، والتعبير عما يدور داخل عقله بغير الصوت والحركة. وقالوا: ان الإنسان يمتلك حواسا أخري، غير الذوق، والشم، والبصر، والسمع، واللمس، تمكنه من قراءة أفكار الآخرين، والنفاذ إلي سرائرهم ومعرفة ما يخفونه فيها. وقالوا ان بعض الأشخاص تمكنوا من التنبؤ بأحداث قبل وقوعها ثم وقعت فيما بعد كما رووها تماما.. وان بعض الأشخاص استطاعوا رؤية ما يجري خلف الجدران -معتمدين علي قدراتهم المتفوقة فقط- وان يصفوه بمنتهي الدقة، وكذلك كان في استطاعتهم رؤية أجسام مدفونة في باطن الأرض!.. وقالوا: ان أفرادا عاديين في مظهرهم، بسطاء في ثقافتهم تمكنوا أثناء اختبارهم، من الاتصال بعلماء، وملوك، وأباطرة، وقادة عسكريين رحلوا عن الدنيا منذ مئات السنين، وحصلوا منهم علي اجابات دقيقة لعدد من الأسئلة كتبها لهم العلماء الذين قاموا باختبارهم.. وقد تم التأكد من صحة معظم الاجابات، بعد الرجوع إلي الوثائق المخطوطة بلغات قديمة، المحفوظة في المتاحف!! وقالوا: ان بعض الأشخاص كانوا أثناء اختبارهم، يرددون بعض الكلمات بترتيب خاص، وينطقون بعض الأرقام، فتتحرك كتل حجرية ضخمة من مواضعها، ويرتفع بعضها ليصبح معلقا في الهواء.. وأتاحوا الفرصة كاملة للعلماء الذين كانوا يختبرونهم كي يتأكدوا من أن هذه القطع الحجرية لم تكن مشدودة بشيء من أعلي، أو مستندة علي شيء من أسفل.. وعندما طلب منهم انزالها، رددوا مجموعة أخري من الكلمات، والأرقام فنزلت الأحجار برفق حتي استقرت في مواضعها الأولي!! وقالوا: ان بعض من اختبروهم، كانوا يمدون أيديهم إلي الهواء، فيأتون بعملات قديمة، أو أوراق نقدية متداولة، أو فاكهة في غير موسمها، أو قطع من الحلوي والشيكولاته الطازجة، رغم انهم خضعوا، قبل الاختبارات، للتفتيش الدقيق، ولم يسمح لهم بارتداء إلا ما يستر عوراتهم..
ولم يكن في وسع العلماء الذين قاموا بإجراء تلك الاختبارات سوي التسليم علي مضض بأن بعض الناس لديهم بالفعل القدرة علي التأثير بارادتهم في الأشياء المحيطة بهم.. وان بعضهم كان قادرا علي ارسال اشعاعات إلي اسياخ الحديد فتنثني دون ان يقترب منها أحد.. وتحريك أجسام ثقيلة عن أماكنها بمجرد النظر إليها.. وقراءة ما يدور في رءوس الآخرين.. وتركيز أبصارهم علي بعض الأشخاص فيعطلون اراداتهم، ويجعلونهم يستجيبون لكل ما يصدر إليهم من أوامر، حتي لو كانت أوامر بالانتحار.. وهؤلاء هم السحرة!! »تيتا«.. الساحر المصري وعهد الإنسان بالسحر قديم قدم الانسانية ذاتها.. ويذكر العالم البريطاني »واليس بادج« في كتابه »السحر المصري«، ان المصريين، وهم أصحاب أقدم حضارة معروفة حتي الآن، قد استخدموا التماثيل في عملياتهم السحرية.. واستشهد علي ذلك بعشرات القصص التي نقلها عن البرديات والنقوش التي تركها الفراعنة في مقابرهم ومعابدهم.. وكان في وسع الساحر المصري القديم ان يخلص الناس من شر أفعي ضخمة تثير الرعب في قلوبهم، بان يصنع لها تمثالا من الطين يشبهها تماما.. وبعد أداء بعض الطقوس، وترديد بعض التعاويز، يهوي بعصاه علي رأس الأفعي الطينية فيفصلها عن جسمها.. وفي نفس اللحظة تموت الأفعي الحقيقية في جحرها، أو مخبئها دون ان يلمسها أحد!! وبالطبع لم يكن هناك ما يمنع السحرة من استخدام التماثيل لحساب من يدفع لهم.. وكان في وسعهم دائما ان يصيبوا أشخاصا بالعجز الجنسي المؤقت أو الدائم، بالشلل في أرجلهم، أو أيديهم، أو ألسنتهم!! وعن السحر المصري القديم تحدث كثيرون من المؤرخين، وعلماء المصريات، وان كانوا جميعا قد اكتفوا بالسرد دون محاولة التفسير.. ومن الحكايات الطريفة التي عثر عليها احد العلماء مكتوبة علي ورقة بردي، تقول ان ساحرا مصريا اسمه »تيتا«، عاش في عهد الملك »سنفرو«.. وازدادت شهرته في عهد ابنه »خوفو« الذي استدعاه إلي قصره.. وعندما ادخله احد رجال القصر إلي البهو الكبير، وجد نفسه في حضرة الملك وعدد من الكهنة، فخر ساجدا. وطلب منه الملك ان يستعرض قدراته السحرية، فخر »تيتا« ساجدا.. ثم طلب احضار إوزة فجاءوا إليه بها.. وجثا علي ركبتيه، وذبح الإوزة ووضع رأسها في أقصي الجانب الشرقي من البهو، وجسمها في أقصي الجانب الغربي.. ثم وقف في الوسط، وأخذ يردد كلمات بصوت خافت، فإذا بالرأس والجسم يتحركان، كل منهما في اتجاه الآخر ببطء شديد.. واستمر كذلك حتي استقر الرأس في مكانه الأول، أعلي العنق، والتصق به.. وعندئذ رفرفت الإوزة بجناحيها وهي تصيح بصوتها المعروف.. وامعانا في ارضاء الملك والترفيه عنه، اعاد »تيتا« العملية مرة اخري.. ولكنه طلب في هذه المرة احضار ثور بدلا من الإوزة!! والحديث عن السحر طويل، وأرجو أن أتمكن من العودة إليه قريبا.. الدجل شيء آخر! إذا كان السحر هو القدرة علي التأثير في الآخرين وفي الأشياء، فان الدجل نوع من العبث الذكي بآمال ورغبات الآخرين.. ومن أشهر الدجالين في العصر الحديث »ويليام روي« الذي نشرت صحيفة »صانداي بكتوريال« البريطانية اعترافاته المثيرة في عام 8591، وأحدث نشرها دويا هائلا في أوروبا بأسرها. ومع ان »روي« قال في بداية اعترافاته انه يستحق الشكر، لانه قدم الراحة والسعادة إلي العجائز والأرامل، الباحثين عن الحب والدفء في أحضان أحبائهم الذين رحلوا عن الدنيا.. إلا انه قال انه احترف الدجل لكي يجمع أكبر قدر من المال في أقصر وقت ممكن. ولعل أهم ما قاله »روي« في اعترافاته انه دجال وليس ساحرا وان الدجل فن تقليد، بينما السحر الحقيقي فن ابداع.. والتقليد أصعب كثيرا من الابداع ويكلف القائم به مالا ومجهودا. وقال انه كان يدفع مبالغ كبيرة لرجال البوليس السري الخاص، ثمنا لمراقبتهم الدقيقة لسلوك ضحاياه في بيوتهم، وأعمالهم، وبيوت أصدقائهم وأقاربهم، وفي المقاهي والنوادي، والحدائق التي يرتادونها، وفي المحلات العامة التي يترددون عليها.. وكان يدفع رشاوي سخية منتظمة لعدد من عمال التليفونات الذين يسجلون مكالمات ضحاياه علي أشرطة كما كان يخصص أجورا مرتفعة لمعاونيه، الذين كانوا يستقبلون المترددين عليه، ويقنعونهم بترك متعلقاتهم الخاصة في غرفة خارجية، ثم يقومون بتفتيشها وابلاغه بتفاصيل محتوياتها عن طريق جهاز لاسلكي دقيق جدا، يثبته خلف اذنه!.. لقد استطاع »ويليام روي« ان يجمع ثروة طائلة خلال ثلاث سنوات، بعد ان ادخل في روع الجميع انه وسيط، يقوم بالاتصال بنفوس الموتي، ويحصل منها علي حلول للمشاكل التي يعاني منها الاحياء.. الا انه وقع في الفخ الذي نصبه له عدد من العلماء والباحثين المهتمين بعلوم السحر والاثتروبولوجي، عندما أقنعوه بانهم سيكتبون اسمه في سجل الوسطاء العالميين، إذا اجتاز اختبار القدرة علي الوساطة، ووافق. أجلسوه علي مقعد، وربطوه فيه بحبل.. ووضعوا علي فمه شريطا لاصقا.. وبمنتهي الثقة في النفس، طلب منهم اظلام الغرفة، وان يجلسوا علي مسافة ثلاثة أمتار منه.. ولم يلبث ان تظاهر بالاستغراق في النوم، ثم في الغيبوبة.. ثم اخذ يتحدث بصوت مختلف عن صوته الحقيقي ويجيب عن اسئلتهم. كانت غلطة قاتلة سقط فيها »روي«، رغم حرصه الدائم، وعدم تقته في احد، وذكائه الشديد، عندما وافق علي هذا الاختبار.. فقد فاجأه الباحثون باضاءة المصابيح، فإذا به قد نزع الشريط اللاصق عن فمه، بعد ان مال برأسه إلي الأمام حتي اقترب وجهه من يديه..!! ومثل »روي« مئات يمارسون الدجل في كل زمان ومكان، الا ان الفرق كبير جدا بين الدجل والسحر.. ولعل كشف روي وأمثاله قد أفاد العلماء والباحثين في مجال السحر، وجعلهم يتوخون الدقة والحذر والموضوعية، اثناء قيامهم بدراسة الحالات والنماذج القليلة الصادقة، التي يجرون عليها اختباراتهم.. ومن هذه النماذج من استطاعوا اجتياز الاختبارات الصعبة التي اجريت لهم، وصمدوا صمودا مذهلا في مواجهة التحديات التي واجهتهم.. وقاموا باداء الكثير من الاعمال الخارقة، التي أثروا بها في غيرهم، وفي الطبيعة من حولهم..