سرقة وتهريب المواد النووية.. مشكلة كبري تشغل الادارة الأمريكية الحالية، وكذلك كارثة الانتشار النووي. ولكن ما قد لا يعرفه أو يتذكره الكثيرون هو ان الولاياتالمتحدة هي المسئول الأول عن حدوث سرقات بالفعل للمواد النووية، وبالتالي عن الانتشار النووي. فما الحكاية؟.. كان ديفيد لوينتال عضوا في عصابة الهجانا اليهودية التي سبقت تشكيل الجيش الاسرائيلي، وشارك في حرب 8491 تحت قيادة »مائير أميت« الذي أصبح في وقت سابق مدير للمخابرات الاسرائيلية.. انه شخصية مقربة لديفيد بن جوريون، أول رئيس حكومة لدولة اسرائيل.. قام لوينتال بتمويل شراء منشآت شركة أبوللو للصلب في بنسلفانيا بمبلغ 054 ألف دولار.. وهنا يظهر علي الساحة زلمان شابيرو، وهو مخترع ومندوب مبيعات وزارة الدفاع الاسرائيلية ورئيس فرع المنظمة الصهيونية في أمريكا، ومؤسس شركة المواد والمعدات النووية في الولاياتالمتحدة، الذي أشرف علي عملية اندماج شركته مع أبوللو في عم 6591. تلك كانت البداية التي أعقبها انطلاق الشركة بفضل قوة الدفع الناشئة عن وجود علماء علي درجة عالية من المهارة والكفاءة في تلك الشركة. الشخصية الثالثة في هذا السيناريو هو الدكتور ليونارد بيبكوفيتز، المشارك في تأسيس شركة المواد والمعدات النووية، الذي كان يعمل في السابق في مشروع مانهاتن السري عام 4491 الذي صنع أول قنبلة ذرية أمريكية. كانت شركة المواد والمعدات النووية تتسلم بانتظام كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب بدرجة عالية وكذلك البلوتونيوم من شركات صناعية عملاقة، مثل وستنجهاوس والبحرية الأمريكية، من أجل إعادة معالجتها وتحويلها إلي وقود للغواصات النووية واستخدامات خاصة أخري.. وفي مطلع الستينيات، بدأت لجنة الطاقة الذرية الأمريكية في رصد ثغرات وانحرافات تثير الشكوك في أمن شركة المواد والمعدات النووية، مثل عدم الدقة في سجلات الشركة الأمر الذي لم يكن له أي تفسير والتواجد المتزايد لعدد من الاسرائيليين في مصنع الشركة. وفي عام 5691، توصلت لجنة الطاقة الذرية الأمريكية بعد اجراء فحص رسمي لسجلات الشركة إلي أنها لم تقدم كشفا بشأن كيفية التصرف في 033 رطلا من اليورانيوم عالي التخصيب، وكشفت تحقيقات لاحقة ان الرقم وصل إلي 006 رطل.. وفي عام 6691، بدأ مكتب المباحث الفيدرالي الأمريكي التحقيق، الذي حمل اسما شفريا هو DIVERT، وشرع في مراقبة إدارة الشركة والزوار الاسرئيليين.. وفي 01 سبتمبر 8691، زار أربعة اسرائيليين الشركة »لمناقشة موضوع الأجهزة الحرارية الكهربائية مع شابيرو«، طبقا لطلب رسمي موجه من مدير أمن الشركة إلي لجنة الطاقة الذرية للحصول علي الموافقة علي الزيارة. أما أهم شخصية بين الزائرين فهو »رافي ايتان«، الجاسوس الاسرائيلي رقم واحد.. وعقب زيارة ايتان، تم اكتشاف اختفاء 785 رطلا من اليورانيوم عالي التخصيب. يقول كارل داكيت، النائب السابق لإدارة العلوم والتكنولوجيا في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ان الوكالة توصلت في عام 8691 إلي ان »المواد التي كانت في الشركة جري تهريبها واستخدامها في تصنيع أسلحة«.. وقال شاهد عيان يعمل في مكتب المباحث الفيدرالي، انه التقي في ساعة متأخرة من احدي ليالي عام 5691 بعدة موظفين في شركة المواد والمعدات النووية ينقلون مواد نووية إلي احدي الشاحنات. ويضيف الشاهد انه تلقي أمرا من حارس مسلح بأن يبتعد عن المكان ثم تلقي تهديدا حتي لا يفشي لأحد أبدا بما شاهده في تلك الليلة.. ولم يتم التعرف علي كل أبعاد دور رافي ايتان إلا عقب القبض علي »جوناتان بولارد« المحلل في البحرية الأمريكية، بعد ضبطه متلبسا بالتجسس لحساب اسرائيل في عام 5891، وكان حلقة الاتصال في شبكة السرقة والتهريب.. يقول المعلق الأمريكي انتوني كوردسمان انه »لا يمكن تصور وجود غرض وراء زيارة ايتان لمصنع أبوللو سوي.. المواد النووية«. وقد تولي أحد العاملين في مؤسسة اقتصادية أمريكية اسرائيلية ارشاد المحققين إلي »المنزل الآمن« الذي تم فيه نسخ الوثائق التي سرقها بولارد ونقلها سرا إلي اسرائيل. وكما جرت العادة فإن التحقيق في تهريب اليورانيوم من شركة المواد والمعدات النووية قد استطال وتعثر قبل أن يتوقف في التسعينيات من القرن الماضي. وسرعان ما تحول إلي تحقيق عقيم حول ما اذا كان زلمان شابيرو قد لعب دورا في اعاقة كل الأجهزة والمصالح الحكومية الأمريكية، ابتداء من وزارة الخارجية حتي لجنة الطاقة الذرية، عن التوصل إلي نتائج في التحقيق وكشف الستار عن الدور الاسرائيلي.. وحتي الآن في عام 0102 يمكن القول إن جميع العقول المفكرة والممولين والمستفيدين من عملية تهريب اليورانيوم الأمريكي إلي اسرائيل.. افلتوا من أي عقاب أو محاسبة.. وكل الوثائق تؤكد ان الولاياتالمتحدة ميدان مفتوح للتجسس النووي الاسرائيلي.. وتكشف تقارير المكتب الحكومي الأمريكي للمحاسبات في عام 8891 »ان معامل وزارة الطاقة النووية الأمريكية مفتوحة علي مصراعيها لزيارات أجنبية من دول.. مثل اسرائيل وباكستان«. ومن بين 736 زائرا من دول مثل اسرائيل والهند وباكستان، لم تطلب وزارة الطاقة النووية الأمريكية التحري سوي عن 77 زائرا فقط! والمعروف ان الرئيس الأمريكي الراحل جون كنيدي حاول اتخاذ خطوة لمنع الانتشار النووي ومن أجل تنفيذ القانون، عندما طلب اجراء عمليات تفتيش أمريكية لمصنع الأسلحة الاسرائيلي في ديمونة لكي يمنع اسرائيل من أن تصبح نووية، كما أمر اللوبي الاسرائيلي في أمريكا بأن يسجل نفسه كهيئة أجنبية حتي يكشف عن أنشطته غير المعلنة.. غير ان اسرائيل واللوبي اليهودي في أمريكا استطاعا، في نهاية الأمر، احباط هذا المسعي الذي قام به كنيدي، والمعروف ان هذا الرئيس الأمريكي قد اغتيل بعد وقت قصير! التقرير الأمريكي السري لعام 8791 الذي يحمل عنوان »سرقة المواد النووية من أمريكا 31 سنة من التناقضات والبلبلة«، والذي أزيح عنه الستار يوم 6 مايو الجاري فقط، ويتكون من 26 صفحة، يكشف بوضوح وحسم ان الولاياتالمتحدة ترفض اجراء تحقيقات جدية قد تفضي إلي ادانة مرتكبي جريمة سرقة وتهريب المواد النووية إلي اسرائيل. وتغطي تلك التحقيقات الفترة من 7591 حتي 7691 عندما تلقت شركة المواد والمعدات النووية الأمريكية أكثر من 22 طنا من اليورانيوم 532، وهو المادة الأساسية التي تستخدم لصناعة القنبلة النووية. وقد توصل المكتب الحكومي الأمريكي للمحاسبات إلي عدة استنتاجات: الأول: هو ان المواد النووية تم تهريبها بطريقة غير مشروعة إلي اسرائيل بواسطة ادارة شركة المواد والمعدات النووية لاستخدامها لصنع أسلحة نووية.. وكانت تلك هي نفس النتيجة التي توصلت إليها لجنة الطاقة الذرية الأمريكية ومكتب المباحث الفيدرالي بعد تحقيقات حول نشاط زلمان شابيرو. الثاني: ان المواد النووية قد تم تهريبها إلي اسرائيل بواسطة ادارة شركة المواد والمعدات النووية بمساعدة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، والدليل علي ذلك هو التزام الوكالة الصمت وابداء عدم اهتمامها بالموضوع برمته! الاحتمالات الأخري التي توصل إليها المكتب القانوني للمحاسبات أكثر عمومية (وخطورة) وهي ان »المواد النووية قد تم تهريبها إلي اسرائيل بموافقة حكومة الولاياتالمتحدة«، وأن هناك تغطية من جنب الادارة الأمريكية وتعتيما متعمدا علي حادث شركة المواد والمعدات النووية. ألم نقل لكم ان أمريكا هي المسئولة الأولي عن سرقة المواد النووية والانتشار النووي؟! وبمناسبة انعقاد مؤتمر مراجعة المعاهدة الدولية للانتشار النووي هذه الأيام، يقول المحلل والمعلق الأمريكي جرانت سميث ان علي الولاياتالمتحدة أن تطلب من اسرائيل ليس فقط الانضمام إلي المعاهدة النووية لمنع الانتشار النووي، وإنما عليها أن تطالبها أيضا بإعادة المواد النووية المسروقة. ويضيف المعلق ان هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تساعد ادارة الرئيس الأمريكي أوباما علي اكتساب الثقة، وتبرهن علي أنها جادة في التزامها بالسيطرة علي المواد النووية والحيلولة دون سرقتها أو تهريبها.