توقفت في مقالي السابق عند آثار ومخلفات مشهد الارتباك السياسي الذي انعكس بدوره علي الوضع الاقتصادي والاجتماعي فلأول مرة تصل الديون الداخلية والخارجية حدا من الخطورة العظمي حيث أصبحت 52.1 تريليون جنيه وميزانية الدولة في حاجة دائمة إلي ضخ أموال لعجزها الذي يتفاقم عاما بعد عام لتمولها من أذون الخزانة ذات الفائدة المرتفعة، فكيف ستسد هذا الدين العظيم؟! انها علي شفا إفلاس وليعلم المواطن ان افلاس الدولة ليس بمنأي عنه بل انه سيهاجم صميم حياته فقد يأتي يوم أخشي أنه ليس ببعيد إذا استمرت هذه الصورة المربكة العنيفة في كل مجالاتها فلا تجد الحكومة احتياطيا نقديا تستورد به احتياجاتنا أو دخلا قوميا تدفع منه أجور الموظفين أو فائضا تستثمر به لدفع عجلة الإنتاج أو موارد تفي بمتطلبات التعليم والصحة والضمان الاجتماعي والمعاشات وسيختفي المعني الذي يتكرر بأن أموال المودعين وأصحاب المعاشات في أمان فالإفلاس لن يترك شيئا لأحد. الملاحظ أن البنك المركزي بدأ يستسلم لهذه الضغوط العنيفة ولأول مرة منذ عامين، يتم رفع فائدة الايداع 1٪ والإقراض 5.0٪ لدعم الجنيه ومنع الدولرة وهو اجراء وقتي لا يفيد الاقتصاد، والبنوك العامة تتخبط أيضا حيث تم رفع سعر الفائدة علي الشهادات ولكن من تاريخ الشراء فقط. أما المواطنون الذين يعانون من ارتفاع الأسعار فتبقي الفائدة كما هي علي الشهادات المشتراة قبل تاريخ رفع سعر الفائدة مما يؤثر علي الناس ويحدث خللا اجتماعيا واضحا وكان بالأمس عندما ترتفع الفائدة ترتفع لتشمل جميع الشهادات وكان يمكن ان يقل الارتفاع بدرجة ما ليحسن دخل المواطنين من عائد هذه الشهادات للقدامي والجدد والأغرب ان البنوك رفعت سعر الفائدة بدرجة 5.0٪ ثم بعدها بشهر تم رفعها 5.1٪ فحرمت حتي المشترين الجدد من هذا الفارق أيضا مما يؤكد ان هناك حالة من التخبط الاقتصادي وعدم وجود استراتيجية توازن بين احتياجات المواطنين الفعلية واحتياجات الدولة لسداد الديون. أما عن البورصة التي تمر بحالة من الهبوط الشديد تعود بعده لاستعادة بعض خسائرها فهذا ليس له مدلول اقتصادي وإنما عند الهبوط تصبح الأسعار مغرية للشراء فيرتفع المؤشر مما يؤكد اننا لسنا في بورصة وإنما في سوبر ماركت يبيع بأسعار الجملة وليس التجزئة لتصريف البضاعة وليس لبناء اقتصاد قوي. مازال التحرير لا يهتم بالشأن الاقتصادي أو بارتفاع ديون الدولة وارتفاع نسبة التضخم والبطالة التي تقترب من 21٪ وستزيد إذا ظل الوضع الاقتصادي في خانة التدهور فهل لنا ان نقف لإحداث توازن بين الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي؟! ان التفكير الذي يسير في اتجاه واحد ويقذف كل ما هو أمامه من أجل تحقيق مصلحة فردية فقط أيا كانت للمواطن أو لحزب أو ائتلاف وبدون وجود علاقة تفاهمية اندماجية تأخذ بيد المواطن والدولة لضمان حد أدني من الأمان الاقتصادي للمواطنين ولتقوية مركز الدولة وسط أهلها وأمام دول العالم سيقذف بالجميع خارج دائرة الزمن وسيفقد المواطنين مدخراتهم بعد أن يفقدوا دخولهم سواء من العمل العام أو الخاص والله أعلم. وقد تقع الطامة الكبري ونتعرض للانتداب العالمي أو الوصاية للحفاظ علي ديون الدول التي أقرضتنا لأننا لن نستطيع السداد وسط هذا الجو المشحون بالارتباك والعنف. اسمحي لي يا مصر بأن أقدم اعتذاري مسبقا بسبب ما سيحدث لك ولأهلك فكلنا مسئولون عن ضياع بلدنا وتدمير أهلنا لأن المجادلات السياسية التي لن تنقضي ولن تتفق ما حيينا شغلتنا عن رعايتك أمنيا واقتصاديا وللأسف أخذ بعضنا الوقود لإشعال النار في أغصانك النضرة والبعض الآخر يتجادل ليزيد لهيب النار والبعض الآخر لا حول له ولا قوة فاجتمعنا جميعا علي ضياعك بين الأمم.