عرفت د. كمال الجنزوري عن قرب، رجل متواضع يعتز بكرامته وعزة نفسه، يؤمن بحرية الرأي والرأي الاخر، ولا يقبل الظلم لمواطن، وينحاز الي الفقراء. اذكر مرة أنني كتبت مقالا في صحيفة »أخبار اليوم« تحت عنوان »بلاغ الي الدكتور الجنزوري ضد الدكتور الجنزوري« وكان يتضمن شكوي تلقيتها من سكان العمارة المجاورة لمبني وزارة الخارجية بشارع ماسبيرو ويتظلمون فيها من قرار اصدره الدكتور الجنزوري بهدم العمارة.. بحجة أنها آيلة للسقوط وضم الأرض المقامة عليها الي حديقة الوزارة، والعمارة تتكون من اثني عشر طابقا وبها مصعدان، وفي حالة جيدة وليست آيلة للسقوط، ويقيم في العمارة ثلاثون اسرة.. ويقضي قرار رئيس الوزراء بالهدم مع منح كل شقة تعويضا قدره عشرون الف جنيه. وقلت في مقالي انني لا أصدق أن الدكتور الجنزوري، يمكن ان يصدر مثل هذا القرار الذي يشرد هذه الاسر، وماذا تفعل كل اسرة بهذا التعويض الضئيل الذي لا يكفي للحصول علي غرفة وصالة فوق السطوح في حين ان خلو الشقة الواحدة في هذه العمارة التي تطل علي النيل يبلغ أكثر من مليون جنيه. وأكدت ان هذا القرار وراءه يد خفية خدعت الدكتور الجنزوري، ولم يعرض الموضوع عليه بأمانة ولكنه.. عرض بطريقة غير شريفة. وفوجئت في الساعة التاسعة من صباح اليوم التالي لنشر المقال بالدكتور الجنزوري يتصل بي في منزلي، وبادرني بقوله »أنا باشكرك علي مقالك فقد تبين لي كما قلت أن هذا القرار كان فعلا نتيجة لعدم امانة في العرض. وان الموظف المسئول الذي عرض الموضوع أكد لي ان هذه العمارة آيلة للسقوط. وأن المطلوب تعويض هؤلاء السكان« ويضيف الدكتور الجنزوري، وأنا لا أتأخر ابدا عن تعويض اي مواطن يصيبه، ضرر.. فوافقت فورا علي قرار الهدم والتعويض، وبعد أن قرأت مقالك أعدت بحث الموضوع فوجدت أن العمارة في حالة جيدة.. والغرض الاساسي من الهدم هو توسيع حديقة وزارة الخارجية. علي حساب تشريد هذه الاسر.. ويضيف: قمت بإلغاء قراري. فورا. وأمرت بتعليق صورة منه علي باب العمارة حتي يطمئن السكان.. ويمكنك التأكد بنفسك من هذا الكلام، وشكرت الدكتور الجنزوري وكتبت في العدد التالي من »أخبار اليوم« ما حدث تحت عنوان د. الجنزوري يلغي قرارا اصدره.. د. الجنزوري: هذا هو الجنزوري رجل لا يقبل الظلم لأحد من المواطنين. ولم يتردد في الغاء القرار رغم معرفته بمن كان وراءه وهو وزير الخارجية في ذلك الوقت عمرو موسي!. وما يجعلني أكن كل الاحترام والتقدير للدكتور الجنزوري انه لم يظهر عليه الثراء. ولم تظهر عليه مظاهر العز كما نراها تظهر علي معظم الوزراء. ظل يقيم في شقته المتواضعة في مصر الجديدة.، المكونة من ثلاث غرف وصالة في منزل متواضع بالدور الثاني، وهي ليست تمليكا ولكنها بالايجار. كما أنه لا يملك سيارة خاصة وكان يستعمل السيارة الحكومية، ولم يشتر سيارة حتي الان، وليس عنده مكتب خاص يقابل فيه اصدقاءه. ومعارفه.. ويستخدم مكتب زوج ابنته المهندس. ولم يحقق الدكتور الجنزوري مكاسب من عمله كوزير أو رئيس وزراء بل ظل كما هو الدكتور الجنزوري حبيب الفقراء، كما كانوا يطلقون عليه خلال فترة تولية الوزارة. أما عن مواقف الدكتور الجنزوري مع النظام الفاسد، وكيف اصطدم اكثر من مرة مع الرئيس السابق، وكيف استطاع يوسف بطرس غالي ان يضحك علي مبارك ويشحنه ضد الجنزوري لاغراض في نفسه، وكيف ان مبارك كان يحقد علي الجنزوري لانه كان ينحاز للطبقات الشعبية. جاء الجنزوري رئيسا للوزارة وهو يعتزم ان يقدم للمواطن الفقير كل مساعدة ولذلك عرف بأنه رئيس وزراء الفقراء. وهذه بعض أعمال الجنزوري: أولا: بدأ الجنزوري في حل مشاكل الدولة والخروج من الوادي الضيق، واجريت الدراسات العلمية والتي انتهت بالبدء في تنفيذ ثلاثة من اكبر المشروعات، وهي مشروع توشكي ومشروع التفريعة والمشروع القومي لتعمير سيناء وللاسف.. فقد جاءت الحكومات من بعده وبتوجية من الرئيس السابق بتعطيل استكمال هذه المشروعات وكل الدراسات تشير الي انها لو استكملت لساهمت بقدر كبير جدا في حل مشاكل الفقراء في مصر فهذه المشروعات تستهدف توفير الغذاء للشعب والاستغناء عن استيراد القمح وغيره من المواد الغذائية.. وايضا كانت ستساعد في حل مشكلة البطالة. ثانيا: قام الجنزوري بالغاء ضريبة الايلولة، ورفض اصدار اي قوانين بفرض ضرائب جديدة وكان ذلك سببا في الخلاف بينه وبين الدكتور يوسف بطرس غالي والذي كان يسعي دائما لطعنه من الخلف لدي الرئيس السابق والذي كان يستمع الي غالي أكثر مما يستمع الي الجنزوري!. ثالثا: حافظ علي سعر الجنيه المصري ورفض تخفيض قيمته تنفيذا لتعليمات صندوق النقد الدولي، بل ورفض مقابلة مسئولي الصندوق وكان أمرا مؤسفا ان يقوم يوسف بطرس غالي بمقابلتهم بفندق الهيلتون. من وراء ظهره. وانحاز مبارك لبطرس غالي، الامر الذي دفع الدكتور الجنزوري الي التقدم باستقالته ولكن مبارك رفضها حتي لا تزداد شعبيته عند الناس. رابعا: عندما خرج الجنزوري من الوزارة قام زكريا عزمي بتوجيه الصحف الحكومية بالامتناع عن نشر أي اخبار أو أحاديث تخص الجنزوري وأكثر من ذلك دفعوا البعض للتعريض بشخص الجنزوري ومحاولة توجيه النقد غير الموضوعي للمشروعات الكبري التي تولاها ومنعه من المشاركة في الاحتفالات العامة طبقا للبروتوكولات التي تقضي بدعوة رؤساء الحكومات السابقين لمثل هذه الاحتفالات. ولما قام البعض بنصيحة مبارك بدعوة الجنزوري في مثل هذه الاحتفالات، ودعي لأول مرة للمشاركة في احتفالات اكتوبر سنة 9991 استقبله الحاضرون بتصفيق حاد ولمدة أكثر من خمس دقائق ورحبوا به أكثر من ترحيبهم بالرئيس السابق مما زاد من سخط وغضب الرئيس السابق عليه!