صباح أمس، وفي تمام الساعة التاسعة وأربعين دقيقة، كنت أمام اللجنة الانتخابية، في معهد طلعت السيد الأزهري، بالمنطقة التاسعة بمدينة نصر، شارع عبد العزيز السيد، وهو المقر الإنتخابي، المقرر أن أدلي بصوتي فيه، طبقا لما تم إبلاغي به عن طريق الموقع الإلكتروني للجنة العليا للانتخابات، والذي ذكر فيه أن رقم لجنتي الفرعية هو "384" وأن رقمي في كشوف الناخبين هو "380". كنت متصوراً أنني من الطيور المبكرة، وسأكون من أوائل الناس الراغبين في الإدلاء بصوتهم، وكنت حريصاً علي ذلك حتي أتحاشي الزحام، والوقوف في الطوابير،إذا كان هناك زحام، وإذا كانت هناك طوابير،..، ولكن أنت تريد، وأنا أريد، والله يفعل ما يريد. كانت المفاجأة، لحظة إقترابي من المقر الإنتخابي، علي غير ما أحتسب، وعلي غير ما توقعت،..، زحام، طوابير مكتظة، وحاشدة، هذا طابور كبار السن يمتد الي أكثر من مائة متر، أو مائتي متر، وفيه حشد كبير من المواطنين، والآخر للشباب ومتوسطي العمر، ويمتد دون أدني مبالغة مئات الأمتار وفيه بضعة آلاف. الكل واقف، والكل منتظر، دون جلبة، ودون ضوضاء، هناك تبادل للحديث بين البعض، ولكن في هدوء، وعلامات الجدية، ومظاهر الاهتمام ترتسم علي كل الوجوه في إصرار واضح، وعزم ظاهر علي أداء الواجب الإنتخابي، باعتباره مسئولية وطنية واجبة الأداء في ظل الظروف بالغة الدقة والحساسية التي تمر بها البلاد حالياً. غمرني شعور جارف بالفخر والاعتزاز بمصريتي، قلت في نفسي، حقاً كم أنت عظيم يا شعب مصر، يظنك البعض من أصحاب الأصوات العالية، والحناجر الزاعقة، غافلا، غير مدرك، لكنهم هم الغافلون حقاً، وهم الذين لا يدركون مدي عظمة وحكمة هذا الشعب، يظنونه عن جهل منهم، بأنه جاهل وغائب الوعي، وهم الجهلاء حقا. وتوجهت الي طابور كبار السن، علي أمل الانتهاء من عملية التصويت في أقرب وقت ممكن، مستغلا واقع الحال، وظاهره، الذي يؤكد أنني قد تجاوزت بفعل الزمن طابور الشباب وأواسط العمر. الدقائق تمر، والساعة تجاوزت العاشرة والنصف، وبعدي جاء إناس كثيرون، والطابور يمتد، والأعداد تتزايد، ولكن الحركة متوقفة، والطابور لا يتحرك قيد أنملة، وفهمت من الحوار الدائر بين الواقفين أن عملية التصويت لم تبدأ بعد، نظراً لتأخر وصول بطاقات الإدلاء بالرأي،..، وتوجه أحدنا للسؤال عن سبب ذلك، وكانت الإجابة من رجال القوات المسلحة والأمن المكلفين بحفظ النظام، أن البطاقات علي وشك الوصول، وإنها تأخرت بفعل فاعل، حيث كانت هناك محاولة لإعاقة وصولها من جانب البعض، ولكنها فشلت، وهي قادمة بلا ريب. تلقي الجميع الخبر بصبر، وهدوء، رغم رفضهم واستنكارهم لمعناه ومضمونه، وفي تمام الساعة الحادية عشرة، وصلت البطاقات وسط ترحيب هادئ من الجميع، وبدأت عملية التصويت بعدها بخمس عشرة دقيقة، وبدأت الجموع تتحرك للإدلاء برأيها، وقول كلمتها، واختيار ممثليها ونوابها، في أول برلمان بعد الثورة. وقبل دخولي للمقر الإنتخابي، إلتفت لي، أحد الواقفين في الطابور، قائلا " الساعة الآن الثانية عشرة، وأنا هنا من التاسعة، لقد أمضيت ثلاث ساعات حتي أدلي بصوتي،..، قلت لقد أمضيت ساعتين ونصف،..، أضاف، قبل ذلك لم أكن أحضر، ولم أكن أهتم، لقد كانوا يصوتون بالنيابة عني، وعنا جميعاً، ولكن ذلك زمن مضي ولن يعود ؟!. نظرت إليه أتأمله، أنه واحد من الناس، أحد المواطنين العاديين من أبناء هذا الوطن،..، وقلت في نفسي كم أنت عظيم يا شعب مصر.