»فليبدأ كل مواطن بتغيير نظرته للحياة.. ويجعل هدفه خدمة المجموع، ورفعة شعبه..« الاثنين: هذا الكلام أوجهه لجميع المواطنين بصفة عامة، وشباب الثورة بصفة خاصة.. أقول لكل واحد منهم: لكي تكون ناجحاً في حياتك، يجب بل ويتحتم عليك أن تنضم إلي أحد الاحزاب السياسية، ولا يهم أن تكون يمينياً أو مستقلا أو يساريا، وإنما الذي يهم ألا تكون لديك فكرة، ولا موقف سياسي، ولست عضواً في حزب من الأحزاب، وإنما تعيش لنفسك فقط، ويشغل كل وقتك طعامك وشرابك ومتعك الشخصية، فالشخص الذي يبلغ مرحلة النضج، دون أن يلقي بنفسه في خضم السياسة دارساً ما له وما عليه، وهؤلاء الذين لا يهتمون بالسياسة التي ترتبط بحياة كل شخص، والذين لا يشاركون في الانتخابات او الاستفتاء، قوم لا يعرفون لاستقلال افكارهم معني، ولا لحرية تعبيرهم مغزي، فهم نكرات يعيشون علي هامش الحياة، وان الرجل أو المرأة التي لا تبدي ميلا لقراءة ودراسة ومناقشة المسائل والحركات السياسية، لا يشعر أيهما بالمسئولية التي تقع علي عاتقه لتوجيه سياسة المجتمع الذي هو أحد أفراده، بل إن ذلك دليل ملموس علي التأخر الذهني الذي يصيب التفكير السياسي بالصدأ. وإن أبلغ رد علي هؤلاء الذين لا يباشرون حقوقهم السياسية، هو تذكيرهم بأن روح عدم الشعور بالمسئولية مازالت تسيطر عليهم رغم السن التي بلغوها! وأهم واجب علي المواطن ألا ينضم إلي حزب ما جريا وراء مصلحة ذاتية، تنحرف به عن المصلحة العامة. وإذا وجدت حزبا سياسياً تقوم فلسفته الأساسية علي البلطجة والضغط علي الآخرين، فاعلم ان زعماءه اشخاص ناقصون من الناحية السيكولوجية، وأن دراستهم للسياسة. ناقصة، وأجدر بالشخص الواعي أن يبتعد عن مثل هذه الأحزاب. والمواطن الواعي هو الذي يجعل هدفه خدمة المجموع قبل الفرد، ورفعة شعبه، ولكي تبدأ اليوم في تغيير نظرتك إلي الحياة، وتعمل علي الاندماج في الوسط السياسي، يجب ان تدرك بأن السياسة ليست وقفا علي أفراد معينين، بل هي من واجبات الشعب كله، وأن الرجل والمرأة متساوون في مباشرة الواجبات السياسية، ويجب عليك أن تقوم بواجباتك السياسية كاملة من تصويت ودراسة ومناقشة للمشاكل التي تعرض في بلدك، كما يجب الا تنضم الي حزب قبل أن تدرس النظم السياسية لكل الاحزاب، وتري أيها يخدم مصلحة الشعب أكثر من غيره. أخطاء في تنظيم الاستفتاء الثلاثاء: لا يختلف اثنان علي أن الإعداد للاستفتاء علي تعديل مواد الدستور لم يكن جيداً، كان هناك بعض الاخطاء جاءت نتيجة لضيق الوقت فأدت الي عدم دقة النتائج والأرقام، هذا الكلام اقوله عن تجربة لمستها بنفسي. فقد كنت متحمسا للإدلاء بصوتي بعد ان مضت عقود طويلة لم استخدم فيها حقي في المشاركة السياسية، فقد كنت اعرف مقدما مثل اي مواطن ان صوتي ليس له قيمة، ولن يكون له تأثير في النتيجة التي كنا جميعاً نعرفها مقدماً، كان مجرد الذهاب الي لجان الانتخاب مغامرة، قد يتعرض فيها الناخب للإهانة والتجريح أو الضرب أحياناً، كان البلطجية من أذناب النظام السابق يحاصرون اللجان، ويتحكمون في الناخبين.. يسمحون لمن يريدون، ويمنعون من يريدون، هكذا كانت الانتخابات، صورة بشعة تشوه وجه الوطن العزيز، الذي أفقدوه سمعته وكرامته وعزته أمام العالم بأساليبهم الرخيصة. لم أكن وحدي الذي كان يمتنع عن الادلاء بصوته، بل كان مثلي الملايين من المثقفين، بل وكل من يحترم نفسه ويعتز بكرامته. وبعد ثورة يناير كان شعوري مختلفا مثل كل الناس، قررت ان اشارك في الحياة السياسية بعد ان استعدت كرامتي، وادلي بصوتي في الاستفتاء مهما كلفني ذلك من مشقة أو وقت.. خرجت في هذا اليوم من منزلي مبكراً وقبل موعدي المعتاد بساعة كاملة تحسبا للزحام وكنت أعرف مسبقا مكان لجنة الاستفتاء بالزمالك، وهي ليست بعيدة عن المنزل، وفوجئت عندما ذهبت الي هناك، وكانت الساعة لم تتجاوز التاسعة صباحاً، بأن الزحام كما توقعت شديداً، كان منظراً يفرح له أي مواطن يحب بلده، كان الطابور طويلاً، اطول بكثير من الطوابير التي كنا نراها علي أنابيب البوتاجاز والعيش، والبطاقات ومواد التموين، ياله من شعب مسكين، لقد ذاق الأمرين، ذاق الذل والمهانة في فترات كثيرة من حياته، تكاد تتكرر كل يوم وكل ساعة حتي يحصل علي قوته الضروري، كان شعوري هذه المرة مختلفاً، شعرت بالفخر والعزة وأنا أري أبناء وطني لأول مرة منذ عقود طويلة يقبلون في إصرار علي الإدلاء بأصواتهم، ويقفون بالساعات دون أن يتضرروا أو يستاءوا، أو يضجوا بالشكوي، كانوا يتحدثون ويضحكون ويتناقشون في شئون بلادهم والسعادة تنضح من عيونهم، وعلامات الرضا ترتسم علي وجوههم، وهالني طول الطابور، ولأنني أعاني من آلام في ركبتي، والوقوف لمدة طويلة يزيد من آلامي، قررت ان ابحث عن لجنة أخري في الأحياء القريبة، لعلها تكون أقل زحاماً، ذهبت الي المهندسين والدقي والعجوزة، ولكن وجدت كل اللجان مزدحمة، والطوابير تمتد لآلاف الأمتار، فقلت في نفسي لاذهب أولاً الي عملي ثم أعود في المساء لأدلي بصوتي، وعدت في الساعة السادسة، ولكني وجدت أن المسألة زادت تعقيداً، وأن الزحام تضاعف عدة مرات!! وتساءلت: كيف سيدلي كل هؤلاء الواقفين في الطابور بأصواتهم ويقدر عددهم بالمئات وأحياناً بالآلالف، ولم يبق سوي ساعة واحدة علي موعد انتهاء الاستفتاء وإغلاق اللجان، وقررت رغم ظروفي الصحية الوقوف في الطابور لعل الحظ يوافيني هذه المرة، ولكن للأسف اعلنت اللجنة إغلاق أبوابها قبل وصولي الي بابها بعدة أمتار، فأصابني الشعور بالاحباط والحزن، لم أكن وحدي الذي أصابه هذا الشعور، بل كان معي المئات الذين لم يستطيعوا الإدلاء برأيهم! وبكل تأكيد لم تكن هذه اللجنة هي الوحيدة التي أغلقت ابوابها في الموعد المحدد دون أن تتمكن هذه الأعداد الكبيرة من المواطنين من أداء واجبهم نحو الوطن. وما حدث يعتبر أحد الاخطاء المهمة التي شابت تنظيم الاستفتاء، فقد كان عدد اللجان غير كاف لاستيعاب كل هذه الأعداد الضخمة، وقد يكون ذلك بسبب عدم كفاية عدد القضاه، ولكنه عذر أقبح من ذنب، فكان من الممكن للمشرفين علي تنظيم هذه العملية، الاستعانة بشخصيات أخري لسد هذا العجز الذي ترتب عليه حرمان مئات الآلاف بل الملايين من الإدلاء بأصواتهم، وبالتالي كانت الأرقام التي أعلنت غير دقيقة، فلو اتيحت فرصة التصويت لكل المواطنين الذين ذهبوا الي اللجان، وانصرفوا دون الإدلاء بأصواتهم بسبب إغلاقها في الموعد المحدد، لفاق العدد، الثمانية عشر مليونا بكثير. والدليل علي عدم التنظيم هو أن جميع اللجان لم تلتزم بموعد انتهاء عملها في السابعة مساء، واستمر بعضها في العمل الي ساعات متأخرة، حتي استوعبت جميع المواطنين الذين كانوا يقفون في الطوابير، مما جعل هناك تفرقة في ممارسة حق التصويت، البعض منح هذا الحق، والبعض الآخر حرم منه! وحتي نتجنب هذا الخطأ، كان من الممكن مد عمل اللجان عدة ساعات أخري، أو جعل الاستفتاء لمدة يومين. خطأ آخر، وهو عدم وصول بعض القضاة إلي لجانهم في المواعيد المحددة، مما أدي إلي إلغاء هذه اللجان، كما أن عددا آخر من القضاة وصل متأخراً فتأخر البدء في عملية التصويت، وكان هذا الخلل بسبب عدم وصول الإخطارات الي هؤلاء القضاة قبل يوم الاستفتاء بوقت كاف! خطأ ثالث، وهو عدم كفاية الادوات اللازمة لاجراء عملية التصويت، مثل الاستمارات والحبر الاحمر، والاختام، وهي أدوات ضرورية كان من المفروض توافرها بكميات تزيد عن الحاجة، حتي لا تحدث أزمة في هذه الادوات تعطل هذه العملية! هذه أهم الاخطاء وليست كلها، وقد قصدت أن ألفت النظر إليها حتي لا تتكرر في المرات القادمة، فمازال امامناً الشوط طويلا، انتخابات المجالس النيابية، ثم انتخابات رئيس الجمهورية، ثم الاستفتاء علي الدستور الجديد. وفقنا الله جميعاً لخير الوطن وسلامته.